د. حامد عمار.. شيخ التربويين

د. حامد عمار.. شيخ التربويين

0 المراجعات

د. حامد عمار.. شيخ التربويين

مع بلوغه الخامسة والثمانين سجل شيخ التربويين الدكتور حامد عمار سيرته الذاتية، في (300 صفحة) تحت عنوان "خطى اجتزناها.. بين الفقر والمصادفة إلى حرم الجامعة"؛ والتي يقول عنها: "مسيرتي رحلة طويلة مذهلة.. من مجتمع الزراعة البدائي واقتصاد الكفاف والاكتفاء بموارده الذاتية إنتاجا واستهلاكا إلى مرحلة آفاق مجتمع العولمة وعصر المعلوماتية والسوق العالمية وثروات الهندسة الوراثية، والسماوات المفتوحة برسائلها الفضائية".

تضمنت السيرة الذاتية سردا تفصيليا لحياته منذ الطفولة في قريته في صعيد مصر، ومصادفة الالتحاق بالتعليم الحديث، واستكماله التعليم الثانوي، ثم دخوله الجامعة واتساع آفاق خبرته، وعمله خارج مصر، والتحولات التي مرت به، ومشاركاته في الحوارات والمؤتمرات العالمية والدولية والجوائز والتقديرات التي نالها، مرورا بزواجه وأولاده، ومسئولياته العلمية.

وهي سيرة تفرغ لكتابتها شهرا كاملا، كان يكتب خلاله ما لا يقل عن عشر ساعات يوميا، ساعدته في ذلك ذاكرته القوية رغم كبر سنة.

النشأة والتكوين

بدأت حياة "حامد عمار" في قرية "سلوا" في أسوان، وهي قرية مصرية كانت تعاني الإهمال والفقر مثل آلاف القرى في ذلك الزمن، غير أن هذه القرية كانت منعزلة في أقصى الجنوب، ومحرومة من خدمات الدولة التعليمية والصحية، ومن ثم تعرض الطفل حامد المولود في (25 فبراير عام 1921) إلى أمراض كثيرة كانت تعالجها أمه بالأعشاب والفصد والحجامة.

كان حامد مرتبطا بقريته برغم بساطتها، واعتمادها على الزراعة التي توفر قدرا من الاكتفاء الذاتي، ونظرا لهذا الارتباط قام بتسجيل رسالة الماجستير عن قريته بعنوان "بحث في عدم تكافؤ الفرص التعليمية في مصر"، تبعها برسالة الدكتوارة تحت عنوان "التنشئة الاجتماعية في قرية مصرية -سلوا- مديرية أسوان" والتي حصل عليها من جامعة لندن عام 1952.

وتعد رسالته أول رسالة دكتوراة تنشر لمصري في مجال اجتماعيات التربية عن إحدى دور النشر الأمريكية الكبرى، واستمر الطلب عليها منذ عام 1954 حتى 2003. وهي على حد علم عمار أول رسالة دكتوراة لمبعوث مصري إلى الجامعات البريطانية يتم نشرها من ضمن رسائل التربية، ويظنها آخرها حتى اليوم.

في أثناء حديثي معه عن ارتباطه بقريته أكد أنه من الطبيعي أن يتأثر الإنسان بقريته ومسقط رأسه وما يرتبط بها من ظروف أسرية، فهي مسألة طبيعية وغريزة في الإنسان، "فمسقط الرأس هذا ليس تعبيرا حرفيا بمعنى الرأس، وإنما يقصد به العقل والوجدان والفكر".

وقال إنه كان "الصبي الأول في العائلة، والذكور في الريف عادة لهم وضع خاص، وحب أكثر من الفتيات"، وأشار إلى أن أسرته قدمت له من التضحيات في سبيل تعليمه ما لا يمكن حصره أو تثمينه.

كان حامد عمار يُكنُّ احتراما خاصا لأهل قريته، وكان يعتبرهم عائلته الكبيرة، فهو أول طفل في القرية يشق طريقة للتعليم الحديث، مما جعل القرية كلها معنية بأمر تعليمه ومهتمة بأخباره، وساهمت القرية في تعليمه بطريقتين:

الأولى: الاحتفال السنوي الذي يقام بدوار أو الخيمة الكبيرة بالقرية احتفالا بنجاحه وتفوقه الدراسي.

