السهر: بين متطلبات العصر ومخاطره الصحية

السهر: بين متطلبات العصر ومخاطره الصحية

تقييم 5 من 5.
1 المراجعات

السهر: بين متطلبات العصر ومخاطره الصحية

يُعد السهر من الظواهر المنتشرة في المجتمعات الحديثة بشكلٍ لافت للنظر، حيث أصبح الكثير من الناس يقضون ساعات طويلة من الليل أمام الشاشات، أو في إنجاز الأعمال والدراسة، أو حتى في السهر مع الأصدقاء ومتابعة الأنشطة الترفيهية. وعلى الرغم من أنّ الليل في طبيعته وُجد للراحة وتجديد النشاط، إلا أن السهر بات جزءاً من أسلوب حياة الملايين، مما جعل الباحثين والأطباء يدقون ناقوس الخطر بسبب ما يحمله من آثار سلبية على الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية.

أولاً: مفهوم السهر وأسبابه

السهر ببساطة هو تأخير وقت النوم الطبيعي إلى ساعات متأخرة من الليل أو الفجر، وما يترتب عليه من تقليل عدد ساعات النوم الضرورية التي يحتاجها الجسم. تختلف أسباب السهر من شخص لآخر، لكنها في الغالب يمكن حصرها في عدة عوامل:

التكنولوجيا الحديثة: الهواتف الذكية، الحواسيب، والألعاب الإلكترونية أصبحت العدو الأول للنوم المبكر، إذ ينجذب الناس إليها لساعات دون أن يشعروا بمرور الوقت.image about السهر: بين متطلبات العصر ومخاطره الصحية

العمل والدراسة: الكثير من الطلاب والعاملين يجدون في الليل فرصة للتركيز بعيداً عن الضوضاء، فيستمرون في إنجاز مهامهم حتى ساعات متأخرة.

العادات الاجتماعية: في بعض المجتمعات يُعتبر السهر نوعاً من الترفيه أو أسلوب حياة، حيث يجتمع الأصدقاء في المقاهي أو يقضون وقتهم في أنشطة ليلية.

الضغوط النفسية والقلق: القلق أو التفكير الزائد يجعل من الصعب على الإنسان أن ينام باكراً، فيلجأ إلى السهر دون وعي.

ثانياً: الآثار الصحية للسهر

النوم من أساسيات الحياة الصحية، والحرمان منه بشكل مستمر يترك آثاراً خطيرة على الجسد. ومن أبرز هذه الآثار:

اضطراب الجهاز العصبي: السهر يسبب خللاً في إفراز الهرمونات، خصوصاً هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم.

ضعف جهاز المناعة: الأشخاص الذين يسهرون باستمرار يصبحون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض مثل الإنفلونزا ونزلات البرد.

تأثير على القلب: دراسات عديدة أثبتت أن قلة النوم مرتبطة بارتفاع ضغط الدم وزيادة احتمالية الإصابة بأمراض القلب.

زيادة الوزن: السهر يؤدي إلى خلل في هرمونات الجوع والشبع، مما يدفع الإنسان لتناول وجبات ليلية غير صحية.

مشاكل البشرة: يُعرف النوم باسم "سر الجمال"، وحرمان الجسم منه يؤدي إلى شحوب الوجه وظهور الهالات السوداء.

ثالثاً: الآثار النفسية والعقلية

لا يقتصر تأثير السهر على الصحة الجسدية فقط، بل يمتد ليؤثر على الصحة النفسية والعقلية:

ضعف التركيز: قلة النوم تؤدي إلى تراجع القدرة على الانتباه والتفكير السليم.image about السهر: بين متطلبات العصر ومخاطره الصحية

العصبية والقلق: السهر يجعل الإنسان أكثر عرضة للتوتر والانفعال السريع.

الاكتئاب: الحرمان المزمن من النوم يعد من أبرز العوامل التي قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية كالاكتئاب.

ضعف الذاكرة: النوم يلعب دوراً أساسياً في تثبيت المعلومات، وبدونه تتأثر القدرة على التعلم والتذكر.

رابعاً: الآثار الاجتماعية للسهر

السهر لا يضر الفرد وحده، بل يمتد أثره ليشمل المجتمع ككل. على سبيل المثال:

ضعف الإنتاجية: الموظفون أو الطلاب الذين يسهرون يكون أداؤهم ضعيفاً في اليوم التالي.

التأخر عن المواعيد: الاعتياد على السهر يجعل الاستيقاظ المبكر صعباً، مما يسبب مشكلات في الالتزام بالمواعيد.

التفكك الأسري: قضاء فترات طويلة من الليل خارج المنزل قد يؤدي إلى قلة التواصل الأسري.

الحوادث المرورية: السائقون الذين يعانون من قلة النوم أكثر عرضة للحوادث بسبب بطء ردود الفعل.

خامساً: كيف نتغلب على السهر؟

التغلب على السهر ليس مستحيلاً، بل يتطلب إرادة قوية وتغييراً في نمط الحياة. ومن أهم الحلول:

تنظيم أوقات النوم: الالتزام بوقت محدد للنوم والاستيقاظ يساعد الجسم على ضبط ساعته البيولوجية.image about السهر: بين متطلبات العصر ومخاطره الصحية

الابتعاد عن الشاشات قبل النوم: الضوء الأزرق الصادر من الأجهزة الإلكترونية يعيق إفراز هرمون النوم.

تجنب المنبهات: التقليل من تناول القهوة والشاي والمشروبات الغازية في ساعات المساء.

تهيئة غرفة النوم: جعلها مظلمة وهادئة وذات تهوية جيدة لتهيئة الجو المناسب للنوم.

ممارسة الرياضة بانتظام: الرياضة تساعد على تخفيف التوتر وتحسين جودة النوم.

الاسترخاء قبل النوم: يمكن ممارسة التأمل أو قراءة كتاب خفيف بدلاً من تصفح الهاتف.

سادساً: السهر الإيجابي أم السلبي؟

من المهم الإشارة إلى أن السهر قد يكون في بعض الحالات إيجابياً، إذا كان مرتبطاً بظرف ضروري مثل المذاكرة لامتحان مهم أو إنجاز عمل عاجل، شريطة ألا يتحول إلى عادة يومية. لكن المشكلة تكمن حين يصبح السهر جزءاً من الروتين، لأنه يتحول مع الوقت إلى عادة يصعب التخلص منها وتؤثر سلباً على مختلف جوانب الحياة.

خاتمة

السهر ظاهرة شائعة في زمننا الحالي، فرضتها ظروف الحياة العصرية بما تحمله من ضغوط وتكنولوجيا وترفيه مستمر. ورغم أن البعض يراه وسيلة للراحة أو الإنجاز، إلا أن العلم أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن السهر المستمر عدو للصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية. ومن هنا تأتي الحاجة الملحة لنشر الوعي بأهمية النوم المبكر والحفاظ على توازن حياتنا اليومية، فالنوم ليس ترفاً بل ضرورة لا غنى عنها.

إن إدراكنا لمخاطر السهر وحرصنا على تنظيم وقتنا بشكل أفضل يفتح لنا أبواباً لحياة أكثر صحة وسعادة وإنتاجية. فكما قال الحكماء: "النوم سلطان، ومن يضيّعه يضيّع صحته وسعادته".

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

4

متابعهم

9

متابعهم

7

مقالات مشابة
-