كيف تصير كاتبا متمكنا مقتدرا من ملكة الإنشاء ؟

كيف تصير كاتبا متمكنا مقتدرا من ملكة الإنشاء ؟

0 المراجعات

 

أن تكونا كاتبا جيدا، فهذا ولابد يستدعي في البداية أن تكون قارئا نَهِما، يُقبل على الكتب بشراهة مفرطة، يلتهمها تِباعا، وفق منهجية منضبطة وحسب ميولاتك الشخصية لأي حقل معرفي تجد نفسك فيه، بحكم أن النفس تُقبل على ما تحب وتنشط فيه، أضعاف ما تُكره عليه وتُلزم على تعاطيه.

- الشرط الأول في الانطلاق

الشرط الأول والأساسي كما ألمحت إليه في البداية هو أن تكتشف شغفك وتعرف ميولاتك المعرفية، فتتعّدها بعد ذلك بالعناية، متوسلا بالإكثار من التعاطي للمادة التي تميل إليها، فإن كان نزوعك المعرفي ينحو إلى التزود بالأخبار والإكثار من الآثار والوقوف على المآثر والأطلال، وسبر أغوار الزمن السحيق، فما عليك إلا أن تتّجه رأسا إلى الكتب التاريخية، تبدأ بالقراءة للمعاصرين أولا ثم تنتقل إلى أبعد من ذلك - لأن المؤرّخ المعاصر، هو بمثابة علاقة وصل بينك وبين الأعلام السابقين- منضبطا بمنهجية في الاطلاع والتدرج ومسترشدا بهادٍ أمين يُحيلك على مراجع آمنة تُشيد عليها أحكامك في الأخذ، لأن بعض الكتب لا تسلم من نفث السموم، بحكم أن لكل كاتب مرجعيته المعتمدة وخلفيته الفكرية والسياسية التي تعوزه للانتصار لفكرة معيّنة، وقد تُغيَّب عنك هذه الحقائق في البداية، إن لم تكن مسبوقا بفكرة معيّنة عن الحَدَث، تخوّلك نقده على ضوء ما استتب لديك من معلومات.

هذا في الجانب التاريخي، ولك أن تقيس عليه ما لم يُقس من جوانب أخرى في مختلف العلوم والفنون، ثم إن للكاتب ألا يُغفل جانبا مهما جدا، ولابد له أن يتزوّد من معينه بحظ وافر، سواء أكان ميله إلى هذا الجانب ميلا اختياريا صرفا، أو من باب التفسّح الذهني والتزود المعرفي، ألا وهو الجانب الأدبي، فهو جانب أساسي في تنشيء الكاتب وتقويم مهارته الإنشائية وتكثير عباراته وألفاظه، ليكون مقتدرا على ترجمة الأفكار والخواطر إلى نصوص مُحكمة بليغة، لذلك لا محيدة للكاتب أن يُعنى بالجانب الأدبي شعرا ونثر، ينتقل خلالهما عبر الحقب المزدهرة من القرون الماضية، فيقف على ذخائر الأسفار ويتزوّد من كوامنها، ويكون لنفسه أسلوبا خاصا يمكنه من الاسترسال في الأفكار براحة ورويّة، دون أن يُخل بالفكرة أو يطرحها منقوصة غير تامة.

- الشرط الثاني

حينما تنطلق في مضمار المطالعة وتسترسل في النهل من المعين المعرفي، فإن ذلك سيكسبك مهارة شخصية في تَعرُّف الكتب وفي طلبها، لأن الكتب  يدلُّ بعضها على بعض؛ فالكتاب ولابد سيحيلك لغيره، وهكذا إلى أن تصير مقتدرا على رسم خطة قرائية تلائمك، وهذا لا يتأتى لك خلال مدة وجيزة، لأن طلب ذلك يكون في البداية بالمصابرة وإلزام النفس مع المقروء إلى أن تبلغ لمرتبة تصير فيها مقتدرا على صرف جل وقتك مع الكتاب دون أن تألو كبير جهد في ذلك، بل إنك لن تجد راحتك إلا في المطالعة، وستجد أن حيّز الترف وإضاعة الوقت قد تقلّص بشكل مهول، وهذا ما ستكون فوائده عليك عظيمة، مع المواصلة والمواضبة والحرص على الانضباط.

مع الوقت ستجد نفسك قد اكتسبت رصيدا لغويا لابأس به، يخوّلك أن تشرع في اقتراف الكتابة أخيرا، بما حزته من معلومات وخبرات هي عصارة المؤلفات التي تعاطيتها خلال فترة النهل المستمر، حيث تتكون لديك قناعات وتصير لك خواطر وأفكار ما تلبث أن تُثبتها في مقالات، تدعمها بما انتهيت إليه من حجج وبراهين، وتطعّمها بدراسات مررت بها، لتُكسب طرحك مزيد متانة ورسوخ، ثم تسعى لنقض الطرح المعارض مبيّنا تهافته ومركّزا على نقاط ضعفه.. هكذا إلى أن تتأهل للتأليف بعد عمر من القراءة والمطالعة وتبادل الأفكار وكتابة المقالات وحضور الندوات والمشاركة ببعض الانطباعات.

ولتعلم أن هذا المسار الذي حاولت رسمه وجمع بعض أطرافه باختصار، هو ثمرة جهد مضنٍ وممارسة دائمة وطلب دائب لا ينقطع، تجعل فيه القراءة منهج حياة، لا من باب الاستمتاع والترف الفكري فقط، ومع الوقت تحصد جنى غرسك إن شاء الله وللحلم بقية.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

articles

3

followers

1

followings

1

مقالات مشابة