
المتحف المصري الكبير
المتحف المصري الكبير: صرح عالمي لحضارة خالدة
مقدمة
يُعتبر المتحف المصري الكبير (Grand Egyptian Museum – GEM) من أعظم المشاريع الثقافية والمعمارية في القرن الحادي والعشرين، إذ صُمم ليكون أكبر متحف مكرس لحضارة واحدة في العالم: الحضارة المصرية القديمة. يقع المتحف على بُعد كيلومترات قليلة من أهرامات الجيزة، بما يمنحه بعدًا رمزيًا فريدًا، حيث يلتقي الماضي العريق مع الحاضر المعاصر. ومنذ الإعلان عن مشروعه وحتى مراحله الأخيرة من الإنشاء، استحوذ المتحف على اهتمام عالمي واسع باعتباره نقطة تحول في عرض وحفظ التراث المصري.
الخلفية التاريخية والفكرة
بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في تسعينيات القرن الماضي، عندما أدركت الدولة المصرية أن المتحف المصري بالتحرير، الذي أُنشئ عام 1902، لم يعد قادرًا على استيعاب الكم الهائل من الآثار المصرية التي تتجاوز مئات الآلاف من القطع. ومع تزايد أهمية السياحة الثقافية وتنامي الرغبة في تقديم تجربة متحفية عصرية تضاهي المتاحف العالمية الكبرى، وُلد مشروع المتحف المصري الكبير ليكون "هدية مصر إلى الإنسانية".
تم وضع حجر الأساس للمتحف عام 2002، وجرى اختيار موقعه بعناية على هضبة مشرفة بالقرب من أهرامات الجيزة، بحيث يصبح جزءًا من المشهد الحضاري المتكامل للمنطقة. ومنذ ذلك الحين، توالت مراحل البناء والترميم والإعداد، حتى أصبح المتحف قريبًا من افتتاحه الرسمي.
التصميم المعماري والإنشائي
فاز مكتب Heneghan Peng Architects الإيرلندي بتصميم المشروع عبر مسابقة دولية، وقدّم رؤية معمارية تستلهم روح الحضارة المصرية القديمة مع دمجها بالحداثة. يمتد المتحف على مساحة تقارب 491,000 متر مربع، منها حوالي 168,000 متر مربع مخصصة للبناء والمعارض، ما يجعله أكبر متحف أثري في العالم.
الواجهة الأمامية للمتحف هي إحدى أبرز ملامحه، إذ شُيدت من ألواح حجرية ضخمة بزوايا هندسية تستحضر روح المعابد المصرية القديمة. أما الداخل فيتوسطه سلم ضخم يُعرف بـ "Grand Staircase"، يصعد عبر قاعة عرض مهيبة تتدرج فيها عشرات التماثيل الضخمة التي تمثل عصورًا مختلفة، وصولًا إلى إطلالة مباشرة على أهرامات الجيزة من الطوابق العليا. ويستقبل الزائر منذ المدخل تمثال الملك رمسيس الثاني بارتفاعه المهيب، ليكون بوابة رمزية للحضارة المصرية.
المقتنيات والمعروضات
يحتضن المتحف المصري الكبير مجموعة أثرية هائلة تُقدر بأكثر من 100 ألف قطعة أثرية، تمثل جميع العصور الفرعونية من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر اليوناني الروماني. ومن بين أهم هذه المقتنيات:
1. مجموعة الملك توت عنخ آمون: ولأول مرة تُعرض المجموعة كاملة، والتي تضم ما يزيد على خمسة آلاف قطعة، بينها القناع الذهبي الشهير، العرش، الأسلحة، والحلي، بالإضافة إلى الأثاث الجنائزي. وقد جرى ترميم هذه القطع بعناية فائقة في معامل المتحف المجهزة بأحدث تقنيات الحفظ.
2. التماثيل الضخمة: مثل تمثال رمسيس الثاني عند المدخل، وتماثيل الملوك والآلهة التي تزين قاعة السلم الكبير، لتمنح الزائر إحساسًا بالعظمة والقوة التي ميّزت الحضارة المصرية.
