تاريخ تطور الحياة في الحقب القديمة

تاريخ تطور الحياة في الحقب القديمة

0 reviews

احتفظت الأرض في باطنها بكثير من الأدلة على تاريخ تطور الحياة في الحقب القديمة؛ فوجدنا في الرواسب الأرضية حفريات لكثير من الحيوانات المنقرضة وغير المنقرضة، ومنها عرفنا كثيرا من تاريخ الأرض، وأحيائها؛ ولكن كتاب الرواسب الأرضية خلت صفحاته من أي دليل مباشر على وجود تلك الأحياء الدقيقة، التي تعد بذرة الحياة على الأرض.

وربما كان اختفاء تلك الأدلة المباشرة ، راجعا إلى صغر تلك الكائنات الميكروسكوبية ، وإلى أنها كانت تتألف من مواد هلامية خالية من أي هيكل صلب، يخلف أثرا في صفحات كتاب تاريخ الأرض احتفظ بسجلاته أكثر من بليوني سنة.

وهذا النقص يعوض بأدلة غير مباشرة تجدها في طبقات الحجر الجيري، والرخام، والمرمر. فكلها من أصل واحد. وإن اختلفت في العوامل التي تعرضت لها. فالحجر الجيري نوع حديث ظهر في العصور المتأخرة؛ في حين أن المرمر قديم يرجع تاريخه إلى بليون سنة أو أكثر. وفيها تعرض لأنواع ضغط وحرارة حولته إلى شكله الحالي، مما يخالف الحجر الجيري في الشكل والمظهر.

وثبت في السنين الأخيرة أن الحجر الجيري هو النتيجة الطبيعية لمخلفات بعض الأحياء الميكروسكوبية. ومعنى هذا أن الرخام والمرمر من صنع أحياء عاشت على الأرض في تلك العصور السحيقة. أي أن المرمر هو مخلفات أحياء عاشت على الأرض من بليون سنة.

وتشاهد أيضا بين الرواسب التي تكونت في العصور الأولى من حياة الأرض كميات من الفحم، التي ظهرت كطبقات رفيعة من الجرافيت.

ومن المعروف أن تكوين الفحم يمكن أن يعزى إلى النشاط البركاني؛ ولكن توزيع هذه الطبقات بين الصخور، يرجح أنها بقايا مواد عضوية تحللت واندمجت في رواسب أخرى. وفي خضم التقلبات الأرضية طويت في أعماق الأرض. وتعرضت للضغط الشديد، والحرارة المرتفعة؛ مما حولها إلى مادة الجرافيت التي تصنع منها أقلام الرصاص.

حياة من بليون سنة:

ومن هذين الدليلين غير المباشرين وغيرهما، نستطيع أن نصدق ، أن بذرة الحياة على الأرض نشأت من بليون سنة، برغم عجزنا عن العثور على عينة منها، كما عجزنا عن العثور على عينات أحياء أخرى، وإن تأكد لنا وجودها بالاستنتاج ، والأدلة غير المباشر.

وتعال نعود إلى ذلك الماضي  البعيد، حين كان جو الأرض – يسمح لهذا المخلوق بالحياة على ظهرها. ففي تلك الفترة كان جو الأرض مرتفع الحرارة. وشديد الرطوبة، لأن جانباً كبيراً من المياه التي تملأ المحيطات الآن كان يحلق في الجو على هيئة سحب كثيفة، لا تسمح لأشعة الشمس بالنفاذ إلى سطح الأرض، فكان من المستحيل أن يعيش عليه إلا أحياء ميكروسكوبية بدائية تتحمل تلك الرطوبة  الهائلة، ولا تحتاج إلى أشعة الشمس.

وكان بعض تلك الأحياء البدائية، يجد غذاءه في المواد العضوية، في حين نما البعض الآخر بالتغذية على مواد غير عضوية. وهذا النوع من " أكلة المعادن" له نظائر لا تزال حية على الأرض. وهي المعروفة ببكتيريا الكبريت والحديد، وتستمد نشاطها الحيوي من عملية التأكسد (الصدأ) لعنصري الكبريت والحديد.

وهذا النوع من البكتريا، يلعب دورا ممتازا على الأرض؛ فهو المسئول عن تكوين الرواسب السميكة لخامات الحديد، التي تعد من اهم العناصر الرئيسية للصناعة في عالمنا الحديث.

وبالتدريج بردت القشرة الأرضية، وهطلت الأمطار. وتجمع ماؤها في أحواض المحيطات. وبالتدريج أيضاً خفت كثافة السحب ؛ وبدأت أشعة الشمس تنفذ إلى الأرض، فبدأ الحي الصغير يتأقلم، ويعد نفسه لبيئته الجديدة.

