
ضمير الأم: الحارس الذي لا ينام
ضمير الأم: الحارس الذي لا ينام
قد تخطئ، تتعب، تصرخ، أو حتى تنهار، لكنها في النهاية، تعود بقلبها. إنها الأم. لا شيء في هذا الكون يُشبه ضميرها. ضمير الأم ليس كأي ضمير. إنه كائن حيّ ينبض بداخلها، يوقظها على أدق التفاصيل، ويحاسبها على نظرة، على كلمة، على لحظة غياب قصيرة قد لا يلحظها أحد.. إلا قلبها.
ضمير الأم لا يتركها تهنأ إن بكى صغيرها قليلًا، حتى لو كان البكاء عابرًا. يلازمها كظلّها، يسألها: هل أطعمتِه جيدًا؟ هل احتضنتِه بما يكفي؟ هل سمعتيه عندما تكلم، أم كنتِ منشغلة بالهاتف؟ قد تغفو عيناها، لكن هذا الضمير لا ينام. يتفقد أبناءها حتى وهم نائمون، يغطيهم إن انكشفوا، ويتلو عليهم دعاءً صامتًا يحمل كل ما تبقى في قلبها من طاقة.
ضمير الأم لا يرحمها إن شعرت أنها قصّرت، حتى لو كان تقصيرها خارجًا عن إرادتها. إن تأخرت على طفلها بعد المدرسة، تجد نفسها تبكي في السيارة، تلوم نفسها رغم زحام الطرق. إن مرض أحدهم، تتمنى لو تأخذ المرض عنه، ولو بثمن عمرها.
حتى حين يكبر الأبناء، وتغادرهم الحاجة الجسدية إليها، يبقى ضميرها يعمل بكامل طاقته. تُطاردها فكرة: هل ربيتُهم كما ينبغي؟ هل جهّزتهم للحياة؟ هل دعمتهم بما يكفي؟ وهل كنتُ الحضن الآمن حقًا؟ تضيع بين الإجابات، لكنها لا تتوقف عن المحاولة. بل تظل تسأل وتراجع نفسها في كل تصرف، فضميرها لا يعرف الاكتفاء، ولا يهدأ إلا حين يطمئن على أولادها تمامًا، جسدًا وروحًا ونجاحًا.
ضمير الأم لا يحتاج لمن يُوقظه، فهو دائم الحضور. يُشكل بوصلة في قلبها، يهديها في قراراتها، يعلّمها كيف تُحب، كيف تُسامح، كيف تُعطي بلا حساب.
هو صوت الله داخلها. ذاك الصوت الذي يجعلها تغفر ألف مرة، وتنسى جراحها لأجل ضحكة من أحد أبنائها.
في زمن تتكاثر فيه المسؤوليات وتضيق فيه الأنفاس، لا يزال ضمير الأم هو الشيء الوحيد الذي يبقى حيًا، نقيًا، قويًا. فطوبى لكل أم ما زال ضميرها يوقظها على الخير، ويمنح هذا العالم دفئًا لا يُشبهه دفء. لأنه بكل بساطة، ضمير لا يُشترى، ولا يتكرر.