التعاون على البر والتقوى

التعاون على البر والتقوى

0 المراجعات

لا يمكن لأي إنسان مهما آتاه الله من أسباب أن يعيش على الأرض منفردًا، فهذا ضد طبيعته وإمكاناته وما جبل عليه ابن آدم، فالفرد يحتاج إلى الناس والناس تحتاج إليه، حتى تسير الحياة للجميع بأفضل صورة، وهذا هو"التعاون".

 وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالتعاون، بشرط أن يكون على البر والتقوى، ونهاهم أن يكون تعاونهم على الإثم والعدوان.

 يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: من الآية 2): يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم.

 وقال ابن جرير: الإثم ترك ما أمر الله بفعله، والعدوان مجاوزة ما حد الله في دينكم ومجاوزة ما فرض الله عليكم في أنفسكم وفي غيركم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" قيل يا رسول الله هذه نصرته مظلومًا، فكيف أنصره إذا كان ظالمًا؟ قال:"تحجزه وتمنعه من الظلم فذاك نصره" رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم:"الدال على الخير كفاعله"، وقال أيضًا: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" (رواه الترمذي).

 * من صور التعاون على البر والتقوى:

(1)  حفر الخندق: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشارك الصحابة في حفر الخندق، يقول البراء بن عازب رضي الله عنه: رأيته صلى الله عليه وسلم ينقل تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه، وكان كثير الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل التراب، ويقول صلى الله عليه وسلم:

اللهم لولا أنت ما اهتدينا      ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينةً علينا             وثبِّت الأقدام إن لاقينا

إن الأُلى قد بغوا علينا          وإن أرادوا فتنةً أبينا

قال: ثم يمد بها صوته بآخرها.

لم يتكبر الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه، بل تعاون معهم في أشد اللحظات وأصعب الأمور، فما أعظمه من قائد!.

(2)  تعاون في بناء المسجد الأول: كانت أول خطوة خطاها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة هي إقامة المسجد النبوي، ففي المكان الذي بركت فيه ناقته أمر ببناء هذا المسجد، واشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه، وساهم في بنائه بنفسه، فكان ينقل اللبن والحجارة ويقول:

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة            

فاغفر للأنصار والمهاجرة       

(3)  تعاون في الدعوة.. "الوزير النبي": طلب موسى عليه السلام من ربه أن يكون أخوه مساعدًا له في تبليغ دعوة ربه فقال: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي  وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي  يَفْقَهُوا قَوْلِي  وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي  هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي  وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي.طه.

(4)  قضاء حوائج الناس: واسمع إلى كلام خديجة رضي الله عنها لزوجها محمد صلى الله عليه وسلم: "كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل (الثقل) وتكسب المعدوم (الفقير)، وتعين على نوائب الحق".

 ألا ترى أن مساعدة الناس تكون سببًا في النجاة من المحن؟.. فلا تبخل على إخوانك بالمساعدة فيما وهبك الله واحتسب الأجر عنده.

(5)  التعاون بين الزوجين: ألم تسمع إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فيما ورد في الصحيح: "كان في حرفة أهله، وكان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويقم البيت!!"، أرأيت إلى رسولك كيف كان يجمع قمامة بيته- صلى الله عليه وسلم- فعلى روح التعاون الأسري تقوم البيوت العامرة.

 

ما أحوجنا معاشر المسلمين إلى تدبر هذه الأحاديث النبوية؛ لنتعرف على منهج الإسلام في مد يد العون للناس!.. وتدبر أخي المسلم حديث ابن عمر المتفق عليه: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة".

 وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"؛ لتعرف كيف حث الإسلام على المعاونة للغير.

 حديث أبي هريرة عند مسلم:"من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

 والكلمات واضحات.. الله في عونك ما دمت تمد يد العون إلى غيرك.. فقط ابدأ في البحث عمن يحتاج إليك وافعل له الخير، مصداقًا لقوله تعالي: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج: من الآية 77

 واسمع إلى قوله صلى الله عليه وسلم:"عُرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها؛ فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تُدفن" (رواه مسلم

وتدبر كيف يكون رفع الأذى عن طريق الناس من أفضل أعمال المسلم وهو من المعاونة، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من مشى في حاجة أخيه قُضيت أو لم تُقضَ كان خيرًا له من اعتكاف شهر (وفي رواية شهرين) في مسجدي هذا".

 وأختم هذه الطائفة من الأحاديث النبوية الصحيحة بحديث أبي موسي الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الشيخين: "على كل مسلم صدقة"، قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال: "يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق"، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: "يعين ذا الحاجة الملهوف"، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: "يأمر بالمعروف أو الخير"، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: "يمسك عن الشر فإنها صدقة".

 التكافل في الإسلام

1- تكافل اجتماعي: ودليله ما فعله النبي صلي الله عليه وسلم حين جعل أول أعماله في المدينة بعد الهجرة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.

 * احمل أخاك وتبعاته مصداقًا لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: من الآية 10)، وقوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ التوبة: 

 واسمع إلى هذا الحديث النبوي الشريف: "أيما أهل عرصة أمسوا وفيهم جائع، فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله". (رواه أحمد وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر .

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

42

متابعين

5

متابعهم

1

مقالات مشابة