
الدبلوماسية الثقافية والشبكات الاجتماعية: كيف تخوض الجزائر معركة القفطان في الفضاء المعلوماتي
منذ عدة أشهر، تعبئ الجزائر شبكاتها الاجتماعية لشن حملة تأثير حول القفطان، ردًا على ملف ترشيح المغرب لإدراج القفطان في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي. وراء هذا الصراع الثقافي، تتكشف مناورة تدخل رقمي منظمة، تمزج بين التضليل المعلوماتي والتعبئة المبنية على الهوية وحرب النفوذ. إنه نوع جديد من الدبلوماسية الثقافية، حيث أصبحت منصات "تيك توك" و"إكس" و"فيسبوك" مسارح لمواجهة رمزية بين الجزائر والرباط.
القفطان، مسرح مواجهة مغاربية
بعيدًا عن كونه مجرد لباس احتفالي، أصبح القفطان، منذ بداية عام 2024، موضوعًا للتنافس الثقافي والهوياتي بين الجزائر والمغرب. فعندما قدمت الرباط رسميًا ملفها إلى اليونسكو لتسجيل القفطان المغربي في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، لم يتأخر رد الفعل الجزائري. في غضون أسابيع، انطلقت حملة واسعة النطاق على الشبكات الاجتماعية، تقودها كوكبة من الحسابات الناشطة ومنشئي المحتوى والمجموعات المجتمعية، التي غالبًا ما تكون مجهولة الهوية أو مرتبطة بجهات قومية.
في صميم هذه التعبئة، يكمن هدف واضح: نزع الشرعية عن المبادرة المغربية، والاعتراف بالقفطان كتراث مشترك – أو حتى جزائري حصري – والتنديد بما يُنظر إليه على أنه "استيلاء ثقافي". تجري هذه المعركة في سياق من التوترات الثنائية المتزايدة، حيث أصبحت الرموز الثقافية أسلحة سردية، حيث تسعى السلطات الجزائرية إلى فرض قراءتها المنحازة للتاريخ، وشرعيتها الثقافية المزعومة، والتأثير في الوجدان الجماعي.
تيك توك، وإكس، وفيسبوك: المثلث الرقمي للتأثير
على منصة "إكس"، بدأت الحملة في أبريل بمحاولة لخلق فضيحة زائفة: اتهام المغرب بتزوير تاريخ القفطان والاستيلاء على التراث الجزائري. ويدعي مؤثرون أن القفطان الجزائري قد تم الاعتراف به بالفعل من قبل اليونسكو، مستحضرين أسماء ملابس أخرى قريبة مثل "الملحفة" أو "القندورة". تهدف استراتيجية الإرباك هذه إلى زعزعة الحقائق وزرع الشكوك حول صحة الملف المغربي.
في مايو، ارتفعت حدة الخطاب. إذ تدّعي منشورات أن اليونسكو قد عدّلت الملف المغربي بعد الموعد النهائي، وتلمّح إلى تدخل مباشر من المديرة العامة للمنظمة، أودري أزولاي، التي يتم التلويح بصلة قرابتها بأندريه أزولاي، مستشار ملك المغرب، كدليل على "التدخل". يتغذى هذا الخطاب على تضليل معلوماتي واضح، في حين أن مثل هذه التعديلات والتكييفات ممكنة وفقًا لإجراءات اليونسكو. لكن الشك يكون قد زُرع بالفعل.
تلعب منصة "تيك توك" دورًا مركزيًا في هذه الديناميكية. فتقوم حسابات مؤثرة مثل "benyelles2" أو "silya59" أو جمعية "The DZ Legacy" بنشر مقاطع فيديو فيروسية تمزج بين العاطفة والموسيقى الدرامية والسرديات الهوياتية. إن شكل الفيديو القصير والمؤثر يفسح المجال تمامًا للانتشار الواسع لقراءة منحازة للحقائق. فنرى شبابًا جزائريًا يتحدثون عن "خيانة ثقافية"، أو مونتاجات مرئية على خلفية موسيقى وطنية، أو اتهامات، بل وحتى تصريحات معادية للسامية، ضد أودري أزولاي، التي توصف بأنها "متواطئة في سرقة التراث".
أما "فيسبوك" فقد أصبح مكبرًا للصوت. فالمجموعات العامة مثل "تراث جزائرنا" (Tourath Djazairna) أو "الجزائر وتقاليدها" (L'Algérie et ses traditions) أو "تيزي سيتي" (Tizi City) تنقل على نطاق واسع نفس الحجج التي صيغت على "تيك توك" و"إكس". وتتكرر هناك نفس الهجمات ضد اليونسكو، ونفس الإشادة بالقفطان الجزائري، والرغبة ذاتها في التعبئة الشعبية. وشهد شهر يونيو مرحلة جديدة مع نشر عريضة على الإنترنت أطلقها باحثون وفنانون جزائريون تنديدًا باستيلاء المغرب على القفطان. وقد روجت لها وسائل إعلام مثل "TSA - كل شيء عن الجزائر" و"كاسباه تريبيون"، والمؤثرة شهرزاد لودادج، حيث تدعو هذه العريضة إلى اعتبار القفطان "تراثًا مشتركًا في المغرب العربي".
