غزة.. جرح مفتوح في الضمير العالمي

غزة.. جرح مفتوح في الضمير العالمي

Rating 0 out of 5.
0 reviews

غزة.. جرح مفتوح في الضمير العالمي

المقدمة

            غزة، تلك البقعة الصغيرة من الأرض التي لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومترًا مربعًا، تحولت إلى واحدة من أكثر المناطق جدلاً في العالم. فمنذ عقود طويلة، تُشكّل غزة محورًا للصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، لتصبح رمزًا للمقاومة، وأيضًا عنوانًا لمعاناة إنسانية غير مسبوقة. هذا المقال يستعرض التاريخ العريق للمدينة، ثم يوضح سنوات الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، مع تسليط الضوء على القرارات الدولية، والحصار الأخير، وأخيرًا يصف الوضع الإنساني القائم.

 أولاً: لمحة تاريخية عن غزة

تُعد غزة من أقدم مدن العالم، إذ تعود جذورها إلى الكنعانيين قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام. موقعها الاستراتيجي على الساحل الشرقي للبحر المتوسط جعلها نقطة التقاء للتجارة والجيوش عبر العصور. خضعت لحضارات عديدة؛ من الفراعنة والآشوريين والفرس، إلى الإغريق والرومان. ومع الفتح الإسلامي عام 637م أصبحت غزة محطة علمية وتجارية مهمة، وبرزت كمدينة ذات ثقل ديني واقتصادي.

في العصر العثماني ظلت تحت الحكم حتى عام 1917، حيث انتقلت إلى الانتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى. وبعد نكبة 1948 أصبحت غزة ملجأ لعشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، ثم وقعت تحت السيطرة المصرية حتى عام 1967 عندما احتلتها إسرائيل في حرب يونيو. منذ ذلك الحين، ارتبط اسم غزة بالمقاومة والتضحيات في مواجهة الاحتلال.

 ثانياً: سنوات الاعتداءات الإسرائيلية على غزة

منذ احتلال إسرائيل للقطاع، لم يتوقف العدوان العسكري، لكن السنوات الأخيرة شهدت موجات متتالية من الحروب:

2008-2009 (عملية الرصاص المصبوب):** استمرت ثلاثة أسابيع، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 1400 فلسطيني وتدمير واسع للبنية التحتية.
2012 (عملية عمود السحاب):** ثمانية أيام من القصف أودت بحياة مئات المدنيين وألحقت أضرارًا جسيمة.
*2014 (عملية الجرف الصامد):** من أعنف الاعتداءات، استمرت 51 يومًا، قُتل خلالها أكثر من 2200 فلسطيني، نصفهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى تهجير عشرات الآلاف.
2021 (سيف القدس):** اندلعت على خلفية أحداث الشيخ جراح والمسجد الأقصى، واستمرت 11 يومًا، خلّفت أكثر من 250 شهيدًا وآلاف الجرحى.
2023 وما بعدها:** شهد القطاع جولات متكررة من التصعيد العسكري، ما جعل حياة السكان أكثر قسوة.

هذه الاعتداءات لم تكن مجرد عمليات عسكرية، بل تحولت إلى كوارث إنسانية متكررة، مع تكرار مشاهد القصف والدمار وفقدان الأبرياء.

 ثالثاً: الحصار الأخير وأثره

منذ سيطرة حركة حماس على غزة عام 2007، فرضت إسرائيل حصارًا مشددًا على القطاع، لكن **الأعوام الأخيرة شهدت تشديدًا غير مسبوق**، خاصة مع التصعيدات بعد 2023. تم إغلاق المعابر بشكل شبه كامل، ومنع دخول الوقود والمواد الطبية، وأُوقفت حركة الأفراد إلا في حالات نادرة.

هذا الحصار الأخير انعكس على الحياة اليومية بصورة مأساوية:

* توقف شبه كامل لمحطات الكهرباء، ما أجبر الأهالي على العيش في ظلام معظم ساعات اليوم.

image about غزة.. جرح مفتوح في الضمير العالمي


* نقص الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات، مما أدى إلى وفيات يمكن تجنبها لولا منع دخول المعدات.
* ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب منع التوريد أو تقييده، ما فاقم أزمة الجوع والفقر.
* منع المرضى من السفر للعلاج خارج القطاع، ما جعل الحالات الحرجة تواجه الموت بصمت.

