دور المرأة الصهيونية

دور المرأة الصهيونية

Rating 0 out of 5.
0 reviews

  دور المرأة الصهيونية

المقدمة

منذ نشوء الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، شكّلت المرأة جزءاً لا يتجزأ من المشروع الاستيطاني الذي استهدف إقامة دولة يهودية في فلسطين. لم يُنظر إليها باعتبارها مجرد عنصر ثانوي، بل عُدّت شريكاً أساسياً في جميع مراحل المشروع: من الهجرة الأولى والاستيطان، إلى المشاركة في المنظمات المسلحة، ثم في السياسة والدعاية والثقافة، وصولاً إلى الخدمة العسكرية الإلزامية في دولة الاحتلال بعد عام 1948.
هذا المقال يحاول تحليل دور المرأة الصهيونية عبر الأبعاد التاريخية والعسكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وإبراز كيفية توظيفها في خدمة أهداف المشروع الصهيوني.

أولاً: الجذور التاريخية ودور المرأة في الهجرات الصهيونية

ارتبطت الموجات الأولى من الهجرة اليهودية إلى فلسطين بمشاركة النساء إلى جانب الرجال في العمل الزراعي والاستيطاني. فقد رافقت النساء الرجال إلى المستوطنات، حيث عملن في الزراعة والبناء، وتحملن ظروف الحياة القاسية.

ظهرت صورة رمزية جديدة للمرأة الصهيونية، جسّدتها الدعاية في صورة شابة قوية، تمسك بالمعول أو البندقية، رمزاً للاندماج بين العمل والإنتاج والدفاع.

كما نشأت منظمات نسوية في أوروبا والولايات المتحدة لدعم المشروع، مثل:

منظمة هداسا في أمريكا، التي أسهمت في تمويل المستشفيات والمدارس في فلسطين.

منظمة ووتزو في بريطانيا، التي عملت على إرسال متطوعات ودعم المستوطنات.


هذه الجمعيات لم تكن مجرد هيئات خيرية، بل أدوات دعائية تمكّن الصهيونية من كسب التعاطف الغربي عبر "الوجه الناعم" للمرأة.

image about دور المرأة الصهيونية
ثانياً: المرأة الصهيونية والدور العسكري

منذ بدايات القرن العشرين، شاركت النساء اليهوديات في التشكيلات المسلحة، مثل:

الهاجاناه: القوة العسكرية الأساسية للصهيونية.

الإرجون وشتيرن: منظمتان نفذتا عمليات اغتيال وتفجيرات ضد الفلسطينيين والبريطانيين.


انخرطت النساء في أعمال التجسس ونقل الأسلحة وتقديم الدعم اللوجستي. بعضهن شاركن مباشرة في العمليات المسلحة.

شخصيات مثل حنة سينش تحولت إلى رموز في الذاكرة الصهيونية، إذ قُتلت خلال الحرب العالمية الثانية واعتُبرت "بطلة قومية".

وبعد قيام إسرائيل عام 1948، فرضت الدولة الخدمة العسكرية الإجبارية على النساء، في خطوة نادرة على مستوى العالم. ورغم أن الكثيرات أُسندن إلى وظائف إدارية أو صحية، إلا أن عدداً منهن انخرطن في القتال المباشر والاستخبارات.

بهذا أصبحت المرأة جزءاً عضوياً من البنية العسكرية للدولة، وأداة دعائية لتسويق صورة "إسرائيل المساواة".

ثالثاً: المرأة الصهيونية في المجال السياسي

برزت شخصيات نسائية تركت أثراً عميقاً في السياسة الإسرائيلية، من أبرزهن:

غولدا مائير: أول رئيسة وزراء لإسرائيل (1969–1974)، لعبت دوراً محورياً في حرب أكتوبر 1973، وارتبط اسمها بعمليات الاغتيال التي نفذها الموساد ضد الفلسطينيين بعد عملية ميونيخ.

سياسيّات أخريات شاركن في الأحزاب الكبرى وساهمن في صياغة القرارات المصيرية.


وجود النساء في مواقع سياسية عليا شكّل جزءاً من خطاب الدعاية الإسرائيلية الموجه للخارج، إذ قدمت إسرائيل نفسها كدولة تقدمية تمنح المرأة مكانة متساوية.

لكن الواقع كشف أن هذا الحضور السياسي لم يكن تعبيراً عن مساواة حقيقية، بل عن استثمار في صورة الدولة أمام العالم.