هجوم متدرج: بين السرد القصصي، والشخصيات العامة، وتوسيع المطالب
لا تستند الحملة الجزائرية إلى حجج فنية أو قانونية فقط، بل تعتمد على سرد عاطفي ومرئي ورمزي. في يوليو، ظهرت محاولات جديدة للاستيلاء بالربط: فقد ادعى حساب "GlaouiAkram2" أن الممثل ويل سميث ارتدى "قفطانًا جزائريًا"، بينما أشار آخرون إلى الملابس التقليدية التي ارتداها إنزو زيدان وزوجته لوصفها بأنها ملابس جزائرية. تعتمد هذه المونتاجات على شهرة الشخصيات التي يتم توظيفها لتعزيز الرواية.
في الوقت نفسه، تتكاثر التصريحات المهينة ضد المغرب والمغاربة في بعض الحسابات الموالية للجزائر، مما يكشف عن تطرف متزايد. كما يتم استهداف بعض وسائل الإعلام الأجنبية؛ فقد اضطرت قناة الفجيرة الإماراتية، التي بثت مقابلة تشير إلى أن القفطان المغربي جزائري، إلى سحب برنامجها بعد احتجاج دبلوماسي مغربي.
وفي أغسطس، لم تضعف التعبئة. تستمر المنشورات في تسليط الضوء على "ثراء القفطان الجزائري"، وتُفتح جبهة جديدة: يدعو العديد من المؤثرين الآن إلى إدراج البرنوس في قائمة اليونسكو. يشهد هذا الامتداد للصراع ليشمل عناصر أخرى من تراث الملابس – كالقندورة، والملحفة، والبرنوس – على استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى احتلال المجال الثقافي، ومضاعفة المطالب، وقيادة هجوم رمزي مضاد ضد الرباط.
القوة الناعمة اللامركزية والدبلوماسية الهجينة: التدخل عبر الثقافة
تكشف هذه الحملة عن شكل من أشكال الدبلوماسية الثقافية اللامركزية، التي ترمز إلى حروب المعلومات الحديثة. فبالإضافة إلى التصريحات الرسمية للدولة الجزائرية، يشير تقارب الخطابات وتزامنها وتكرارها من قبل جهات متعددة إلى وجود استراتيجية هجينة، بين تنسيق ضمني للسلطات وتعبئة عفوية – أو موجَّهة – للشبكات الاجتماعية.
وترتكز هذه الدبلوماسية الرقمية على عدة محركات أساسية. أولاً، إن تفعيل دور الجالية، وخاصة في فرنسا، يتيح إدراج النقاش في الفضاء الفرانكفوني، حيث تجد القضايا المتعلقة بالمغرب العربي صدى حساسًا. ثانيًا، إن اللجوء إلى شخصيات غير مؤسسية – كالمؤثرين، والتجمعات الثقافية، والصحفيين المستقلين - يتيح التحايل على القنوات الدبلوماسية التقليدية مع نشر خطاب مستهدف على نطاق واسع. وأخيرًا، يساهم تكاثر الروايات المتنافسة في طمس حقيقة الواقع، واستقطاب الآراء، وإضعاف موقف الخصم من خلال التكرار المستمر لنفس الرسالة.
حرب ثقافية ذات عواقب حقيقية
وراء الجدل حول القفطان، تدور مواجهة أوسع نطاقًا، وهي جزء من هجوم سياسي تقوده الجزائر، والذي تحول إلى حرب ثقافية في السنوات الأخيرة تستهدف تاريخ المغرب وهويته الثقافية العريقة.
يصبح اللباس التقليدي ذريعة لحرب السرديات، حيث يتمثل الرهان في تمييع الهوية الثقافية المغربية وخلق البلبلة حول التراث المغاربي، مستغلاً الفراغ القانوني والمعايير المرنة للتسجيل في اتفاقية 2003 للحصول على اعتراف من المؤسسات الدولية، وذلك بهدف بناء هوية تتجاهل الرواية الحقيقية للتاريخ الثقافي كما قدمتها وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية نفسها قبل بضع سنوات.
في هذه المعركة، أصبحت الشبكات الاجتماعية أدوات تأثير قائمة بذاتها. وتُظهر قضية القفطان أن الدبلوماسية الثقافية لم تعد تمر حصرًا عبر السفارات، بل أيضًا – وقبل كل شيء – عبر الخوارزميات، والهاشتاغات، ومقاطع الفيديو الفيروسية، والروايات العاطفية.
لقد بدأ عصر جديد من المواجهة الرمزية، حيث تسعى الجزائر إلى فرض ذاكرتها الجماعية على الإنترنت، لاستغلال رافعة الثقافة كسلاح للتأثير والتعبئة الجماعية. فستان، قماش، برنوس: رموز كثيرة أصبحت رايات لحرب ثقافية جزائرية تقف وراءها اعتبارات سياسية بحتة وهيمنية وتجارية.