ما هي أهم مرتكزات النمو الاقتصادي في ظل الممارسات الاقتصادية الذكية في المدن الحضرية؟
ما هي أهم مرتكزات النمو الاقتصادي في ظل الممارسات الاقتصادية الذكية في المدن الحضرية؟
What are the most important pillars of economic growth considering smart economic practices in urban cities?
م. خالد موسى إدريس
تمهيد
تُعتبر الممارسات الاقتصادية الذكية من أحدث التحديات التي تواجه إدارات المدن والمجتمعات الحضرية لزيادة تطلعات الثروة في عالم اليوم، ومن أكثر مرتكزات النمو الاقتصادي، وهي المرتكزات التي تشغل قطاعات المدن الحضرية والذكية هذه الأيام.
وهي المدن التي تنشد النمو الاقتصادي والتطوير في أعمالها، من خلال تحسين منتجاتها وما تقدمها وتعرضها من خدمات وحلول تعود بالنفع على مجتمع المدينة.
من هذا المنطلق، سنتناول في هذا المقال، كل شيء يدور حول مرتكزات الممارسات الاقتصادية الذكية Smart Economic Practices، والتي هي نفسها مرتكزات النمو الاقتصادي.
من حيث خصائصها ومميزاتها ومحاورها الرئيسة وعلاقتها بسياسات الحوكمة وكيفية الحد من الممارسات الاقتصادية الضارة، أثناء تحقيق الأهداف لقطاعات الأعمال الحياتية الأخرى، بالإضافة إلى الفوائد المترتبة عليها في حالة نجاحنا في تطبيقها.
ولكن قبل أن نتقدم أكثر بالحديث عن هذا المفهوم، الذي بات يشكل تحدياً عصرياً، عن كيفية تناغم الأعمال فيما بينها، والمحرك الأشهر لعالم الاقتصاد المبني على المعرفة والتنافس، في ظل اقتصاد عالمي مهدد بالمخاطر دائماً، دعونا نعرف مفهوم "الممارسات الاقتصادية الذكية" في كلمات بسيطة قد تُقرّب المعنى للقارئ بشكل أفضل.
تعريف الممارسات الاقتصادية الذكية
تُعرّف بأنها عبارة عن
إدارة الحد الأعلى من القدرات والآليات الخاصة بالمساءلة، والشفافية والموثوقية، لتمكين إدارة المدينة الحضرية من تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة، وتحسين الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، من خلال عمليات الترويج والتسويق الموجهة لاستقطاب رؤوس الأموال والتمويل للمنتجات والخدمات والحلول، مع جذب الاستثمارات بالارتكاز على الميزانيات الضرورية على إقامة مشاريع ريادة الأعمال الناجحة وتنفيذ المبادرات والفعاليات والحملات الموسمية.
بالاستمرار في القراءة ستكتشف بساطة هذا التعريف، رغم احتوائية على كلمات ومفاهيم قد تبدو من الوهلة الأولى؛ غريبة أو صعبة للقارئ، إلا أنها مصطلحات طالماً نسمعها ونرددها في حياتنا العملية، وارتباطها بموضوع اليوم ليس عن صدفة أو استعراض للكلمات أو مجرد خلط في المفاهيم، بل لأنها من صميم التعريف الذي ننشد توصيله للقارئ.
في البداية تهمنا معرفة شيء جوهري ألا وهو أن الممارسات الاقتصادية الذكية تستمد أهميتها من واقع أنها قدرات موجهة بشكل حصري نحو تحسين اقتصاد مجتمع المدينة، أي أنها مظاهر الحياة التي نعيشها ونتفاعل معها يومياً. ونلتمس معالمها التي تظهر في صور عديدة، اجتماعية واقتصادية، وأمنية وصحية مستدامة.
أي أنها تتميز في العديد من الخصائص والمميزات الخاصة، لأنها نتيجة لأنشطة العمليات الاقتصادية والاعمال الاستثمارية التي يجب أن تقوم بتنفيذها إدارات المدن الحضرية، بتناغم وانسجام تفاعلي مدروس ومخطط له بشكل استباقي، حيث يمكن حصرها كما في النقاط التالية.
خصائص ومميزات الممارسات الاقتصادية الذكية
الخصائص والمميزات التي تتمتع بها الممارسات الاقتصادية الذكية، عبارة عن: -
• تدفق من الممارسات والإجراءات والعلاقات الحديثة، تساهم بشكل مباشر في تعزيز وتحقيق عامل الهدف الاقتصادي في المدن الحضرية والذكية.
