هكذا يدمرك الشيطان دون ان تشعر

 

يمكن تصنيف مستويات تأثير الشيطان على الإنسان من الأقل خطورة إلى الأخطر

 المستوى الأول الإنشغال في الصلاة 

إن أول باب يدخل منه الشيطان على العبد هو باب الصلاة لأنها أعظم ما يقرّب الإنسان إلى الله فإذا أفسدها عليه أفسد صلة بربه حين يقف المؤمن للصلاة يأتيه الشيطان فيبدأ يذكره  بكل ما نسيه مشاكله ،عمله ، أهله ، ماضيه وحتى أمور تافهة  لا قيمة لها ،  يفتح له أبواب التفكير في الدنيا. حتى يجد نفس واقفا بجسد أمام الله لكن قلبه في مكان آخر وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيلبس عليه صلاته حتى لا يدري كم صلى ثلاثا أم أربعا رواه البخارى ومسلم فالشيطان لا يمنعك من الصلاة لكن يفرّغ من معنىها وروحها ،  حتى تصبح مجرد حركات بلا خشوع وجسد بلا حضور ولذلك قال بعد السلف ليس كل مصلي يصلي إنما الصلاة حضور القلب بين يدي الله

 

 المستوى الثاني تأجيل الطاعة

 بعد أن يجعل الشيطان صلاتك شكلية بلا روح ينتقل إلى المرحل التالية تأجيل الطاعة وتأخير الأعمال الصالحة فهو لا يقول لك لا تصلي بل يقول صلي بعد قليل أنت مشغول الآن ، الله غفور رحيم سيفهم ظروفك ،  اليوم انت مرهق  صلي غدا بخشوع أفضل وهكذا يبدأ التسويف خطوة بخطوة حتى تصبح الطاعة عادة مؤجلة والقلب يعتاد التأخير حتى يزبل  فيه الإيمان دون أن يشعر صاحبه  ، وقد فضح الله تعالى هذه الحيلة الشيطانية في القرآن فقال وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالة يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا سورة النساء الآية 142  ، فهؤلاء المنافقون لا يتركون الصلاة تماما بل يقومون إليها متثاقلين متكاسلين يؤدون فقط ليرضي الناس أو يهدئ ضميرهم.

 

 

المستوى الثالث تطبيع المعصية وجعلها أمر عاديا

 بعد أن يضعف  الشيطان صلتك بالطاعة ويعودك على تأجيلها ينتقل إلى مرحل أخطر و هى  الاعتياد على المعصية وجعلها مألوفة في قلبك ،  في هذه المرحلة لا يحاول أن يمنعك من الطاعة فقط بل يغير نظرتك إلى المعصية نفسها فيبدأ بالهمس في قلبك الأمر بسيط ليست معصية كبيرة الكل يفعلها، لم تعلم ان  الله غفور رحيم ،  لا تشدد على نفسك.  وهكذا تتحول الحسرة إلى امر عادي والمعصية إلى أمر عادي حتى يصبح القلب لا يتألم ولا يخاف بل قد يبرر الخطأ ويدافع عنه بعد أن كان يستغفر منه ،  قال الله تعالى في كتابه الكريم الشيطان يعدكم الفقرة ويأمركم بالفحشاء سورة البقرة الآيام 268 ، أي أن الشيطان يخيفك من فقدان الدنيا إن التزمت بطاعة الله ويغريك بالمعصية لتسكن نفسك وتستمتع بوقتك فيزرع فيك حب الفاحشة  والأعتياد عليها

 

 المستوى الرابع زرع اليأس في القلب 

بعد أن يوقعك الشيطان في الذنوب وينجح في جعلها مألوفة لديك ينتقل إلى أخطر اسلحته على الإطلاق  ، انه اليأس من رحمة الله ، في هذه المرحلة لا يهمه أن تعصي بقدر ما  يهمه أن تفقد الأمل في المغفرة ،  حيث ان  اليأس من رحمة الله يعنى التوقف عن التوبة والاستسلام التام تماما للخطأ،  فيهمس في قلبك ، لقد أذنبت كثيرا ، الله لن يغفر لك ، الله لن يغفر لك ، الله لن يغفر لك ، لقد تنجست بالذنوب ،  لا فائدة من التوبة ،  لقد فات الأوان ، فات الاوان ، أنت بعيد جدا عن الله. وهكذا يغلق في وجهك باب الرجاء ويقنعك أن العودة  مستحيلة  ، فتعيش في ظلمة الشعور بالذنب دون طريق إلى النور،  لكن الله تعالى فضح هذه الحيلة الشيطانية في كتابه الكريم فقال جل جلاله قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنط من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم سورة الزمر الآية 53 ما أكرم هذا النداء ،  الله لم يقول يا عبادي الذين أحسنوا بل قال الذين أسرفوا أي الذين أكثر من الذنوب ومع ذلك دعاهم إلى الرجوع إليه ، بلا يأس  ، ولا خجل 

