النقائض : فن ترعرع ونما واتخذ أشكالاً وأنماطاً ثابتة في عصر بني أمية

النقائض : فن ترعرع ونما واتخذ أشكالاً وأنماطاً ثابتة في عصر بني أمية

0 reviews

النقائض فن ترعرع ونما واتخذ أشكالاً وأنماطاً ثابتة في عصر بني أمية وأصبح له تقاليد في محيط القول والإنشاء والإنشاد ، وأغرم جمهور الناس به وأصبحوا مهتمين بكل جديد منه نظراً لطرافة المعركة التي قامت من خلاله بين الشعراء وبخاصة تلك التي قامت بين جرير من ناحية والفرزدق والأخطل والبعيث والراعي من ناحية أخرى واشترك فيها مجموعة كبيرةمن الشعراء اختلف المؤرخون في تحديد عددهم.

والنقائض معروفة مطروقة قبل عهد بني أمية، وهي قد اتخذت مكانا عند شعراء الجاهلية ، مثل النقائض التي جرت بين الأوس والخزرج، ونقائض بكر وتغلب وهما قبيلتان من ربيعة، ونقائض قيس وتميم، وتميم وبكر، وعبس وذبيان، ثم النقائض التي نشأت في ظل العقيدة كتلك التي جرت بين شعراء المسلمين وفي مقدمتهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة وبين المشركين وفي مقدمتهم عبدالله بن الزبعري وكعب بن الأشرف وهبيرة بن أبي وهب المخزومي وعمرو بن العاص والعباس بن مرداس السلمي الذي اتخذ الجانب الإسلامي بعد أن أسلم بعد فتح مكة.

ومرت النقائض في أول عهدها بالنشوء بمرحلتين مرحلة العصبية والأيام ثم أصبحت في ظل الإسلام مرحلة لشعر العقيدة بما شمل من معاني جديدة كل الجدة على الشعر والأدب، فمن أمثلة ذلك مناقضة جرت يوم غزوة الخندق وأمرها مشهور حين امتحن المسلمون فيها امتحاناً شديداً وصبروا وجاهدوا ووقاهم الله الهزيمة فلم يُنل منهم الكفار ما أملوا وكانوا قد منوا أنفسهم بالنصر على المسلمين . يقول أحد جنود المشركين وشعرائهم وهو ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري:

وَمُشفِقَةٍ تَظُنُّ بِنا الظُنونا     ***  وَقَد قَدنا عَرَندَسَةً طَحونا

كَأَنَّ زُهاءَها أُحُدٌ إِذا ما   ***  بَدَت أَركانُهُ لِلناظِرينا

تَرى الأَبدانَ فيها مُسبِغاتٍ  *** عَلى الأَبطالِ وَاليَلَبَ الحَصينا

وَجُرداً كَالقِداحِ مُسَوِّماتٍ   ***  نَؤُمُّ بِها الغُواةَ الخاطِيينا

كَأَنَّهُمُ إِذا صالوا وَصُلنا    ***   بِبابِ الخَندَقَينِ مُصافِحونا

فَأَحجَرناهُمُ شَهراً كَريتاً    ***   وَكُنّا فَوقَهُم كَالقاهِرينا

نُراوِحُهُم وَنَغدو كُلَّ يَومٍ   ***  عَلَيهِم في السِلاحِ مُدَجَّجينا

فَلَولا خَندَقٌ كانوا لَدَيهِ      ***  لَدَمَّرنا عَلَيهِم أَجمَعينا

وَلَكِن حالَ دونَهُمُ وَكانوا   ***  بِهِ مِن خَوفِنا مُتَعَوِّذينا

فَإِن نَرحَل فَإِنّا قَد تَرَكنا   ***   لَدى أَبياتِكُم سَعداً رَهينا

وَسَوفَ نَزورُكُم عَمّا قَريبٍ    ***  كَما زُرناكُمُ مُتوازِرينا

وإذا كانت هذه الأبيات جاهلية المعاني والمقاصد والفكرة كما هو ظاهر من قسماتها، فلننظر في رد شاعر مسلم هو كعب بن مالك الأنصاري ولنستعرض أبياته بما حوت من معاني إسلامية جديدة وأسلوب مركوز على الإيمان لم يألفه الشعر العربي من قبل في قوله:

وَسَائِلةٍ تُسائِلُ ما لَقِينَا     ***  ولو شَهِدَةت رَأَتْنَا صَابِرِينا

صَبَرْنَا لا نَرى للهِ عِدْلاً   ***  عَلَى مَا نَابَنَا متوكِّلينا

وَكَانَ لَنَا النّبيُّ وَزِيرَ صِدْقٍ  ***  بِهِ نَعْلُو البَرِيَّة أجْمَعِينَا

نُقَاتِلُ مَعْشَراً ظَلَمُوا وَعَقُّوا   ***  وَكَانُوا بالعَدَاوة مُرصِدِينا

نُعَاجِلُهُمْ إذَا نَهَضُوا إِلَيْنَا     ***  بِضَرْبٍ يُعْجِلُ المتَسرِّعِينا

تَرانَا في فَضَافضَ سَابِغَاتٍ   ***  كغُدْرَانِ المَلاَ مُتَسَرْبِلِينَا

وَفِي أَيْمَانِنَا بِيضٌ خِفَافٌ     *** بِهَا نَشْفِي مِرَاحَ الشّاغِبِينا

بِبَابِ الخندَقَينِ كأنَّ أُسْداً     ***  شَوَابِكُهُنَّ يَحْمِينَ العَرِينَا

فوارِسُنَا إذا بَكَرُوا وَرَاحثوا    *** على الأَعدَاءِ شُوساً مُخْلِصِينا

وَيَعْلَمَ أهلُ مكَّةَ حينَ سَارُوا    ***  وأحزابٌ أَتَوْا مُتحَزِّبِينَا

بأنَّ اللهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ     ***   وأنَّ اللهَ مَوْلَى المُؤْمِنِينَا

فإمَّا تَقْتُلُوا سَعْداً سَفَاهاً    ***   فإنَّ اللهَ خَيْرُ القَادِرينا

سَيُدْخِلُهُ جِناناً طيّبَاتٍ   ***   تكونُ مُقَامَةً للصَّالِحِينا

كما قَدْ رَدَّكُمْ فَلاًّ شَرِيداً   ***  بغيظِكُمُ خَزَايَا خَائِبِينا

 فنحن نرى مضمونا جديدا ومعاني مستحدثة ابتكرتها قريحة الشاعر المسلم وأخذت معانيها من القرآن الكريم ومن هدى الدين الإسلامي بحيث يمكن أن يطلق على قصائد كعب بن مالك وحسان بن ثابت في هذا السبيل شعر عقيدة وليس شعر نقائض لولا أنها ردود على قصائد كفار قريش ومتـآمري اليهود، وهذه النقائض بين شعراء المسلمين وشعراء المشركين تعتبر سجلا تاريخيا أدبيا صادقا لهذه المرحلة الحاسمة من تاريخ البشرية.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

236

followings

590

followings

6657

similar articles