هل الحرب بين أمريكا والصين مُرتقبة ؟!
هناك مواجهة متجدّدة باستمرار بين التمدّن والبربرية، بحسب كتاب أنطوني باغدين: "عوالم متحاربة" (Worlds at war)، يبدأ الكاتب فصله التأسيسي مع المواجهة بين الإغريق والفرس التي رواها المؤرّخ اليوناني هيرودوتوس.
وبحسب باغدين، فإن هيرودوتوس قد برهن أنّ "ما يفرّق الفرس عن الإغريق، أو الآسيويين عن الأوروبيين، كان أعمق من نزاعات سياسية صغيرة. بل كان طبيعة النظرة إلى الحياة، وطريقة فهم ما يعني الوجود والعيش كإنسان. وفي حين كانت للحواضر اليونانية، وبشكلٍ أوسع لحواضر "أوروبا"، شخصيّاتها البالغة التنوّع و مختلف أنواع الأنظمة المجتمعيّة، بحيث كان يطيب لها أن تخون بعضها البعض إذا رأت ذلك من مصلحتها، إلاّ أنّها كانت تتشارك في عناصر رؤية العالم. إذ كان بإمكانها جميعها أن تميّز بين العبودية والحرّية، وكانت تتشاطر كلّها فيما بينها ما نعتبره اليوم النظرة الفرديّة إلى البشرية.
لا يختلف هذا عمّا يقوله بول كارتليدج، أستاذ التاريخ اليوناني في جامعة كامبريدج، في مؤلّفه حول معركة "ترموبيل" Thermopyles"، هذه "المعركة التي غيّرت وجه العالم". فقد كتب في مقدّمة الكتاب: "إنّ هذه المواجهة بين الإسبارطيين وسائر الإغريق من جهة وبين الهمج الفرس من جهة أخرى، كانت بين الحرّية والعبودية.
[ لمعاقبة قبيلة من الأشخاص ذو البشرة السوداء ، يجب إحراق قراها ]
لا يخفي كارتليدج رؤيته الإيديولوجية في مقدّمة كتابه: "فقد جدّدت أحداث 11 سبتمبر في نيويورك وأحداث 7 يوليو في لندن ضرورة و أهميّة هذا المشروع (أي فهم مغزى معركة ترموبيل)، في سياق اللقاء الثقافيّ بين الشرق والغرب". ولم يكن هذا "اللقاء" بالنسبة له سوى الصدام بين "الاستبداد" و"الحرّية". وقد تمّت إشاعة هذا التصوّر الأكاديمي عبر فيلمٍ يحيي معركة "ترموبيل" عُرِضَ في 2007، تحت عنوان "300"
"لا أسرى"، هذا ما يصرخ به البطل، الملك ليونيداس، وهو نفسه الذي نراه في بداية الفيلم يقتل السفير الفارسي: إذ أن الوحوش لا يستحقّون أن تطبّق عليهم أكثر قوانين الإنسانية قداسة
التمدّن يعني إذن إبادة البرابرة!
هكذا كان هاينريش فون ترايشكي، الخبير الألماني في العلوم السياسية، قد بيّن، منذ العالم 1898، ما كان يبدو لعددٍ من معاصريه أمراً مفروغاً منه:
"يصبح القانون الدولي كلاماً فارغاً إذا أردنا أن نطبّق مبادئه أيضاً على الشعوب البربريّة. فمن أجل معاقبة قبيلةٍ من ذوي البشرة السوداء يجب إحراق قراها؛ ولا يمكن إنجاز أيّ شيءٍ من دون أن نصنع أمثولات من هذا النوع. فلو كانت الامبراطوريّة الألمانية قد طبّقت القانون الدولي في حالات مماثلةٍ فلن يكون ذلك من باب الإنسانية أو العدالة، بل من باب الضعف المُهين".
ولم يعترِ الألمان أيّ "ضعفٍ" عندما أبادوا شعوب "الهيريروس" في جنوب غرب إفريقيا (ناميبيا الحالية) ما بين العامين 1904 و1907، مدشّنين بذلك أولى الإبادات الجماعيّة في القرن العشرين، والتي اتُّخذت مع الكثير غيرها نموذجاً ومبشّراً لإبادة اليهود الجماعيّة على يد ألمانيا النازية.
يبتديء تاريخنا مع الإغريق الذين ابتكروا الحرية والديموقراطية…هكذا لا يمكن اتّهام سبارطيي فيلم "300" بالـ"ضعف". فهم يقتلون الأولاد المصابين بعاهات ويحظِرون مجلس الشيوخ على النساء. أمّا الحرب فهي قمّة إنجازات الرجال. ولا يخفي فرانك ميللر خياراته الإيديولوجية: "تواجه بلادنا (الولايات المتحدة) حالياً، وكذلك العالم الغربي بأكمله، عدوّاً وجوديّاً يعرف ما الذي يريده تحديداً".