والثاني: من خلال إقراض والده ما يحتاجه من مال لاستكمال تعليمه، هذا بالإضافة إلى إسهامات "المصراوية" أي من يعملون في القاهرة من أهل القرية سواء بملابس، أو بالتطوع للإقامة معهم في أثناء فترة الدراسة، فقد كان أهل القرية يعتبرونه ابنهم جميعا.

شهادة فقر.. وتفوق

بدأ حامد خطواته الأولى نحو التعليم من خلال كُتَّاب القرية الذي كان مقتصرا على حفظ القرآن وتعلم القراءة والكتابة، وفي عام 1926 ألحقه والده بالمدرسة، وتسوق الصدفة والده إلى المدرسة ليطمئن على أحوال ابنه فيلتقي مع أحد المدرسين الذي يقنعه بأهمية التحاق ابنه بالمدرسة الابتدائية في مدينة "إدفو"، التي تبعد عن قريته مسافة بعيدة، حتى يتمتع بلقب أفندي.

لتبدأ غربة "حامد" بعيدًا عن أسرته في هذه السن المبكرة، وتتبناه أسرة ذلك المدرس ليقيم معها، ويصبح بذلك أول طفل التحق بالتعليم الحكومي الحديث من قرية سلوا ونجوعها في ذلك الوقت، وحين ظهرت النتيجة كان ترتيبه الأول بين طلاب المدرسة، ورقم 180 على القطر المصري كله من بين سبعة آلاف ناجح، وأصبح اسمه مقرونا بلقب "أفندي" بدلا من لقب "الشيخ" السائد من ألقاب الاحترام بالقرية.

تأتي الصدفة الثانية عندما يذهب هذا المدرس ليهنئ حامد على نجاحه ويقنع والده باستكمال الدراسة الثانوية بمدرسة سوهاج الثانوية، إلا أن والده يعتذر لعدم قدرته على تدبير مبلغ (40) جنيها مصاريف القسم الداخلي بالمدرسة، فيقنعه المدرس بأن الحكومة قررت قبول المتفوقين بربع المصروفات أي (10) جنيهات فقط في السنة، ويتم استردادها في حالة تقديم التماس لمنح المجانية مقرونًا بشهادة التفوق وشهادة فقر، وهو ما فعله حامد ليحصل على إعفاء كامل. وبقيت مشكلة الملابس والسفر، وهو ما جعل والدته تبيع بعض القراريط التي تمتلكها لاستكمال دراسته، حيث كان من أبشع ألوان العار أن يبيع الرجل أرضه.

وفي القسم الداخلي بالمدرسة كانت تنازعه مشاعر الغربة والإحساس بالظلم الاجتماعي، خصوصًا من الطلاب الموسرين القادرين على دفع النفقات وتوفير الحياة الآمنة دون مكابدة، بعكس حاله.

حصل حامد عمار على شهادة البكالوريا، وكان ترتيبه السادس على القطر المصري، وامتزجت دموع الفرح بدموع الفقر من جديد، حيث كانت أسرته ترغب في استكمال دراسته الجامعية إلا أن ضيق ذات اليد جعلها تفكر أكثر من مرة في كيفية تدبير مصاريف الكلية ونفقات الإقامة والسفر.

وبدأت مساعي الأب بين أعضاء مجلس النواب وأعيان القرية ليستعين بهم، وبالفعل استطاع الأب تدبير (20) جنيها مصاريف القسط الأول لكلية الآداب، التي فضلها حامد نظرا لأن مصاريفها أقل المصروفات، واستمر في تقديم شهادة الفقر مدعومة بشهادة التفوق الدراسي لإعفائه من المصروفات واسترداد ما دفعه منها.

وأتت صدفة جديدة رتبت له معيشته في القاهرة، وذلك عندما كان يجلس والده على أحد المقاهي فتعرف على أحد أعيان أسوان الذي جاء ليدبر سكنا لابنه الطالب في كلية التجارة، ورحب بضيافة حامد في سكن ابنه متطوعا بتحمل كافة نفقات السكن والمعيشة.