3. المومياوات الملكية: بينما نُقلت مومياوات الملوك إلى المتحف القومي للحضارة المصرية، إلا أن المتحف الكبير يعرض مومياوات أخرى مهمة، فضلًا عن توابيت فاخرة ونقوش جنائزية توضح الطقوس الدينية المرتبطة بالبعث والخلود.
4. مجموعات متنوعة: تشمل أدوات الحياة اليومية، النقوش الجدارية، القطع المعمارية من المعابد والمقابر، التمائم، البرديات، والتماثيل الصغيرة التي تلقي الضوء على تفاصيل الحياة الاجتماعية والدينية والفنية.

التكنولوجيا والتجربة المتحفية
يختلف المتحف المصري الكبير عن المتاحف التقليدية بفضل اعتماده على التكنولوجيا الحديثة في العرض. فقد جُهزت قاعاته بأنظمة إضاءة وصوت ووسائط متعددة (Multimedia) تُساعد الزائر على التفاعل مع القطع الأثرية وفهم سياقاتها التاريخية. كما أُدخلت تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز لتقديم جولات افتراضية داخل المقابر والمعابد، مما يمنح الزائر تجربة غامرة تتجاوز حدود القطعة المعروضة.
إضافة إلى ذلك، يضم المتحف معامل متطورة للترميم، ومراكز بحثية وتعليمية، وقاعات للمحاضرات والمؤتمرات، ما يجعله مؤسسة ثقافية متكاملة وليس مجرد صالة عرض.

الأهمية الثقافية والحضارية
لا يقتصر دور المتحف المصري الكبير على عرض الآثار وحفظها، بل يتجاوز ذلك ليكون مشروعًا للتواصل الحضاري بين مصر والعالم. فهو يقدم حضارة عمرها سبعة آلاف عام بلغة العصر، ليجعلها أقرب إلى فهم الزائرين من مختلف الخلفيات. كما يسهم المتحف في إعادة صياغة صورة مصر عالميًا كمركز ثقافي وسياحي رائد.
من الناحية التعليمية، يشكل المتحف فضاءً للطلاب والباحثين لدراسة علم المصريات بطرق حديثة، مدعومة بالمصادر الميدانية والتقنيات الرقمية. أما على المستوى الوطني، فهو يعزز شعور المصريين بالاعتزاز بهويتهم، إذ يُعرض تراثهم في أبهى صورة تحفظه للأجيال القادمة.
الاقتصاد والسياحة
يُتوقع أن يكون للمتحف المصري الكبير أثر اقتصادي كبير من خلال جذب ملايين السياح سنويًا، بما يعزز دخل الدولة من العملة الصعبة. فموقعه الاستراتيجي قرب الأهرامات يجعل الزيارة جزءًا من جولة متكاملة تشمل أهرامات الجيزة، أبو الهول، والمتحف نفسه. كما يتضمن المتحف مساحات تجارية، مطاعم، ومناطق للترفيه، ما يحوله إلى مجمع ثقافي سياحي متكامل.
التحديات والافتتاح
واجه مشروع المتحف المصري الكبير تحديات متعددة، أبرزها التمويل الذي تجاوز ملياري دولار، إضافة إلى التأجيلات المتكررة في مواعيد الافتتاح بسبب الظروف الإقليمية والدولية. ومع ذلك، شهد عام 2024 الافتتاح التجريبي لبعض القاعات والمعارض، فيما يُنتظر أن يتم الافتتاح الرسمي الكامل في نوفمبر 2025.
خاتمة
المتحف المصري الكبير ليس مجرد بناء ضخم أو معرض للآثار، بل هو صرح حضاري عالمي يُجسد عظمة مصر القديمة ويضعها في قلب العالم المعاصر. إنه مشروع يربط بين الماضي والحاضر، ويعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والتراث بأسلوب يليق بروعة الحضارة المصرية. ومن المؤكد أن افتتاحه الكامل سيشكل حدثًا عالميًا يستقطب أنظار الباحثين والسياح، وسيبقى شاهدًا على أن حضارة مصر، رغم تعاقب القرون، ما تزال حية وملهمة للبشرية جمعاء.