• تُشكل بالإضافة للهدف الاقتصادي أعلاه، المساهمة الفاعلة على تحقيق الهدفين الآخرين لأي مدينة ذكية، وهما الهدف البيئي والأهداف الاجتماعية التي تقوم عليها المنصحة المجتمعية.
• تساهم على تعزيز عوامل الجودة الشاملة وتحسين الكفاءة في الأعمال الإدارية بشكل عام.
• تعزز من زخم الأعمال الإدارية والتبادلات التجارية والمعاملات الاستثمارية الموجهة لصالح مجتمع المدينة.
• تعزيز علاقات الشراكة وفرص الاندماج والترابط بين المؤسسات العامة والخاصة.
• تعمل على زيادة وتيرة النمو الاقتصادي وزيادة الثروة العامة ولدى الأفراد، بناءً على التحسين في الناتج المحلي الإجمالي Gross Domestic Product-GDP
• تحقيق أعلى مؤشرات القياس عند تقييم أنشطة العمليات، لأنها تركز على تحسين كل من الأداء الفردي PPI ومؤشرات الأداء الرئيسي KPI ضمن تحسين معايير النتائج النهائية للإيرادات المتوقعة في الناتج المحلي.
• يسهل من خلالها تبني وتطبيق مفاهيم حوكمة المؤسسات، أو الاستعانة بعمليات التقييم والرقابة وفق مفاهيم إدارية معاصرة، مثل بطاقة الأداء المتوازن Balanced Scorecard والتي قد تتكامل عندما تُدمج مع غيرها من الأدوات، كالعمل بناءً على الإدارة بالأهداف والنتائج الرئيسية Objective Key Results-OKR
علاقة النمو الاقتصادي بسياسات حوكمة المؤسسات
لما كانت منظومة الإجادة المؤسسية (أو تحديات التميز المؤسسي) مقرونة بمستويات النضج الإداري المكتسبة لدى مؤسسات المدينة، سنجد أن إدارة تدفق الممارسات الاقتصادية سبيلاً إلى تحسين النمو الاقتصادي بالمدن الحضرية/الذكية تعتمد في نجاحها على حوكمة المؤسسات والشركات.
على الرغم من اعتمادها على مدى استغلال الحد الأعلى من موارد الممكنات الطبيعية والخامات الأولية المتوفرة، بالإضافة إلى قدرات الموارد البشرية التي تلحق بها، نتيجة للمهارات والخبرات المكتسبة أو المتاحة التي تجمعت لديها حسب مستويات التميز والكفايات المستهدفة.
كل ذلك في ظل توفر الآليات الخاصة بتحقيق عوامل المساءلة، والشفافية والمساواة في حوكمة المؤسسات، ضمن أهمية تعزيز عامل الموثوقية لباقي معايير وخصائص الممكنات الستة المستهدفة على تبني نظم حوكمة المؤسسات والشركات.
أهداف ومرتكزات القطاعات الحيوية
من الاعتبارات الضرورية التي يجب أن تُراعى عند تبني وتطبيق مفهوم "الممارسات الاقتصادية الذكية" بالمدن الحضرية/الذكية. مرتكزات التنمية الاقتصادية وإدارة تحدياتها من أجل تحقيق أهداف القطاعات الحيوية.
لهذا نجد أن أنشطة العمليات الاقتصادية التي تتصدى لها عادة المدن الحضرية/الذكية، ما هي إلا مجموعة من المبادرات والفعاليات التي تمت صياغتها ضمن الرؤية العامة للمدينة وتم نشرها وتداولها بشكل استباقي.
وذلك للاستفادة من مفردات تلك الرؤية الاستراتيجية في تحقيق الأهداف في مختلف القطاعات الحيوية، كقطاعات الطاقة والبيئة وسائر القطاعات الإنتاجية والصناعية الأخرى وغيرها.
أي من خلال تقديم مجموعة واسعة من الممارسات الاقتصادية والخدمات الذكية التي تحقق بها عامل السعادة بين مجتمع المدينة.
مثل الأثر الذي تسببه الممارسات الاقتصادية الفعالة تجاه تحسين الاستدامة البيئية للمدينة، التي تشكل الهدف الثاني من أهداف المدن الذكية، أي من خلال تقليل أخطار النفايات الإلكترونية أو النفايات الرقمية والحد من تأثيراتها، وذلك بإعادة تأهيلها أو توسيع فوائدها ودراسة انعكاساتها للاستفادة منها وفق مفهوم آخر سنتناوله في مقال قادم، وهو مفهوم الاقتصاد الدائري-المدور (Circular Economy). في إطار الممارسات الاقتصادية للمدن وزيادة العائد من نمو الاستثمارات الاقتصادية.
