
الطفل المدلل: معاناة في الصغر وشقاء في الكبر
الطفل المدلل: معاناة في الصغر وشقاء في الكبر
من منّا لا يحب أن يرى أطفاله سعداء، محاطين بالحب والرعاية؟ من منّا لا يرضخ أحيانًا لدموع طفل صغير يطلب لعبة جديدة أو قطعة حلوى إضافية؟ لكن ماذا لو علمنا أن الإفراط في التدليل ليس تعبيرًا عن الحب، بل وصفة تربوية خاطئة قد تُنتج طفلًا هشًّا، غير قادر على مواجهة الحياة، ومراهقًا متطلبًا، وبالغًا فاشلًا في علاقاته ومسؤولياته؟
التدليل: متى يصبح خطرًا؟
التدليل المفرط لا يعني فقط تلبية كل رغبات الطفل، بل يشمل أيضًا عدم تحميله أي مسؤولية، وتبرير أخطائه، والتغاضي عن السلوكيات السيئة، والخوف من حزنه أو غضبه. هذا النمط من التربية يُنتج طفلًا يشعر أنه محور الكون، معتاد على الحصول على ما يريد دون مجهود أو انتظار.
في البداية، قد يبدو هذا الأسلوب مريحًا للوالدين، خاصة في عمر الطفولة المبكرة، حيث لا تزال الملامح التربوية تتشكل. لكن الحقيقة أن هذا "الراحة المؤقتة" قد تتحول إلى "كابوس مستمر" كلما كبر الطفل، وواجه الحياة بواقعية، دون أن يكون مجهزًا لها.
النتائج النفسية والسلوكية على الطفل المدلل:
1. ضعف القدرة على التحمل: الطفل المدلل لا يتقبل الرفض، ولا يتحمل المسؤولية، مما يجعله سريع الغضب والانسحاب عند أول عقبة.
2. غياب الاستقلالية: لأنه لم يُطلب منه يومًا ترتيب سريره أو أخذ قرار بسيط، يصبح عاجزًا عن إدارة أبسط أمور حياته لاحقًا.
3. قلة احترام الآخرين: إذ اعتاد أن يكون هو الأول، والأهم، ما يجعله لا يراعي مشاعر أو احتياجات من حوله.
4. مشكلات دراسية وسلوكية: لأنه غير معتاد على النظام والانضباط، وقد يواجه صعوبات في التفاعل مع السلطة (مثل المعلمين) أو الالتزام بالقواعد.
وفي الكبر... الشقاء الحقيقي
الطفل المدلل عندما يكبر يصبح شخصًا غير ناضج، لا يعرف كيف يتعامل مع ضغوط العمل، أو متطلبات العلاقات الاجتماعية. يتوقع من الجميع أن يلبوا رغباته كما كان يحدث في الطفولة، وعندما يُصدم بالواقع، يشعر بالإحباط، وربما يدخل في نوبات من الاكتئاب أو الغضب غير المبرر.
قد يفشل في زواجه، لأنه لا يعرف كيف يقدّم، بل يريد أن يُقدَّم له كل شيء. وقد يعاني في عمله لأنه لا يعرف كيف يبني نفسه من الصفر، أو يتقبل النقد البنّاء.
الحل في التوازن
التربية لا تعني القسوة، لكنها بالتأكيد لا تعني الاستسلام. الحب الحقيقي هو أن نُعلّم أطفالنا كيف يكونون أقوياء، مسؤولين، قادرين على اتخاذ القرارات ومواجهة التحديات. أن نمنحهم ما يحتاجونه، لا كل ما يرغبون به. أن نكون سندًا لهم، لا خدامًا لرغباتهم.
في النهاية، الطفل المدلل اليوم قد يكون إنسانًا تعيسًا غدًا. فلنحبهم، نعم، ولكن بعقل. فالتربية مسؤولية، لا مجرد لحظات حنان.
بقلم: د. ولاء بني يونس