الكتابة (مفهومها، أهميتها، آلياتها، مهاراتها)
الكتابة (مفهومها، أهميتها، آلياتها، مهاراتها)
مفهوم الكتابة:
الكتابة لغةً: مصدر كتب، فيقال: (كتب كتابة) ومعناها الجمع، ومن هنا سمي الخط كتابة لجمع الحروف بعضها ببعض، وجاء في القاموس المحيط: كتبه: خطه، واكتتبه: استملاه، والكاتب: العالم، والإكتاب: تعليم الكتابة كالإملاء والتكتيب.
والكتابة من خواص الإنسان التي يتميز بها عن الحيوان، ولابد فيها من الأمور الأربعة: فمادتها الألفاظ المكتوبة، وآلتها القلم، وغرضها تقييد الألفاظ، وشكلها الرسوم الخطية، فتتحصل الفائدة للأبعد كما تحصل للأقرب، وتحفظ صوره، ويؤمن عليه من التغيير والتبديل والضياع، وغاية الكتابة هو انتظام حياة الجماعة، وما يعود عليها من فوائد جمة في الدنيا والآخرة.
وهكذا نجد أن طبيعة الكتابة هي رموز متمثلة في رسوم وأشكال، تصوَّر الألفاظ، ويعبِّر بها الإنسان عن مشاعره وأفكاره.
أهمية الكتابة:
تعد الكتابة أعظم اختراع إنساني وصل إليه العقل البشري، فقد تميز به الإنسان عن غيره من المخلوقات، والكتابة وسيلة من وسائل الاتصال التي يتم بواسطتها معرفة أفكار الآخرين، والاطلاع على فنون المعرفة في عصر انتشارها المتسارع، الذي يطلق عليه: عصر الانفجار المعرفي.
ونظرًا لأهمية الكتابة وقيمتها أصبح تعليمها وتعلمها يمثل عنصرًا أساسيًا في العملية التربوية، وتبرز أهمية الكتابة من خلال ما يلي:
1ـ تسجيل الأفكار والوقائع والأحداث وكل ما أنتجه العقل الإنساني، مما يؤدي إلى الاحتفاظ بكل ذلك في الكتب، ووسائل النشر الأخرى، وتستفيد منه الأجيال تلو الأجيال.
2ـ تساعد الكتابة في نمو العلم والمعرفة، وازدهار الحضارة.
3ـ تنمي الكتابة القدرة على الملاحظة والدقة، وتعمل على إتقان مهارات فنية كالزخرفة والرسم.
4ـ تبرز أهمية الكتابة في أن الأخطاء الكتابية تؤدي إلى عدم فهم المعنى المراد، وتغيير الحقائق، وتكون من الأسباب المشينة والمعيبة للكاتب.
إن الكتابة تشارك القراءة من حيث أهميتها للفرد والمجتمع، فلا يمكن تعليم القراءة دون الكتابة، أو تعليم الكتابة دون القراءة، فالكتابة قرينة القراءة، وهما عمليتان متلازمتان تلازم الجسم والظل، لا يمكن الاكتفاء بالقراءة وحدها دون الكتابة، ولا غناء للمتعلم في المراحل الأولى عنها، وقد يقوم البعض من المعلمين بإعطاء القراءة الاهتمام الأكبر دون الكتابة اعتقادًا منهم أن ذلك يؤدي إلى إتقان الكتابة تلقائيًّا، وقد يتمكن بعض المتعلمين من الربط السليم بين ما يقرؤه وما يكتبه، ونلاحظ أنها فئة قليلة قد تتميز بقدرات ذهنية مميزة، أما الغالبية منهم سواء في مراحل التعليم الأولى أو ما علاها، فإنهم لا يتمكنون من إتقان الكتابة بالصورة المطلوبة، ومن هنا نؤكد على أهمية تعليم الكتابة في المدارس، وممارستها بإتقان ودقة وذلك لتحقيق ما يلي :
1ـ التدريب على الكتابة في دروس الخط والإملاء المنظور يساعد على تحليل الكلمات إلى حروفها الأصلية، وتهجئة أصوات الحروف.
2ـ تعين الكتابة على تثبيت صورة الكلمة في الذهن وتخزينها واسترجاعها عند الحاجة إليها، أو القياس على ما يشابهها.
