ما وراء المادة

ما وراء المادة

0 reviews

نحن ننتقل تحت هذا العنوان ما نطلع عليه في مؤلفات أوروبا وجرائدها ومجلاتها، مكتوباً تحت إمضاء الأساتذة والدكاترة وكبار المؤلفين، مضربين عما يكتبه كل من عداهم، ليكون تعجب القارئ أعظم واندهاشه أكبر؛ ولا نريد من هذا إلا إقامة الأدلة المحسوسة على أن زعماء العلم الأوروبي من الأسبرتزم ومدهشاته في أمر مريج، وأنهم قد خضعوا لخوارقه رغم أنفهم بعد غطرستهم السابقة وتشددهم الماضي، وأن الذين يقلدونهم منا في تعاليمهم عن النظر وتشامخهم عن الرضوخ لعقيدة، وهماً منهم أن علماء أوروبا لم يزالوا كذلك، إنما يقلدون جيلاً مضى، وقوماً بادوا . فليرجعوا من قريب خيراً لهم.

كتب الأستاذ (موتنييه) الفرنساوي- والأستاذية عندهم رتبة علمية لا ينالها إلا أفراد نابغون في بعض الفروع العلمية – كتب في المجلة الروحية الصادرة في شهر مايو 1904م تحت عنوان ( الأسبرتزم مثبوت علمياً بواسطة الكتابة بدون واسطة ولا عرافة) ثم ذكر (مقدمة) يقارع فيها بعض الكتاب الذين يكذبون بالأسبرتزم ولم يشاهدوه، قال فيها:" وهل عرف المسير جاستون مري كل الحوادث النفسية؟ 

هل رآها كلها واختبرها اختبار الباحث النزيه الصبور الخالي من الهوى ؟ إن قال لا، فقد حكم على نفسه وانحسمت المشكلة، وإن قال أنه خبير بهذا الموضوع ويستطيع أن يتكلم فيه كلام الأستاذ فيه، فنحن نعرض عليه مسألة نفسية بسيطة، راجيا فضله في أن يحلها ويفسرها. نحن لا نريد أن نسترهبه ، ومع ذلك فلا نستطيع أن نخفي عنه أن من كل الفروض التي تخيلت في تعليل خوارق الأسبرتزم لم يفلح إلا الفرض القائل بنسبتها إلى أرواح الموتى. وإليك المسألة:

" أخذت خمس صحائف بيضاء وكتبت على كل منها سؤالاً، ثم طويت كلا من هذه الصحائف أربع طيات، وأضفت إليها خمس صحف أخرى بيضاء لأخذ الأجوبة عليها، وطويتها كما طويت أخواتها، ووضعت الصحف كلها في مظروف ولصقته لصقاً محكماً. ثم جئت بإردوازين جديدين اشتريتهما للتجربة التي عزمت على عملها خاصة، ثم وضعت هذا المظروف مع قطعة من الرصاص بين ذينك الإردوازين، وأطبقتهما على بعضهما إطباقاً شديداً، وربطتهما بحبلين متقاطعين . لما أعددت لنفسي هذه العدة، ذهبت إلى الواسطة وكانت امرأة مشهورة في البلد بنزاهتها وسمو خصيصتها في الوساطة بين الأحياء والأموات، وبحدوث الكتابة من الأرواح بحضرتها. فقوبلت وأدخلت إلى حجرة في الطبقة الأولى من البيت وسط في الاتساع قد أعدت للتحضيرات الروحية، وهي محلاة بأثاثات بيسطة ولكن متينة. وصادفت في وسط تلك القاعة مائدة مربعة عليها غطاء. فما كان مني إلا أن رفعت الغطاء لأتحقق من عدم وجود أي آلة ميكانيكية تحتها، ثم فتشت كل شيء بعناية تامة، وبعد أن تحققت من عدم وجود شيء يشك فيه في الغرفة، جلست بجانب تلك المائدة ووضعت عليها إردوازي، ولم أفقدهما من بصري ولا لحظة صغيرة من عهد دخولي دار الواسطة. وكانت الساعة إذ ذاك (3)، فانتهت الجلسة في الساعة (3.30 ) ، أي لم تمكث أكثر من ثلاثين دقيقة.

" الواسطة امرأة شقراء لم يتجاوز عمرها الثلاثين سنة، طيبة البنية باشة، وذات معارف عادية، وهيئتها بسيطة طبيعية، وتشنجها لا يكاد يكون محسوساً، وكانت ذاهبة آيبة في الغرفة تحدثني بما تراه، ثم أخذت قطعة من الورق الأبيض وكتبت ألقاب الأشخاص الذين ذكرتهم أنا في أسئلتي المظروفة، وكنت ألاحظ يديها وهي تكتب فوق المائدة . وبعد ربع ساعة آذنتني بأن الجلسة انتهت . فأخذت إردوازي اللذين لم يتحركا قط من مكانهما، وفككت الحبل عنهما، فوجدت المظروف لا يمس مطلقاً، ولكن القطعة الرصاصية لم أجد لها أثراً، ففضضت المظروف وأخرجت منه الورق المكتوب عليه المسائل، ثم الورق الذي كنت أعددته للأجوبة، فوجدته مملوءاً كتابة بالقلم الرصاص (تلك الأوراق موجودة تحت تصرف من يريد فحصها).

" وجدت من نص الإجابة ، أن شخصية مستقلة هي التي أجابت تلك الأجوبة بطريقة لا يشك في حقيتها. وغير ذلك فإن بين خط الأجوبة وخط الإنسان الميت من التشابه بحيث أن أهل بيته عموماً أدركوه وقضوا منه بالعجب.