كما يجب أن تُساهم الممارسات الاقتصادية الذكية في تعزيز عوامل السعادة المجتمعية والتآلف بين جميع المقيمين، وشيوع ثقافة المشاركة تجاه الأمن والسلامة المجتمعية، حيث يتأتى أهمية هذا الجانب لارتباطه مع المنصة المجتمعية، والتي بدورها تُشكل الهدف الثالث من أهداف أي مدينة ذكية/حضرية، البيئة.
مع الأخذ بعين الاعتبار، متطلبات باقي أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر من الأهداف التي صاغتها الأمم المتحدة في 2015م لرؤيتها العامة 2030م، وما لها من تأثيرات ملموسة على سياسات معالجة التحديات لباقي أهداف الرؤية، في ظل تحسين التوجهات الاقتصادية والاستثمارية الأممية الأخرى.
آليات تنفيذ ممارسات النمو الاقتصادي
للنظر في آليات تبني وتطبيق الممارسات الاقتصادية الذكية واسقاطها على أرض الواقع، يجب أن تعتمد المدن الحضرية/الذكية في سبيل تسويق منتجاتها وخدماتها بشكل أفضل، على تنفيذ عمليات الترويج لأعمالها من خلال الفعاليات والمبادرات والحملات التي توفرها وتقدمها بشكل دوري.
مع إبراز حلولها الذكية لتُبهر بها مجتمع المدينة نفسها والقادمين إليها في زيارات موسمية.
كما يجب أن تتسابق مؤسساتها وقطاعاتها التجارية المختلفة نحو تحسين الممارسات الإنتاجية والخدمية التي تتصدى لها وتولدها أو تعرضها وتقدمها لجمهورها، بالإضافة إلى كل ما تقدم، عليها تعزيز قدراتها المالية من خلال: -
• توفير الميزانية الكافية لتنفيذ أنشطة عملياتها، استقطاعاً من ميزانياتها السنوية، مع تجهيز أفضل فرص التمويل المصرفي لإدارة تلك العمليات والمشاريع،
• أن تعمل على استقطاب وجذب رؤوس الأموال إلى أسواقها، محرزة رقماً مهماً في عالم الاستثمار المالي العالمي للمدينة،
• جعل مؤسساتها تعمل كجهات إنتاجية واستثمارية، مهما كانت أنشطتها أو طبيعة أعمالها، كوحدات عمل التقانة المعلوماتية، يجب أن تقوم بمهامها الاقتصادية مستفيدة من خدماتها التي تقدمها في شكل حلول تقنية لها عائد من الاستثمارات، حيث يمكنها ذلك بتبني نظريات الاقتصاد المبني على المعرفة.
وقد تلاحظ لدينا أثناء اضطلاعنا للممارسات الاقتصادية الذكية في المدن الذكية، أن المدن الحضرية تكون أكثر ذكاءً بقدر ما تمكنت من تحقيق خصائص التنمية المستدامة للرؤية 2030م، وأكثر توفيقاً على تبني وتطبيق الممارسات الاقتصادية الذكية، كلما استطاعت من تحقيق عوامل التمكين والابتكار في مؤسساتها، وفق سياسات تعمل على تشجيع مشاريع ريادة الأعمال المحلية والإقليمية والدولية.
وهي ما اشتهرت بها على سبيل المثال مدينة دبي الذكية، من ممارسات ذكية، مُتبعة شتى الطرق والوسائل الابتكارية بإقامة الفعاليات والمبادرات التي تدعو لعروضها وتجتهد في مخرجاتها بتحقيق أفضل مؤشرات الأداء في معايير نتائجها النهائية.
الحد من الممارسات الاقتصادية الضارة
لا يتأتى ذلك دون القيام بعدد من الإجراءات والعمليات الاقتصادية منها
• تعزيز القدرة على تبني وإدارة استراتيجيات اقتصادية قادرة على تطبيق مبادرات نوعية ومتميزة.
• الاهتمام بنماذج وهياكل الأعمال المناسبة عند إدارة المشاريع والفعاليات والمؤتمرات والفعاليات الموسمية،
• مواكبة استراتيجيات الأعمال الحديثة للتحول الرقمي.
• الاقتصاد القائم على المعرفة، والنزاهة Integrity والجدارة المهنيةCompetence باعتبارها استحقاقات لاعتبارات أولية تُجب ما دونها لعوامل الكفاية في الأعمال.