رابعاً: الدور الثقافي والإعلامي

ساهمت المرأة الصهيونية في صياغة الرواية التاريخية للدولة عبر الأدب والفنون والصحافة.

كثير من الكاتبات تناولن موضوعات الهولوكوست، والهجرة، وحياة المستوطنين.

شاركت النساء في الصحافة والإعلام لتجميل صورة إسرائيل وتبرير سياساتها.

ظهر ما يعرف بـ النسوية الصهيونية، وهو تيار يربط بين تحرير المرأة والدفاع عن إسرائيل، ما يمنح الخطاب الصهيوني طابعاً "تقدمياً" في مواجهة المجتمعات العربية.


في السينما والأدب والفن، وظفت المرأة لتعزيز الذاكرة الجماعية اليهودية وإبراز صورة "الأمة المقاتلة".


خامساً: الدور الاجتماعي والتربوي

اضطلعت النساء بأدوار أساسية في بناء الهوية القومية الجديدة عبر التعليم والصحة.

المعلمات والمربيات كنّ أدوات في نشر اللغة العبرية وإحياء التقاليد اليهودية.

الممرضات والعاملات في المجال الصحي قدمن خدمات للمهاجرين الجدد.

الأمهات رُوج لهن كـ"حارسات الهوية"، مهمتهن إنجاب أجيال جديدة من الجنود والمستوطنين.


شعار "الأم الصهيونية" أصبح مرتبطاً بواجب مزدوج: الإنجاب الكثيف والتنشئة على العسكرة والقومية.


سادساً: المرأة كأداة دعائية لإسرائيل

أدركت إسرائيل أهمية صورة المرأة في الإعلام، فاستثمرت في إظهار المجندات بزي عسكري في صور جذابة للترويج عالمياً.

هذه الصور تبرز "جمال إسرائيل وقوتها".

الجمعيات النسوية الإسرائيلية استُخدمت لتحسين صورة الدولة أمام الغرب.

المرأة في الدعاية الصهيونية أصبحت رمزاً للحداثة والمساواة، رغم أن الواقع العملي لا يعكس هذا الادعاء.

سابعاً: التناقضات والانتقادات الداخلية

رغم ما يُعلن عن المساواة، إلا أن المجتمع الإسرائيلي يظل مجتمعاً عسكري النزعة.

مشاركة النساء في الجيش كانت أداة لاستغلالهن، لا لتحريرهن.

بعض الناشطات النسويات الإسرائيليات انتقدن ربط "تحرير المرأة" بالعسكرة والاحتلال.

ظهرت حركات سلام نسائية، رفضت الخدمة العسكرية، وإن كانت محدودة التأثير.


هذا يوضح أن النسوية الصهيونية ليست حركة تحررية خالصة، بل إطار مؤدلج مرتبط بالدولة وأهدافها.


ثامناً: المرأة الصهيونية والفلسطينيون

لا يقتصر دور المرأة الصهيونية على الداخل الإسرائيلي، بل يتعداه إلى الصراع مع الفلسطينيين.

مجندات يخدمن على الحواجز ويمارسن التفتيش والإذلال بحق المدنيين.

مستوطنات يشاركن في اعتداءات على الفلسطينيين في الضفة الغربية بدافع أيديولوجي قومي–ديني.

هذه الممارسات جعلت المرأة شريكاً مباشراً في الاحتلال، لا مجرد عنصر تابع.

الخاتمة

إن تتبع دور المرأة الصهيونية عبر أكثر من قرن يكشف عن طبيعة المشروع الاستيطاني ذاته: مشروع شمولي يوظف كل طاقات المجتمع – رجالاً ونساءً – لخدمة هدف واحد هو السيطرة على الأرض وبناء الدولة. ومع ذلك، فإن مساواتها المزعومة ظلت مشروطة بخدمة الأمن القومي، لا انبثاقاً من رؤية تحررية حقيقية.

لقد تحولت المرأة في الفكر والممارسة الصهيونية إلى رمز مزدوج: أمٍّ تُنجب وتربي أجيال الجنود، ومجندةٍ تحمل السلاح، ووجهٍ دعائي ناعم لتجميل صورة إسرائيل في الخارج.

وبذلك فإن فهم دور المرأة الصهيونية لا ينفصل عن فهم طبيعة الكيان الإسرائيلي ذاته: دولة تستغل كل طاقاتها البشرية، وتعيد صياغة الأدوار الاجتماعية بما يخدم مشروعها الاستيطاني على حساب الشعب الفلسطيني.
 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

23

followings

14

followings

7

similar articles
-