 "لأجل أن أرى المسيو جامري كنه الاحتياطات التي اتخذتها ضد أي غش أو تزوير من قبل الواسطة، ولأجل أن أتقى من قبل حضرته بعض الاعتراضات عديمة الجدوى. أضيف إلى ما سبق:

" أولاً – بأن تلك الواسطة تجهلني كل الجهل، وإني غريب في تلك البلدة.

" ثانياً – أن تلك المقابلة مع الواسطة كانت باكورة تعارفي بها وأنها لم تكن تقدر على معرفة شيء مني ولا من عائلتي.

" ثالثاً – أنه لم يحصل بيني وبينها قبل التحضير أي محادثة تمهيدية مما كان يمكن أن تستفيد منها بعض فوائد تدلها على ما أنا بصدده.

" رابعاً – الجلسة حصلت في ضوء النهار الناصع في الساعة الثالثة بعد الزوال. 

" خامساً – لم يدخل جلسة التحضير شخص ثالث في أثناء الجلسة.

" سادساً – ظلت أبواب الحجرة مقفلة طول مدة التحضير، ولم يوجد فيها لا حواجز ولا أجهزة من أي نوع كان يمكن أن تسهل التزوير.

" سابعاً – لم تمس الواسطة الإردوازين بيديها.

" ثامناً- لم يكن في جيبي لا خطابات ولا مكاتيب أخرى آتية من قبل الأشخاص المكتوبة أسماؤهم في الأسئلة، مما يمكن أن تعرف منه الواسطة الأسماء التي أمضت على الأجوبة التي تحصلت عليها".

ثم قال:" وإني قد اتبعت هذه الجلسة بجلسة أخرى بعد ثلاثة أيام، فكان نجاحها كنجاح سابقتها، لأني توخيت لها الشروط التي توخيتها للأولى.

" هل يجسر المسيوغاستون مري بأن يدعي أن هذه الألوف المؤلفة من الذين شاهدوا هذه الخوارق مغشوشون مغرورون ؟ وهل يجسر بأن يزعم بأن البارون (غولدنستوب) الذي عمل أكثر من ألفي تجربة روحية من سنة 1846م إلى سنة 1869م، أمام شهود من أعلم علماء الأوروبيين والأمريكيين وأجدرهم بالثقة كان مخرفاً، مصاباً بالهوس؟ وأن (ولاس) و(زولنر) و(فيشت) و(إكسون) و(هار) و(دال) و(أوين) و(اكزاكوف) كلهم كذابون خراصون ؟".

إلى أن قال :" يظهر مما تقدم بيانه بأن الأسبريتوالزم أصبح مثبوتاً بالبراهين العلمية، لأن المعلومات التي تأتي من قبل الأموات، والعرافة التي يتمتع بها الوسطاء تثبت بطريقة لا يمكن دحضها بأن المشاهدات التي تنتج من هذين الفنين الروحيين آتية من جهة عقل أعلا من العقل المتلبس بالمادة، أي من عقل يسمو على عقل الإنسان، مثبوت وجوده ثبوتاً علمياً، ويمكن مشاهدته في كل حين تتوفر فيه الشرائط الضرورية، ومن هنا صارت الاعتراضات التي وجهها المسيوجاستون مري لا تحتمل النقد.

" فاطلب النور، ثم اطلب النور يا مسيوغاستون مري، وإن كنت صاحب الحقيقة، فتكرم بإعلامنا بها، فإنها مرمى أغراضنا ومنتهى آمالنا". 

الإمضاء

(البروفيسور موتنييه)

ملاحظة:

نحن نجشم أنفسنا كل حين ترجمة مثل هذه الحوادث ليرى المسلم بعينيه، أن العالم أصبح على خلاف ما كان عليه في مقدمة القرن التاسع عشر والذي قبله من جهة الاعتقاد بالعالم الروحاني، وإذا كان العالم الأوروباوي الذي كان مادياً بالأمس أصبح يعترف (دعك من استحضار الأرواح) بأن في الإنسان سراً مكنوناً، ومعنى علوياً مصوناً، وأن جسمه هذا غلاف مؤقت لهذا السر السماوي يضمه حيناً، ثم ينفرج عنه، فيصعد ذلك السر إلى عالمه النوراني، يسبح في سبحات الإفاضات الرحمانية مع الأرواح الملكوتية، قلنا إذا كان العالم الذي كان مادياً بالأمس، أصبح يقول هذا القول: أليس الأولى به منه المسلم الذي بعثه الله لإعطاء الروح حفوفها، وتأمين العواطف الإنسانية على مطلوبها، وإذا كان صرعى المدينة الجديدة يقارعون أنصار العقائد الحقة بالعلم الأوروبي، فها هو العلم الأوروبي وهاهم قادته وأراكينه، حيارى أمام آية من آيات الحق جل شأنه، أرسلها إرغاماً لمعاطس الكفر، وكسراً من شرة العناد، والله غالب على أمره.

كروية الأرض ودورانها 

كتب لنا حضرة الوجيه السيد علي بن أحمد بن شهاب من مدينة بويتنزورغ بجزيرة جاوا الإندونيسية، يسألنا هذين السؤالين: هل الأرض كروية ؟ هل الأرض تدور؟ فنجيب حضرته:

المرجع:

ص ص : 476-497

الإسلام في عصر العلم – محمد فريد وجدي، الناشر دار الكتاب العربي ، الطبعة الثالثة، 1967م، بيروت. 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

258

followings

590

followings

6657

similar articles