أبرز ما تتميز به اللغة العربية سعة اشتقاقاتها ووفرة صيغها

أبرز ما تتميز به اللغة العربية سعة اشتقاقاتها ووفرة صيغها

0 المراجعات

أفاضت كتب اللغة قديمها وحديثها، وبشهادة أهلها واعتراف خصومها، بل بحقيقتها التاريخية وواقعها المشاهد في البرهنة على تميز هذه اللغة وتفردها بل من أكثر من وجه منها:

وفرة مفرداتها: إذ تقدر ثروة اللغة العربية من الألفاظ بنحو 12.305.412 مفردة تتألف من نحو 180.000 مادة، بينما يُقدر معجم اللغة الإنجليزية بنحو 790.000 مفردة ما بين كلمة ومصطلح. وبقدر عدد جذور اللغات الهندية الأوروبية وهي التي ترجم  عنها في القرن العشرين بنحو 500 جذر، بينما تضم اللغة العربية وحدها نحو 9273 جذراً. وهي تقديرات تعتبر مقبولة علمياً وإن كانت مفردات معجم اللغات أًصعب من أن يحاط بعددها على وجه القطع واليقين.

ومن أبرز ما تتميز به اللغة العربية سعة اشتقاقاتها ووفرة صيغها واطراد القياس فيها وتوسع أهلها في القياس حتى مع شذوذ الاستعمال، وشذوذ القياس أحياناً.

ويكفي أن الجذر الثلاثي للمفردة العربية تتفرع منه عشرات الصيغ الوزنية مطردة القياس متجانسة الدلالة، إذ تظل كل مفردة تحمل علاقتها البعيدة أو القريبة، والأخير هو الغالب، مع الدلالة المركزية للجذر. هذا إلى ما يجمعه ما اطرد من القياس على قاعدة الاشتقاق الأكبر بالتقاليب، من الأسر الكبرى للمعاني اللغوية، وعائلات المشترك اللفظي والمشترك المعنوي، لهذا يسهل إدراك العلاقات وأوجه الترابط بين المفردات المختلفة التي تنتمي إلى جذر واحد. وفي ذلك ما يدل على علمية هذه اللغة، فإن أية مقابلة بين مفردات أصل عربي مع لغات أخرى، توضح مدى اليسر والسهولة في العربية، التي لا تستوجب من صاحبها سوى معرفة الأصل الثلاثي فقط ودلالات الصيغ دون الحاجة إلى حفظ كل مفردة بمعناها. وبسبب هذه الروابط العضوية أمكن لعلماء اللغة وضع القواعد (العقلية) العلمية التي يقاس عليها في معرفة الصواب والخطأ، وفي صياغة كلمات جديدة للمواقف الجديدة دون الخروج على أصول اللغة وروحها.

ومما يلحظ من مميزات هذه اللغة وميلها إلى الترابط والتجانس احتفاظ كثير من كلماتها بمعانيها الحقيقة مع شيوع معانيها المجازية على الألسنة، وتناسب الرمز الصوتي مع كثير من مسميات الأشياء والمعاني. وفوق كل هذا أدبية هذه اللغة وشاعريتها وقيام صيغها على الأصول الوزنية، واستغلالها لكل مخارج الأصوات، مماهو دليل على الحس الفطري الصادق لها، وجيانها على السليقة التي يسرت النظم للشاعر الجاهلي بالأمس، والرجل للأمي في هذه الأيام.

وإن كل هذه الخصائص والقواعد العامة والفرعية لعلوم اللغة العربية تفتح من الآفاق وتتيح من حريات التعبير أكثر مما يتوهم أنها تقيّد: لأنها تعتمد المنطق والجمال والسليقة الفطرية في أحكامها.

فسعة الاشتقاق ووفرة الصيغ فيها، واطراد القياس في أكثر أبوابها، يفسح مجالات أوسع للتصرف في أوجه التعبير والاستخدام اللغوي، وكذلك ما يتيحه وجود الإعراب فيها من حرية التصرف في الكلام بالتقديم والتأخير والحذف والإضافة والإتباع والفرق والفصل. وهو ما لا يتسر كثيراً لغيرها من اللغات.

يذكر نجيب الحداد في مقال له في المقابلة بين الشعر العربي الشعر الإفرنجي أن لغات الشعر الإفرنجي نادراً ما تتفاوت درجات البيان أو تتعد وجوه التعبير فيها (أو في ما بينها) لأنها ترجع في معظمها إلى أصل واحد وهو اللغة اللاتينية، ولأنها من جهة لغات ضيقة محدودة، وضروب البلاغة فيها متشابهة تقريباً. ولهذا يعول أصحاب هذه اللغات في نظمهم على دقة المعاني وحقائق الأفكار، أكثر مما يعتمدون على رشاقة اللفظ وزخرف الأساليب، إذ لغاتهم أضيق من لغتنا كثيرا. وقلما تختلف أنواع التعبير عندهم اختلافهم واستفاضتها عندنا، بحيث إنهم لا يجدون لإبراز المعنى صيغة أو صيغتين إلا وجدنا نحن عشر صيغ أو أكثر نتفنن بها في إبرازه. وتختلف درجة الشاعرية عندنا باختلاف الإجادة والتقصير فيها، وهي المزيّة التي امتازت بها لغتنا عن غير سائر اللغات.

وما  من شك في أدبية هذه اللغة، واستحواذ الكتابة الأدبية على معظم ما يكتب بها وعنايتها بالرصف وتنميق العبارة. وعناية العرب بالألفاظ اعتداد بالمعاني وتشريف لها بتحسين وعائها وإتقان مبانيها ، وهو ما لا تحتمله لغات أخرى. ومن أجل هذا يسقط عند الترجمة من اللغة العربية إلى غيرها من اللغات بعض الأساليب ومكونات الجمل التي يكون حظها من القيمة الشكلية والفنية أكبر من حظها من الأفكار.

ومن تمام خصائص هذه اللغة وتكامل شخصيتها أن حملت من السمات والصفات والمنطق اللغوي الخاص، ما أصبحت لا تسيغ معه أي خروج عن محمل خصوصيتها ومنطقها المتفرد. سواء من حيث عروبة المادة اللغوية في أصواتها ومخارج حرفها وجرسا وتركيبها ودلالاتها، أو من حيث ترفعها، بجديتها وجزالتها ودقة الإعراب فيها، عن التعبير عن كثير من مواقف الهزل، والابتذال في اللفظ أو المعنى، والإسراف في الغموض والذاتية المفرطة ، على نحو ما يلحظه الدارسون والمشتغلون بالترجمة خاصة. ومن هذا ما يعرض مثله لغيرها من اللغات أيضا، لارتباط عادات المنطق اللغوي وأساليب التعبير بمزاج أهل اللغة وعاداتهم وطرائقهم في تناول الحياة. وذلك ما يدفع المتحدث أحياناً إلى اطراح الإعراب أو اللجوء إلى العامية في مواقف تعبيرية معينة، أو استعارة جمل من لغات أخرى. ومثله في اللغة الواحدة الاستعانة في البيان وتوضيح المقاصد بالأمثال والمفردات المصاحبة من المضاف والمنسوب، لاستجلاب المشاعر والحالات الانفعالية التي صاحبت الموقف التعبيري في أصله.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

163

متابعهم

583

متابعهم

6651

مقالات مشابة