آليات الكتابة:
تتم عمليتي الكتابة والقراءة باستخدام آليات ثلاث مترابطة فيما بينها، وهي اليد والعين والأذن، ولكل واحدة منها وظيفة خاصة، فاليد تنقل وتكتب، والعين تقرأ وتلاحظ، والأذن تسمع وتحلل، لذا فإن الكتابة السليمة للكلمات ترتبط بهذه الآليات الأساسية، وتدريب الحواس الثلاث على تنميتها وتقويتها في المتعلم منذ الصغر.
أولا: العين
العين هي العضو الذي تُرى به الكلمات، وتلاحظ حروفها مرتبة وفقًا للنطق، وهي تساعد على رسم صورة حروف الكلمة في الذهن، وتذكرها حين يراد كتابتها.
والكتابة يسبقها قراءة ذهنية، فالمتعلم يرى الكلمات بعينيه أولًا حرفًا حرفًا، فتؤدي هذه الرؤية للكلمة وكتابتها إلى استقرارها في عقله الباطن.
وبعض المتعلمين الذين لديهم صعوبات في الكتابة يواجهون مشكلات في الذاكرة البصـرية، وعدم القدرة على الاحتفاظ بصورة الكلمات، فيبدلون بين بعض الحروف وبالأخص المتقاربة في المخارج منها، مثل الحروف: ( ط ـ ت )، ( س ـ ز )، ( ض ـ ظ ) أو المتماثلة في الرسم، مثل الحروف: ( ف ـ ق )، ( ج ـ ح ـ خ )، أو يبدلون بين مواقع الحروف في الكلمة.
ويتم تدريب العين من خلال تكرار النظر إلى الكلمة، مما يساعد على تثبيت رسمها واستعادتها حين الكتابة، أو قياس كلمات مشابهة على ما يماثلها، كما في الكلمات: (تعاونوا ـ لم تتأخروا) بتكرار قراءتها، والنظر إليها يتمكن المتعلم من ملاحظة زيادة الألف في آخر الكلمة، وكتابة كلمات أخرى مشابهة لها دون حذف الألف الفارقة.
ثانيًا: اليد
اليد هي العضو الذي يعتمد عليه في كتابة الحروف والكلمات، فلا بد من تدريب المتعلم تدريبًا يدويًا كافيًا على كيفية الإمساك بالقلم بصورة صحيحة، وكيفية الضغط أثناء الكتابة، وإكسابه مهارة السـرعة، والقدرة على المحاكاة لرسم الحروف، ونقلها بشكل متقن.
ونجد أن بعض المتعلمين غير قادرين على رسم الحروف رسمًا صحيحًا، ومعرفة بداية كتابة الحرف، ونهايته، واتجاهات رسمه. ولمعالجة مشكلة عدم القدرة اليدوية فلا بد من التكرار والمران المستمر على النقل، ونسخ الجمل والكلمات، ومعرفة بداية الحرف، واتجاه كتابته، ونهايته.
ثالثًا: الأذن
الأذن هي العضو الذي تسمع به الكلمات، وتميز مقاطع الأصوات وترتيبها، ولهذا يجب الإكثار من تدريب الأذن على سمــاع الكلمات وربطها في ذات الوقت بصــورة كتابتها، كما في كتابة (ال) الشمسية (النَّهر)، وزيادة الألف الفارقة في (انتظروا)، وهمزة الوصل في (اجتماع)، فلا بد من ملاحظة أن النطق يختلف عن الكتابة، وهنا يكون دور الأذن في التفريق بين نطق الكلمات وكتابتها.
ويتم من خلال الأذن: إدراك الفروق بين الحروف المتقاربة في المخارج، مثل: (ض ـ ظ) في الكلمات (ضل ـ ظل)، أو (ك ـ ق) في الكلمات (بكرة ـ بقرة)، أو (س ـ ص) في الكلمات (سار ـ صار)، وذلك بنطق الكلمة بشكل صحيح وكتابتها، والتمييز بين معانيها، ومن وظائف الأذن في هذه الحالة: أنها تجمع بين شكل الحرف ومخرجه الصحيح وصفاته المختلفة.
