كيف يمكن أن يولد الإنسان كوحش

كيف يمكن أن يولد الإنسان كوحش

0 المراجعات

 

كيف تؤثر طفولة الإنسان على تشكيل شخصيته؟ قراءة في ضوء شخصية “ديكستر”

تمر شخصية الإنسان بمراحل متباينة من التطور، تبدأ منذ اللحظة الأولى لولادته، بل وربما قبل ذلك. فما يعيشه الطفل في سنواته الأولى من حياته، يترك بصمات لا تُمحى على سلوكه، أفكاره، وحتى رؤيته للعالم من حوله. وقد تناولت الأعمال الدرامية هذه الفكرة بشكل متكرر، ولعل من أبرز النماذج التي سلطت الضوء على هذا الجانب، مسلسل Dexter، الذي يستعرض كيف يمكن أن تصنع الطفولة المعقدة شخصية خارجة عن المألوف.

---

الطفولة ليست مجرد مرحلة... بل حجر الأساس

الطفل لا يُولد "جيدًا" أو "سيئًا"، بل يُولد صفحة بيضاء. وكل تجربة يمر بها، وكل موقف يعيشه، وكل كلمة يسمعها من الأهل أو المحيطين به، تساهم في رسم ملامح هذه الصفحة. وفي مسلسل Dexter، نرى كيف أن تعرض الطفل "ديكستر" لموقف صادم في طفولته – وهو مشهد مقتل والدته أمام عينيه – قد شكّل نواة ما أصبح عليه لاحقًا من شخصية معقدة لا تشعر بالعاطفة كما يفعل الآخرون.

ما يميز هذه المعالجة الدرامية هو أنها لا تبرر السلوك الخاطئ، لكنها تفسره. فديكستر لم يتحول إلى هذا الشخص نتيجة "اختيار حر"، بل كان ضحية لظروف خارجة عن إرادته، تُركت دون تدخل أو علاج نفسي حقيقي.

---

التربية تُعيد تشكيل ما أفسدته الحياة

رغم ما مر به ديكستر، لم يُترك تمامًا. والده بالتبني – الضابط "هاري" – أدرك مبكرًا أن الطفل يعاني من اضطرابات داخلية عميقة، فقرر أن يضع له "قواعد" تساعده على توجيه هذا الجانب المظلم. وعلى الرغم من الجدل الأخلاقي حول هذه الطريقة، فإنها تشير إلى نقطة مهمة جدًا: يمكن توجيه السلوك، حتى وإن كان ناتجًا عن صدمة، إذا وُجد المربي الواعي.

تُظهر هذه القصة الرمزية أنه لا يكفي أن نلوم الطفل على سلوكه، بل ينبغي أن ننظر إلى جذور هذا السلوك، وغالبًا ما تكون الجذور في الطفولة.

---

لماذا يختلف طفل عن آخر في نفس البيئة؟

قد يطرح البعض سؤالًا منطقيًا: لماذا لا يتشابه جميع الأطفال الذين عاشوا نفس الظروف؟ والإجابة تكمن في عدة عوامل، مثل:

التركيبة النفسية الفردية لكل طفل.

دعم الأسرة أو غيابه.

وجود قدوة أو غيابها.

طريقة تفسير الطفل لما حدث له.

 

في مسلسل Dexter، كان شقيقه البيولوجي قد عاش نفس الحادث المأساوي، لكنه أصبح شخصية مختلفة تمامًا، وأكثر عنفًا. الفارق أن ديكستر وُضع في بيئة حاولت احتواؤه نسبيًا، بينما تُرك شقيقه دون رعاية. هذا الاختلاف يُبرز كيف أن البيئة بعد الحدث الصادم تلعب دورًا محوريًا في التكوين.

---

ما الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه الظواهر؟

1. الانتباه للتجارب الصعبة التي يمر بها الأطفال، وعدم التقليل منها مهما بدت بسيطة للكبار.

 

2. أهمية الدعم النفسي في مرحلة الطفولة، خاصة عند حدوث صدمة أو فقد أو حتى إهمال عاطفي.

 

3. ضرورة وجود قدوة أو موجه يستطيع فهم مشاعر الطفل وتوجيهها، بدلًا من كبتها أو تجاهلها.

 

4. الاعتراف بأن السلوك غير الطبيعي له أسباب، وليس مجرد "خلل" أو "عيب" في الشخصية.

---

خلاصة

الطفل كالنبتة، ما تزرعه فيه في سنواته الأولى هو ما سيجنيه المجتمع في المستقبل. والتجارب القاسية قد لا تُمحى، لكنها ليست بالضرورة حكمًا نهائيًا على المصير. فبوجود الدعم، والفهم، والتوجيه، يمكن أن يتحول الألم إلى وعي، والصراع الداخلي إلى قوة إيجابية.

كما رأينا في شخصية "ديكستر"، لا شيء يُولد من العدم، وكل سلوك له جذور. والطفولة ليست مرحلة عابرة، بل هي أساس كل ما يأتي بعدها.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

0

متابعهم

0

متابعهم

0

مقالات مشابة