"القرية علّمتني أن العرق على الجبين أشرف من الذهب في الخزائن...د. كمال الجنزورى

"القرية علّمتني أن العرق على الجبين أشرف من الذهب في الخزائن...د. كمال الجنزورى

Rating 0 out of 5.
0 reviews

القرية علّمتني أن العرق على الجبين أشرف من الذهب في الخزائن


مقدمة

من بين الشخصيات التي حفرت اسمها في تاريخ مصر الحديث، يبرز الدكتور كمال الجنزوري، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، كرمز للكفاح والصدق والإصرار. سيرته الذاتية "من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء" ليست مجرد حكاية عن وصول رجل إلى السلطة، بل شهادة حيّة على رحلة صعود بدأت من أعماق الريف الفقير، وانتهت إلى قمة المسؤولية التنفيذية في البلاد. في هذه الرحلة نجد دروسًا في الصبر والعمل والالتزام، إلى جانب اقتباسات ملهمة تلخص فلسفة رجل عاش للناس أكثر مما عاش لنفسه.

image about

البدايات: جذور في الريف

وُلد الجنزوري في قرية صغيرة بالمنوفية، حيث كان الفقر واقعًا يوميًا والعمل الشاق قدرًا محتومًا. غير أن هذه البيئة لم تضعف عزيمته، بل جعلته أكثر صلابة وإصرارًا على شق طريق مختلف. يقول:

"ولدت فقيرًا، لكنني لم أسمح للفقر أن يحدد مصيري."

 

 

image about

ويضيف معبّرًا عن قيم الريف:

"القرية علّمتني أن العرق على الجبين أشرف من الذهب في الخزائن."

لقد غرس الريف في داخله قيمة الكرامة المرتبطة بالعمل، وحب البساطة، والإيمان بأن الجهد هو رأس المال الأصدق.


التعليم: السلم إلى المستقبل

منذ طفولته، آمن أن التعليم هو الوسيلة الوحيدة لتغيير مصيره. تفوق في دراسته حتى حصل على منح دراسية مكّنته من السفر إلى الولايات المتحدة، وهناك حصل على الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي.

"التعليم هو المعركة التي خضتها وانتصرْتُ فيها."

وحين عاد إلى وطنه، لم يعد فقط بشهادات أكاديمية، بل برؤية إصلاحية هدفها تطوير الاقتصاد المصري على أسس علمية.


العودة إلى الوطن وخدمة الدولة

بدأ عمله في معهد التخطيط القومي، ثم تولى مسؤوليات متزايدة في وزارة التخطيط، مسهمًا في صياغة خطط تنموية طموحة. كان يؤمن أن مهمته ليست شخصية، بل وطنية خالصة:

"عدت من الخارج لا لأبحث عن امتياز، بل لأرد الدين إلى وطني."

هكذا بدأ يقترب من دوائر القرار، مع حرص دائم على أن يكون العلم هو مرجعيته الأولى.


في قلب الحكومة

عُيّن وزيرًا للتخطيط ثم وزيرًا للزراعة، حيث اشتهر بالانضباط والجدية، وبأسلوب إداري يعتمد على الحقائق لا على المجاملات. يقول:

"الكرسي لا يُغري من يملك هدفًا أكبر منه."
"الوزارة لم تكن عندي مكتبًا، بل ورشة عمل مفتوحة."

لقد كان يرى في المنصب أداة للعمل لا وسيلة للسلطة أو الوجاهة.


رئاسة الوزراء: امتحان الإرادة

عام 1996، وصل إلى رئاسة مجلس الوزراء في عهد الرئيس حسني مبارك، في فترة عانت فيها مصر من أزمات اقتصادية حادة. أطلق إصلاحات شملت مكافحة التضخم وتشجيع الاستثمار وتقديم دعم أكبر للفقراء.

"رئاسة الوزراء لم تكن مكافأة، بل كانت امتحانًا أصعب من كل ما سبق."

كان يرى أن أي إصلاح اقتصادي يجب أن يبدأ من الناس:

"كنت أؤمن أن الاقتصاد لا يزدهر إذا جاع المواطن."
"القرار الذي لا يحمي البسطاء ليس قرارًا عادلًا."

ورغم جهوده، واجه مقاومة وضغوطًا سياسية، ما أدى إلى خروجه المفاجئ من المنصب عام 1999.


العزلة والعودة بعد الثورة

بعد خروجه، اختار الابتعاد عن الأضواء، مكتفيًا بالتأمل والكتابة.

"تعلمت أن أترك المنصب قبل أن يتركني."

لكن أحداث ثورة يناير 2011 أعادته إلى المشهد، حيث كُلّف مرة أخرى برئاسة الوزراء. كانت البلاد تمر بمرحلة عصيبة، فحاول أن يحافظ على الاستقرار وسط الانقسام والصراع.

"جئت في زمن عاصف، ولم يكن المطلوب سوى أن أحافظ على السفينة من الغرق."


الدروس والعبر

يختم الجنزوري سيرته بدروس عملية في القيادة والحياة. أهمها أن السلطة وسيلة لا غاية، وأن قيمة الإنسان بما يتركه من أثر لا بما يحصده من مناصب.

"لم أسعَ إلى المنصب، لكنني سعيت إلى أن أكون صادقًا مع نفسي ومع الناس."
"القوة الحقيقية هي قوة الفكرة والإرادة، لا قوة الكرسي."
"الإنسان يُخلَّد بما يتركه من أثر، لا بما يجمعه من جاه."


خاتمة

إن مسيرة الدكتور كمال الجنزوري تجسد قصة إنسان بدأ من بيئة فقيرة في الريف، لكنه حمل إصرارًا جعله يصل إلى أعلى منصب تنفيذي في الدولة. رحلته تثبت أن النجاح لا يولد من الصدفة، بل من العرق، والعلم، والإيمان بالرسالة. في النهاية، تظل عبارته الخالدة أصدق تعبير عن فلسفته:

"القرية علّمتني أن العرق على الجبين أشرف من الذهب في الخزائن."

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

31

followings

50

followings

1

similar articles
-