وظهر النبات:

وبالتدريج أيضا، بدأ فريق من تلك الأحياء يتعلم كيف يفيد من أشعة الشمس القادمة إليه، ومن غاز ثاني أكسيد الكربون المنتشر حوله، وعرف ما نسميه بعملية التمثيل الكلوروفيلي . وفيها يستعين بالشمس لطرد الأكسجين من الغاز والاحتفاظ بالكربون ليغذي به نفسه، وبيني أعضاءه.

وما زال النبات يستخدم هذه الطريقة الفذة في تحضير غذائه من الهواء وأشعة الشمس. ومنه يحاول خبراء العصر الحديث أن يعرفوا كيف تتم، ليقدموا مزيدا من الغذاء للإنسان والحيوان. فإذا ما وفقوا، وكشف لهم النبات عن سره، فإنهم سوف يفتحون آفاقاً جديدة لتوفير الغذاء للبشرية.

على أن هذه الاكتشافات البشرية مهما سمت، لا يمكن أن تنافس ذلك الحي في أداء عمله البارع، وما أنجب من ألوان حياة ملأت الأرض. وتجد منها أنواعاً متناهية البساطة، وأخرى متناهية التعقيد.

ومن نسل ذلك المخلوق، الذي لا تراه العين. تلك الأشجار الباسقة الضخمة بكل ما تحمل من ألوان الثمار في مملكة النبات، ويتغذى بها الإنسان والحيوان. ومنها تلك الأحياء الدقيقة المعروفة باسم " ألجا" وتراها سابحة في الماء لتتغذى بها الأسماك.

وآثر فريق آخر من تلك الأحياء البدائية حياة الترف؛ ولم يرقه أن يصنع طعامه من الهواء كما يفعل النبات؛ بل آثر أن يعيش عالة عليه، فيحصل على غذائه من النبات نفسه. وكانت الطريقة بسيطة، ولا تحتاج إلى كثير من النشاط، ولكنها حتمت وجوب الحركة، حتى إذا قل الطعام في مكان. وجده الحي في آخر، ومن ثم تكونت لهذا النوع أعضاء حركة. وبها لم يكتف بالسطو على النبات بل تغذى أيضا بأمثاله من الأحياء المتطفلة على غيرها.

وابتكر الأخطبوط الصاروخ:

وكان هذا الصراع سببا في وجوب تحسين أعضاء الحركة، ليتمكن الحي من الهجوم على غيره والتهامه، والفرار والهرب حتى لا يقتنصه آخر.

وكان أول هذه الأجهزة الصاروخ الذي يعتمد على الدفع المائي؛ ولا يزال أثره باقيا حتى الآن في الأحياء البحرية الهلامية المعروفة باسم الأخطبوط الكثير الأذرع ، وجسمه يشبه الجرس أو المغزل. وفيه ألف الحيوان ، لنفسه فجوة يملأها بالماء، وعند الحاجة يخرجه بقوة من الفتحة. فيندفع هو في الاتجاه المضاد.

على أن هذا الجهاز لم يحقق آمال كل الأحياء المتطفلة سواها؛ فكونت لنفسها جهازا جانبيا يدفع أجسامها المستطيلة في الماء. وتم صقل هذا الجهاز إلى حد كبير في الأسماك والأحياء المائية؛ ولم يتخلف عن  التزود به إلا الأحياء المحافظة كالأخطبوط بأنواعه؛ فقد آثرت الاحتفاظ بجهازها الصاروخي الأول؛ وحسنته بإضافة زعنفتين أفقتين، تستخدمان للسياحة البطيئة كما تفعل بقية الأحياء المائية.

ومن الواضح أن الأجسام الهلامية التي تمنعت بها الأحياء المائية وقتئذ، لم تكن مناسبة للحركة السريعة في الماء؛ لأن السرعة تتطلب أجساماً على جانب من الصلابة، والانسياب، حتى تؤدي العضلات مهمتها على جانب من الكمال.

أضف إلى ذلك عمليات الدفاع والهجوم في مضمار الصراع من أجل الحياة. كل هذا حتم على الأحياء المائية الهلامية أن تحور في جسمها، وتزيد من قدرته على مواجهة ظروفه؛ ومن ثم تسلحت الأحياء الهلامية بدروع، وأنياب ومخالب قوية حادة، كما تشاهد في أنواع المحار الذي تعرفه.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

262

followings

592

followings

6657

similar articles