فهل هناك ما هو طبيعيّ أكثر من أن يكون الإغريق قد قدّموا انتصارهم وكأنّه انتصارٌ على البرابرة، وذلك عبر هيرودوتوس، الذي كان على أيّة حال أقلّ كاريكاتوريةً من ورثته؟ فمنذ أن قامت الحروب، والمتحاربون يلبسون أنفسهم بالمبادئ الرائعة. ألم تكّن الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في العراق أو في أفغانستان، بنظر زعمائها على الأقلّ، هي حروب الخير على الشرّ؟ لكن يبقى السؤال مطروحاً: لماذا ما نزال، بعد 2500 عاماً، مهووسين إلى هذا الحدّ بالإغريق؟
يقدّم مارسيل ديتيان، الأستاذ في جامعة جون هوبكينز ومدير الدراسات في المعهد التطبيقي للدراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة، جواباً ساخراً عن ذلك: "لقد كتب لافيس في "توجيهاته Instructions" أنّ ما يجب أن نعلّمه لطلابنا في المدارس الثانوية، من دون أن يتنبّهوا لذلك، هو أنّ " تاريخنا قد بدأ مع الإغريق". أنّ تاريخنا قد بدأ مع الإغريق الذي ابتكروا مباديء الحريّة والديموقراطية، وحملوا إلينا مفاهيم "الجمال" والنزعة الكونية. فنحن ورثة الحضارة الوحيدة التي قدّمت للعالم "التعبير الأكمل والمثالي عن الحرّية". وهذا ما "يوجب" أن يكون تاريخنا قد ابتدأ مع الإغريق. وقد أضيفت إلى هذه العقيدة الأولى عقيدة أخرى، لا تقلّ قوّةً عنها: "أنّ الإغريق ليسوا كغيرهم من البشر". فكيف لهم أن يكونون مثل غيرهم وهم يشكّلون بداية تاريخنا؟ ها هنا مدخلان أساسيان لميثولوجيا وطنيّة بلغت مداها عند الإنسانيين التقليديين ولدى المؤرّخين المهووسين بفكرة الأمّة القوميّة".
فمن الذي يعرف أن أوّل ثورة صناعية قد بدأت في القرن الحادي عشر بالذات في الصين في ظلّ حكم سلالة "سونغ"؟ فقد كانت المملكة تنتج 125,000 طنّ من الحديد في العام 1078، بينما وجب الانتظار حتى العام 1788 لكي تصل بريطانيا إلى إنتاج 76,000 طنّاً. كما كان الصينيون يتقنون تقنيّات متقدّمة وخصوصاً في إنتاج الحديد المصوّب، وكانوا قبل ذلك قد استعاضوا بفحم الكوك عن فحم الخشب لكي يحلّوا مشكلة تراجع مساحة الأحراج. وقد شهدت تلك الحقبة أيضاً ثورات في مجالات النقل والطاقة (الطواحين المائية) وفي وضع الضرائب والاقتصاد التجاري، وفي تطوير المدن الكبيرة، وكذلك أيضاً ثورةً خضراء مع إنتاجية زراعية لن تبلغها أوروبا إلاّ في القرن العشرين. وقد ظلّت الصين، من بين القوى العظمى، "الأولى بين أقرانها" primus inter pares حتّى عام 1800؛ بل أنّه تمّ وصف الاقتصاد العالمي على أنّه متمركزٌ حول الصين. ثمّ بلغت العديد من تقنياتها وأفكارها ومؤسّساتها شواطئ أوروبا وساعدت في نشوء الرأسمالية الحديثة. هكذا لم يكن للثورة الصناعية البريطانية أن تتحقّق لولا إسهامات الصين
.
[ الخوف من الهمج هو الذي يجعلنا نبدو همجاً ]
يرى هوبسون أنّ الباحثين من أصحاب النظرة المركزية الأوروبية يطرحون نوعين من الأسئلة: "ما الذي سمح للغرب بتحقيق هذا الاختراق في اتّجاه الحداثة الرأسمالية؟" و"ما الذي منع الشرق من تحقيق هذا الاختراق؟". إلا أنّ هذين التساؤلين يفترضان أنّ هيمنة الغرب كانت محتّمة، وهي تحمل المؤرّخ على التفتيش في الماضي عمّا يفسّر قيام هذه الهيمنة. "إذّاك يُفهَم صعود الغرب انطلاقاً من منطقٍ "مستبطن" لا يمكن تحليله إلا بناءً على عوامل أوروبيّة داخلية"، ممّا يؤدّي بالتالي إلى اعتبار الشرق والغرب كيانين منفصلين بسور صينٍ حضاري، هذا العائق الذي يحمينا من الهجمات البربرية.
"إن الخوف من البرابرة هو الذي قد يحوّلنا برابرة. والأذى الذي سنتسبّب به قد يتجاوز ما كنا نخشاه في البداية".
من وجهة نظري مثل وجة نظر "ايلون مسك" IF YOU CAN T BEAT THEM, JOIN THEM " ان لم تستطع التغلب عليهم ، فلتنضم اليهم" ف أتمنى ان امريكا لا تقع في مأزق الحرب لان تكلفتها عالية.