 رابعا : رأي المجتمع الدولي

المجتمع الدولي ظل ينظر إلى الوضع في غزة باعتباره إحدى أعقد القضايا الإنسانية والسياسية في العالم. المواقف الدولية تنوعت بين الإدانة والدعوات لوقف التصعيد، وبين مواقف داعمة لإسرائيل تحت مبرر "حق الدفاع عن النفس".

*الأمم المتحدة: عبرت بشكل متكرر عن قلقها من الوضع الإنساني في غزة. الأمين العام للأمم المتحدة أصدر بيانات عديدة تطالب بوقف إطلاق النار ورفع الحصار، معتبرًا أن استمرار استهداف المدنيين يشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني. تقارير [مجلس حقوق الإنسان](https://www.ohchr.org) وثّقت الانتهاكات، واعتبرت أن بعض الأفعال الإسرائيلية قد ترقى إلى جرائم حرب.

الاتحاد الأوروبي:** تبنى مواقف مزدوجة؛ فهو يدعو إلى حل الدولتين ووقف الاعتداءات على المدنيين، لكنه في الوقت نفسه يواصل التعاون السياسي والاقتصادي مع إسرائيل. ورغم انتقاده الحصار، إلا أن الضغط العملي لرفعه ظل محدودًا.

الولايات المتحدة:** غالبًا ما وقفت إلى جانب إسرائيل في مجلس الأمن، واستخدمت حق النقض (الفيتو) لإجهاض قرارات تنتقد الاعتداءات الإسرائيلية. تعتبر واشنطن أن أمن إسرائيل أولوية، ما جعلها أقل انتقادًا للحصار أو التصعيد العسكري.

المجتمع المدني العالمي:** شهدت السنوات الأخيرة توسعًا في حملات التضامن مع غزة، مثل حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) والمظاهرات الشعبية في العواصم العالمية، التي طالبت بإنهاء الحصار ووقف الاعتداءات. منظمات إنسانية مثل [هيومن رايتس ووتش](https://www.hrw.org) و[العفو الدولية](https://www.amnesty.org) أصدرت تقارير وصفت الحصار بأنه "عقاب جماعي غير مشروع".

باختصار، الموقف الدولي يتسم بالتناقض: هناك اعتراف واسع بمعاناة غزة وضرورة رفع الحصار، لكن غياب الإرادة السياسية القوية، خصوصًا من القوى الكبرى، جعل القرارات الأممية والتوصيات الحقوقية بلا تأثير فعلي.

خامساً: القرارات الدولية ومحدودية التنفيذ

المجتمع الدولي أصدر العديد من القرارات بشأن فلسطين وغزة، لكن معظمها ظل بلا تنفيذ فعلي. من أبرزها:

قرار مجلس الأمن 242 لعام 1967**، الذي دعا إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة. [نص القرار](https://www.un.org/securitycouncil/content/resolutions).
قرار مجلس الأمن 1860 لعام 2009**، الذي أكد على ضرورة وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة.

لكن غياب الإرادة الدولية جعل هذه القرارات أشبه ببيانات لا تجد طريقها إلى الواقع.

سادساً: الوضع الإنساني في غزة

اليوم يعيش في غزة أكثر من مليوني شخص في ظروف استثنائية من الحصار الذي فُرض منذ 2007 وزادت حدته في السنوات الأخيرة. هذا الحصار أدى إلى:

* بطالة مرتفعة تتجاوز 50%.
* أزمة كهرباء ومياه مستمرة.
* قطاع صحي على وشك الانهيار.
* اعتماد شبه كامل على المساعدات الإنسانية.

 الــخاتــمـــة

إن قصة غزة مع إسرائيل ليست مجرد صراع عسكري، بل هي مأساة إنسانية متجددة، يتجسد فيها الاحتلال والحصار والاعتداءات المتكررة. الحصار الأخير كشف للعالم حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون، لكنه أيضًا أبرز صمود شعب يرفض الاستسلام. غزة، برغم الألم، ما زالت تقاوم، لتبقى رمزًا للحرية والكرامة، وعنوانًا لقضية لم تجد بعد طريقها إلى الحل العادل.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

18

followings

52

followings

596

similar articles
-