
هل يوجد تشابه بما يحدث الآن في بلاد العالم و زمن الأنبياء؟!!
عندما نتأمل السيرة النبوية نجد أن حياة الرسول ﷺ لم تكن طريقًا مفروشًا بالورود، بل كانت مليئة بالتحديات والابتلاءات و الصعوبات ؛لنشر الدعوة الإسلامية. ففي مكة، عانى المسلمون الأوائل حصارًا اقتصاديًا استمر ثلاث سنوات ، حتى أكلوا أوراق الشجر من شدة الجوع. ومع ذلك، لم يتراجعوا عن إيمانهم، بل كانوا يزدادون ثباتًا و إيمانا كلما اشتدت المحن.
كما تحمل النبي ﷺ الإهانات والاضطهاد من قريش، ورُمي بالحجارة في الطائف حتى سال الدم من قدميه، ومع ذلك رفع رأسه إلى السماء وقال: إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي. هذا الموقف العظيم يلخص معنى الصبر و الإيمان الحقيقي: فالصبر ليس مجرد احتمال الألم و التعذيب ، بل هو الثبات على المبدأ والإصرار على متابعة الطريق رغم كل العقبات.
فإذا نظرنا إلى عالمنا المعاصر، نجد أن صور المعاناة لم تنتهِ، بل تتكرر بأشكال مختلفة. في فلسطين وغزة يعيش الناس تحت حصار طويل وقصف متواصل، يفقدون بيوتهم وأحبتهم من أطفالهم لشيوخهم، ومع ذلك يتمسكون بأرضهم ويثبتون في مواجهة الاحتلال ؛ بل يزدادوا أملا و إيمانا بالله. هذه الصورة تكاد تكون نسخة حديثة من حصار المسلمين في مكة، مع اختلاف الزمان والمكان، لكن المعاناة واحدة والصبر واحد ، وأيضا الإيمان واحد.
وفي أوكرانيا وروسيا، نجد أن الحرب ألقت بظلالها القاسية على ملايين المدنيين، الذين أصبحوا بين لاجئين ونازحين ومشردين. ومثلما اضطر المسلمون الأوائل إلى الهجرة من مكة إلى المدينة بحثًا عن الأمن والأمان، يضطر اليوم كثير من الناس إلى ترك أوطانهم وأراضيهم ؛لينجوا بأنفسهم وأطفالهم.
فيوجد وجه شبه كبير بين ما يحدث الآن و زمن الأنبياء
ففي مكة، كان المسلمون يفتقدون الطعام والشراب تحت الحصار، واليوم يعاني أهل غزة من نقص الغذاء والدواء و من أبسط حقوق الحياة.
في زمن النبي ﷺ، كان المسلمون مطاردين بسبب عقيدتهم، واليوم يطارد الأبرياء بسبب انتماءاتهم أو أوطانهم.
كما جاء الفرج بعد صبر طويل بفتح مكة، يبقى الأمل حاضرًا بأن يأتي يوم تنتهي فيه هذه الصراعات ويعود الحق لأصحابه.
ففي النهاية ،"إن قراءة السيرة ليست مجرد عودة إلى الماضي، بل هي دعوة للنظر في الحاضر بعيون مختلفة. فإذا كان النبي ﷺ قد صبر وانتصر رغم قلة العدد والعدة، فإن الشعوب المظلومة اليوم تستطيع أن تصمد وتتمسك بحقها، لأن التاريخ يثبت أن النصر في النهاية حليف الصابرين".
الحروب والشدائد قدرٌ لا يخلو منه أي زمن، لكن ما يبقى خالداً هو صبر الإنسان وإيمانه. والسيرة النبوية تضع بين أيدينا مثالاً عمليًا على أن طريق الصبر قد يكون طويلاً ومرهقًا، لكنه الطريق الذي يقود في النهاية إلى الكرامة والنصر. فليكن صبر النبي ﷺ وصبر أصحابه زادًا لنا في مواجهة ما نراه اليوم من ظلم وحروب، ولنتذكر أن بعد كل محنة منحة، وبعد كل ظلام لا بد أن يشرق نور الفجر.
ومن يتأمل سيرة الأنبياء جميعًا، يجد أن طريق الدعوة لا ينفصل عن طريق الابتلاء، فنوح عليه السلام صبر قرونًا وهو يدعو قومه ولم يؤمن معه إلا قليل، وإبراهيم عليه السلام أُلقي في النار فكانت بردًا وسلامًا، وموسى عليه السلام خرج ببني إسرائيل من مصر تحت مطاردة فرعون وجنوده. كل هذه المواقف تؤكد أن سنة الله في الكون أن الحق يُبتلى ثم ينتصر في النهاية.
فلنجعل من سيرة النبي ﷺ نبراسًا لنا، نستمد منها الصبر والثبات، ونوقن أن الفرج آتٍ مهما طال البلاء، لأن الله وعد عباده المؤمنين بالنصر المبين، قال الله -تعالى- ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