التربية.. مهنة

وانتظم حامد بكلية الآداب قسم التاريخ، كانت الجامعة بداية لتذوقه الأدب والنقد وعشقه للقراءة والمعرفة، ومراجعة بعض المسلمات الفكرية والقيمية والسلوكية، التي كان مؤمنا بها.

ومن ثم حصل على شهادة الليسانس الممتازة في التاريخ عام 1941، وخوفا من شبح البطالة قرر الالتحاق بالمعهد العالي للتربية الذي تحول إلى كلية التربية عند إنشاء جامعة عين شمس في أوائل الخمسينيات، وتخرج فيه.

يقول عن تلك الفترة: "كنت أعتقد وأنا طالب في الجامعة أن كل فرد يستطيع أن يكون معلما، ولكنني اقتنعت أن هذا الإعداد التربوي خطوة ضرورية ليكتسب التعليم مرتبة المهنة".

وبحصوله على دبلومة التربية عُين فورًا في مدرسة قنا الابتدائية، وحاول عمار تطبيق ما تعلمه من فنون التربية وطرق التدريس الحديثة على تلاميذه إلا أنه صدم بعقول مفتشي التربية والتعليم المتحجرة، والتي طالبته بالالتزام بمنهج الوزارة وتحفيظه للطلاب جيدا حتى يستطيعوا الإجابة عن أسئلة الامتحان.

غمار السياسة

عرف حامد النشاط السياسي والمعارك الحزبية منذ التحاقه بكلية الآداب في أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات، والتي كانت قضيتها الأساسية إجلاء القوات البريطانية عن مصر، حيث كان حريصًا على حضور المناسبات التي تنظمها الأحزاب، خاصة تلك التي يخطب فيها زعماؤهم. وكانت البداية مع جماعة الإخوان المسلمين، ثم حزب مصر الفتاة.

كما تأثر "عمار" بأفكار سلامة موسى والعقاد، وسيد قطب عن العدالة الاجتماعية وكتاب طه حسين "المعذبون في الأرض".

وأثر التكوين السياسي على كتاباته ومقالاته التي كانت تشير إلى توجهاته الوطنية وكتبه السياسية ومنها: "ومن القدس يبدأ السلام"، وإشرافه على رسالة دكتوراة تحت عنوان "التعليم العلمي والتكنولوجي في إسرائيل"، وحرصه على نشر هذه الرسالة ضمن سلسلة "آفاق تربوية متجددة" التي كان مدير تحريرها في ذلك الوقت.

إلى غير ذلك من الكتابات السياسية حول أوضاع التعليم في الأراضي العربية، والتركيز على التوجهات السياسية في الإجراءات والمناهج التربوية إيمانا بأن التعليم عملية سياسية والسياسية عملية تربوية.

كما انضم حديثا إلى لجنة التجمع من أجل التحول الديمقراطي التي يرأسها د. عزيز صدقي رئيس مجلس الوزراء الأسبق ليساهم في عملية الإصلاح السياسي التي تشهدها مصر حاليا، وقد وجدها فرصة طيبة للانضمام إلى تجمع يحتضن أفكارا ديمقراطية مشتركة يحاول ترسيخها على أرض الواقع إدراكا منه أنه مهما كان المثقف أو المفكر جاهدا في نشر أفكاره كفرد فلن يكون لها من التأثير ما يتحقق من خلاله انضمامه إلى تنظيم ذي طابع سياسي.

قرر "حامد عمار" استكمال الدراسات العليا في التاريخ، وبالفعل حصل على رسالة الماجستير بعنوان "علاقات مصر المملوكية بالدول الإفريقية عام 1945"، ومع الانتهاء من رسالته في التاريخ انقطعت صلته به، وبدأت رحلته مع صناعة التربية أو زراعتها كما يحلو له القول.

ووجد نفسه على قائمتين للبعثات إلى الدول الغربية الأولى لنيل الدكتوراة في التاريخ والثانية في التربية، غير أن أستاذه "إسماعيل القباني" أقنعه بالتخصص في التربية نظرا لقلة المتخصصين في هذا الفرع، خاصة أن المستقبل للتربية والتعليم في مصر، فاختارها وكانت في جامعة لندن.



 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

42

متابعين

5

متابعهم

1

مقالات مشابة