ومن يعاني من مشاكل في الإدراك السمعي يكون غير قادرٍ على تحليل أصوات الحروف، والتمييز بين الحركات الطويلة والقصيرة، وعدم التفريق بين الحروف المتشابهة نطقًا أو رسمًا. وتكمن المعالجة بالجمع بين العرض البصـري والعرض السمعي من خلال عرض الكلمة وتهجي حروفها، ثم إبعادها عن النظر لاختبار مدى ثباتها في الذاكرة والقياس على ما يماثلها، ويمكن تحليل الكلمات قبل كتابتها وتهجئتها ثم نطقها صحيحة
كاملة. مهارات الكتابة:
تولي المدارس الحديثة اهتمامًا بالغًا بتعليم الكتابة وإتقان مهاراتها منذ اليوم الأول الذي يلتحق فيه المتعلم بالمدرسة. وتعليم الكتابة يعني الاهتمام بأمور ثلاثة هي مهارات الكتابة التي ينبغي على المعلم والمتعلم التركيز عليها، وهي:
أولًا: الكتابة بشكل يتصف بالجودة والدقة ومناسبته لمقتضى الحال، وهذا ما يطلق عليه: (التعبير الكتابي).
ثانيًا: الكتابة السليمة من حيث الهجاء والرسم الإملائي دون زيادة أو نقص، واستخدام علامات الترقيم، وهذا ما يطلق عليه: (الإملاء).
ثالثًا: الكتابة بشكل واضح جميل، وتحسين الرسم الكتابي، وهو ما يطلق عليه: (الخط).
معوقات الكتابة الصحيحة:
على الرغم من أهمية الكتابة وضرورة إتقانها، إلا أن هناك بعض الصعوبات أو المشكلات التي تواجه المتعلم أثناء الكتابة أو يعاني المعلم منها حين يعرضها للمتعلم، ومنها:
1ـ الحروف التي تلفظ ولا تكتب، مثل: الحروف المشددة، والحروف المنونة: (خبَّاز ـ السَّماء)، فالحرف المشدد يلفظ مرتين ويكتب مرة واحدة، وفي التنوين تنطق نون التنوين ولا تكتب (سماءٌ ـ سماءٍ ـ سماءً)، أو عند إشباع الحركات التي في نهاية الكلمة، مثل: كلمة (بهِ) المكسور آخرها قد يكتبها البعض (بهي) بإشباع الكسر، أو كلمة (معهُ) قد يكتبها بعضهم (معهو)، وغيرها من قواعد الكتابة التي يلفظ فيها الحرف ولا يكتب.
2ـ الحركات الإعرابية وتأثيرها على الكتابة باعتبارها تأتي ظاهرة، أو مقدرة، أو أصلية، أو فرعية، أو بحذف حرف، مثل: (لتسعَ في الخير) حذف حرف العلة (الألف) من الفعل المضارع (تسعى) لأنه سبق بحرف الجزم، أيضا كلمة (الراعي) في جملة: (هذا راعٍ نشيط)، حذفت الياء من كلمة (راعٍ)؛ لأنها اسم منقوص مرفوع، ولم تحذف من جملة (رأيتُ راعيًا نشيطًا)؛ لأنها مفعول به منصوب.
3ـ الوقف وفيه يسكن الحرف المتحرك، ويقلب تنوين الفتح ألفًا، وتصبح التاء المربوطة هاء.
في جملة (هذا البيتُ واسعٌ) عند الوقف على كلمة (البيتُ) المتحركة بالضم؛ فإننا نسكن آخر الكلمة المتحركة (هذا البيتْ)، وعند الوقف على كلمة منتهية بتنوين الفتح؛ يقلب التنوين ألفًا ساكنة، مثل: (سمعتُ قولًا سديدًا) إذا وقفت على كلمة (سديدًا)؛ تنطق التنوين ألفًا ممدودة، وعند الوقف على كلمة منتهية بتاء مربوطة، مثل (حضرتْ عائشةُ)؛ تنطق التاء المربوطة هاء (حضرتْ عائشهْ).
4ـ اختلاف هجاء (رسم) بعض الكلمات في المصحف الشريف عن الهجاء العادي (الكتابة الإملائية).