 

المستوى الخامس إثارة الحسد والغضب

 بعد أن يضع في إيمانك ويتعب قلبك بالياس ،  ينتقل الشيطان إلى مرحلة أكثر خبثا ، تلويث العلاقات الإنسانية فيزرع في قلبك بذر صغيرة من المقارنة والحسد يبدأ همسه بخبث خفي لماذا هو ناجح وأنت لا ،  لماذا تزوج قبلك  ، لماذا هي أجمل أو أغنى منك ، هذه الهمسات قد تبدو بسيط في البداية لكنها تنم في القلب كالنار تحت الرماد فتحول المقارنة إلى غيرة  والغيرة  إلى كراهية  ، ثم تنتهي إلى حسد و تمنى زوال نعمة الغير ،  فتخسر من تحب وتعيش في ضيق الصدر دون أن تدري أن السبب الحقيقي هو الشيطان نفسه.

قال الله تعالى محذراً من هذا السم القاتل، أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله؟ صورة النساء الآية 54، وقال النبي صلى الله عليه وسلم إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، رواه أبو داود.

 

 

المستوى السادس، استبدال الأمل فى الدعاء بالشك و ان الدعاء لن يستجاب له 

 في هذه المرحلة لا يهاجم الشيطان إيمانك بالله مباشرة، بل يهاجم أملك بالله وهو أخطر ما في القلب، فهو يهمس لك بعبارات تضعف روحك، ما فائدة الدعاء لقد دعوت كثيراً ولم يستجب لك، هل يسمعك الله أصلاً؟ أنظر إلى حياتك، أين نصر الله، أين رحمته؟ بهذه الوساوس، يحاول أن يطفئ نور الأمل، لأن من يفقد الأمل، يتوقف عن السعي، ومن يتوقف عن السعي، يتوقف عن الدعاء، ومن يتوقف عن الدعاء، يقطع صلته بربه شيئاً فشيئاً، لكن الله تعالى رد على وساوس الشيطان بنفسه في القرآن الكريم، فقال عز وجل، وإذا سألك عباد عني، فإنني قريب، أجيب دعوة الدعي إذا دعاني سورة البقرة الآية 186، تأمل كلمة قريب، لم يقل، سأكون قريباً، أو ربما أجيب، بل قال، إني قريب، أي دائم القرب في كل وقت وفي كل دعاء .

 

 

المستوى السابع، اليأس التام والتمرد

 هنا يصل الشيطان إلى آخر وأخطر مراحله مع الإنسان، حين ينجح في قطع الصلاة بين العبد وربه تماماً، لم يعد هدفه أن تذنب، أو تؤجل أو تشك، بل أن تتمرد، أن ترى الطاعة قيداً، والإثم حرية، والاستغفار ضعفاً، يهمس لك بخبث، تحرر من القواعد، عش على طبيعتك، لا تكن عبداً لأحد، حتى لله، الدين يقيدك، اتبع قلبك فقط، هكذا يحول الشيطان التمرد إلى شعار، والمعصية إلى هوايه ، والضياع إلى حرية زائفة، لكن في الحقيقة، هذا هو قيد الشيطان الأكبر، أن يربط روحك بالأرض، حتى تنسى السماء، قال الله تعالى عن هذا المشهد المروع يوم القيامة، حين يواجه الشيطان أتباعه الذين صدقوه والتبعوه، وقال الشيطان، لما قضي الأمر، إن الله وعدكم وعد الحق، ووعدتكم فخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم، صورة إبراهيم الآية 22، أي أن الشيطان لم يجبر أحداً، بل أغوى ودعى فقط، والناس هم الذين اختاروا طريقه.

 

 

الشيطان يبدأ بهمسة صغيره، لكن المؤمن الحقيقي هو من ينتبه لها قبل أن تكبر، تذكر دائماً، كل مرة  تتوب فيها و كل صلاة تصليها و  كل ذنب تندم عليه، هي صفعة في وجه إبليس، احمي قلبك بالذكر، ورجع إلى الله دائماً، فالباب لا يغلق أبداً ، الباب لا يغلق ابداً