• الاعتماد على مراكز ومعامل الابتكار والإبداع، أي وفق منظومة متجذرة على روح التنافس والتحديات، بل وموجهة حسب متطلبات الحوكمة المؤسسية ذات المعالم والارتباطات التشاركية المحددة بشكل استباقي، مع إدارتها متجانسة ومتناغمة مع غيرها من المبادئ التوجيهية التي ستنتهجها قطاعات العمل الأخرى.
الحقائق المستخلصة من تبني مفاهيم النمو الاقتصادي
يمكننا استنتاج بعض الحقائق الضرورة تجاه الممارسات الاقتصادية الذكية بأنها القدرات التي تحقق بها المدينة، إدارة روح المبادرات والفعاليات في مختلف المؤسسات والجهات ذات الاختصاص،
على أن تكون تلك الروح بالحد الأدنى من مستويات التنافس وتحقيق التميز والريادة التي تتصدى لها عادة كل مؤسسة عامة أو خاصة.، أو تسعى من خلالها إلى تميزها عن باقي قطاعات العمل الأخرى وأمام المنافسين.
وهي روح المنافسات التي يتم ترجمتها في بعض الدول بسعي المؤسسات العامة نحو احراز الجوائز والشهادات والاعتمادات والأوسمة، التي يتم طرحها للتنافس حولها في معظم المدن الذكية في العالم.
حيث تساهم المنافسات في تمكينها اقتصادياً، وبالتالي تعزيز قدرتها على البقاء والتنافس، في ظل استدامة الأعمال ونموها وتطورها،
محاور ومؤشرات التنافسية العالمية
وهكذا نجد أن النمو الاقتصادي وزيادة الثروات تبدأ مباشرة مع اهتمام تلك المؤسسات في صياغة خططها الاستراتيجية، ويتم اعتمادها على أدوات تفاعلية ملموسة لتؤدي إلى زيادة في الإيرادات العائدة، وتقليلاً في النفقات، وتعزيزاً في تبني عدد من الهياكل والاطارات التقنية التي تعمل بواجهات ذكية متجانسة ومتناغمة فيما بينها وفق متطلبات الشراكة والتعاون بين مختلف الجهات ووحدات العمل،
ولكن يجب علينا ألا ننسى أن الممارسات الاقتصادية الذكية ومعها تحديات النمو الاقتصادي، تستهدفان فيما تستهدفان زيادة في الناتج المحلي الإجمالي للمدينة الحضرية/الذكية.
وذلك باستغلال الخامات الأولية المتعلقة بالموارد الطبيعية بالمدينة. وإدارتها حتى يمكن الاستفادة منها في معالجة التحديات الاستثمارية والمالية،
أي من خلال إدارة أنشطة العمليات والإجراءات المتعلقة بها بجودة وكفاءة عاليتين. مع الاستفادة منها في إدارة العقود والمشتريات المؤسسية ومدى سلاسل مناولتها بين القطاعين العام والخاص. سبيلاً إلى تحمل إدارة الموردين وتعزيز امتيازات القيمة المضافة أو استغلال الخصائص المشتركة العامة، أو الخاصة على المستوى الفردي أو على مستوى وحدات العمل والإدارات المؤسسية ومجتمع المدينة. ويتضح ذلك من واقع إدارة محاورها التالية.
- المساءلة Accountability
- التنمية Development
- التمويل والاستثمار Development
- التسويق Marketing
- نماذج الأعمال والممارسات الجديدة New business model
- روح المبادرة Entrepreneurial spirit
- إدارة المشتريات العامة Public procurement
- تعزيز الاقتصاد المجتمعي Social economy
بالإضافة إلى الإدراك التام بمدى تطابق حوكمة تلك المفاهيم بتحديات الاقتصاد المبني على المعرفة، وعلى مواكبة التوجهات العالمية حال تطبيق مفاهيم "تقاسم الاقتصاد" - والاقتصاد الاجتماعي (المجتمعي)، وتحسين مؤشرات التنافسية العالمية.
وهكذا نجد أن الممارسات الاقتصادية الذكية Smart Economic Practices تُشكل مرتكزاً مهم من مرتكزات النمو الاقتصادي لأي مدينة ذكية باعتبارها عصب الحياة الاقتصادية للمدينة، التي تعمل على المساهمة الفاعلة في تحسين اقتصاد الإمارة/المدينة/الدولة، وبالتالي تحقيق شهرتها العالمية والسمعة التي تميزها بين قريناتها.
م. خالد موسى إدريس
دبي في يناير 202