الثانويه العامه بين الوهم والحقيقه نظره عن قرب فى مقال يستحق القراءه
في مثل هذا الوقت من كل عام ، يقع الشعب المصري ضحية لوهم كبير ، صنعناه بأيدينا ، وضخمناه في عقولنا ، وحولناه إلى وحش مخيف ، إسمه "الثانوية العامة".
وليس هناك أدل على ذلك الهوس والرعب سوى المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير التربية والتعليم لإعلان النتيجة ، إذ لا أعتقد أن هناك دولة في العالم تعقد مؤتمرا مماثلا له يخرج خلاله عضو في حكومتها لإعلان نتيجة إحدى السنوات الدراسية!
ولا يمكن إنكار دور وسائل الإعلام المصرية التي تساهم في تضخيم الصورة بمتابعتها اليومية للامتحانات على طريقة "يوميات الحرب" ، لتخرج علينا بعناوين لا تتغير كل عام وتفتقد لأي مبرر صحفي مثل امتحان الفيزياء الشهير الذي يحطم قلوب الطالبات ، ولا أذكر أن عاما مر علينا دون أن يحطم فيه امتحان الفيزياء قلوب الجميع ذكورا وإناث ، وعقب صدور النتيجة نقرأ أن البنات اكتسحن المراكز الأولى ، ولا أذكر أيضا أن عاما مر علينا تفوق فيه البنين على البنات!
ومن الطبيعي أن تنتقل حالة الرعب إلى داخل البيوت ، فصرنا نسمع الأمهات من ربات المنازل يرددن مصطلحات من عينة "مرحلة عنق الزجاجة" ، و"لا صوت يعلو فوق صوت الثانوية العامة" ، و"البيت في حالة استنفار تعليمي" ، مع قائمة من الممنوعات لا نهاية لها يشرف على إعدادها الأباء كما لو كانت نوعا من الانتقام من فلذات أكبادهم الذين امتصوا دماءهم بفعل الدروس الخصوصية.
صار مجرد وجود أحد أبنائك في الثانوية العامة بمرحلتيها مبررا كافيا لتنال الشفقة ممن حولك ، فتسمع من يقول : "يا عم سيبه أصل عنده إبن في ثانوية عامة" ، بعد الشر عننا وعن السامعين.
بل وربما يكون هذا هو ما شجع بعض المنتمين لصفوف المعارضة للترويج إلى فكرة أن النظام الحاكم يحرص على بقاء نظام الثانوية العامة لإلهاء الشعب عن حقوقه السياسية ، وهي نظرية تبدو منطقية لأن الأسرة المصرية لديها في المتوسط من 3 إلى 4 أبناء ، ويكفي أن يخوض الأب والأم مع أبنائهما تجربة الثانوية العامة لثلاث أو أربع مرات ، وهو ما سيكفيهما ليس للإلهاء عن حق سياسي فقط بل لـ"نسيان أساميهم" من الأساس.
والسؤال ببساطة هو : هل تستحق الثانوية العامة كل هذه الضجة أو كل هذا العويل الممزوج بأصوات الزغاريد التي سمعناها تنطلق من كل بيت في مصر هذا الأسبوع وما يعقبها من حالة قلق مصاحب لعملية التنسيق؟
الإجابة على هذا السؤال لا تحتاج منا سوى نظرة على أحوال المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة.
فالثانوية العامة تقود الطلبة إلى جامعات مكتظة بأعداد تفوق طاقتها بعشر مرات وليس لديها سوى إمكانات فقيرة لتلقي بشباب في مقتبل العمر إلى نهر البطالة ، وفي النهاية يأتي الحل عن طريق مبادرة لرئيس وزراء يقرر تعيين 250 ألف شاب براتب شهري 150 جنيه ليحوله الشاب من عاطل إلى مواطن فقير رسميا. ارجو ان ينال مقالى اعجابكم وارجو كتابه تعليق يليق بما تم انجازه