
ابن بطوطة: أشهر رحالة
رحالة مشهور اسمه محمد بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي . ولد في مدينة طنجه ببلاد مراكش في ا لسابع عشر من شهر رجب عام 703 هـ (24فبراير 1304م) .
وقد نشأ في بسطة من العيش، وسعة من الرزق، ثم خرج من مدينة طنجه وهو في الثانية والعشرين من عمره قاصداً الحجاز لأداء فريضة الحج، فمر بمراكش والجزائر وتونس وطرابلس الغرب ومصر، ثم قصد إلى عيذاب على ساحل البحر الأحمر ماراً ببلاد الصعيد ليعبر البحر الأحمر ، فلما لم يتهيأ له العبور عاد إلى الفسطاط، ثم رحل عنها إلى فلسطين ولبنان وسوريا والحجاز، فحج حجته الأولى.
ومن مكة سافر إلى بلاد العراق والعجم والأناضول، ثم عاد إلى مكة حيث حج إلى بيت الله الحرام للمرة الثانية.
وظل بمكة سنتين ثم غادر البلاد إلى اليمن، وعبر البحر إلى إفريقيا الشرقية، ثم رجع منها مارا بجنوب جزيرة العرب حتى الخليج العربي، فزار سلطنة عمان والبحرين والأحساء، ثم عاد إلى مكة حيث أدى فريضة الحج للمرة الثالثة.
ثم خرج من مكة إلى بلاد الهند مارا بخوارزم، وخراسان، وتركستان، وأفغانستان وكابول ثم السند. وتولى هنالك القضاء في دهلي على المذهب المالكي للسلطان محمد شاه.
ولما أراد السلطان محمد أن يرسل وفدا إلى ملك الصين خرج ابن بطوطه فيه. وفي طريق عودته مر بجزيرة سرنديب وجزائر الهند والصين، ومن هناك عاد إلى بلاد العرب من طريق سومطرا عام 1347 م، فزار بلاد العجمم والعراق وسوريا وفلسطين، ومنها عاد إلى مكة للمرة الرابعة، وأدى فريضة الحج. وعندئذ تاق إلى العودة إلى مسقط رأسه، فمر بمصر وتونس والجزائر ومراكش، ووصل فاس عام 1349م.
ولم يمكث ابن بطوطة في وطنه طويلاً، بل استأنف رحلته إلى بلاد الأندلس عابرا مضيق جبل طارق إلى غرناطة، ثم عاد مرة ثانية إلى مدينة فاس، وألقى فيها عصا التسيار.
وعاوده الحنين مرة أخرى إلى السفر، فغادر وطنه إلى السودان، حتى إذا ما روى غليله من التنقل والسفر عاد إلى فاس.
وقد قاسى ابن بطوطه في رحلاته كثيرا من الصعاب والمشقات، وأصيب ببعض الأمراض، وفي ذلك يقول في الصفحات الأولى من كتابه:" وتجردنا للسير، وواصلنا الجد، وأصابتني الحمى، فكنت أشد نفسي بعمامة فوق السرج خوف السقوط بسبب الضعف".
وكان ابن بطوطة شديد الحساسية، وكان شعوره بالوحدة يدعوه إلى الانقباض والحزن، إذ ترك أهله وعشيرته وهو في شرخ الشباب.
وأملى ابن بطوطة رحلاته على الأديب محمد بن جزي الكلبي، فانتهى من كتابتها عام 1356م ، وأطلق عليها " تحفة النظار، في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" . فأملى ما شاهده في رحلته من الأمصار، وما علق بحافظته من نوادر الأخبار، وما لقيه من ملوك الأقطار وعلمائها الأخيار، وأوليائها الأبرار. وأملى من ذلك ما فيه نزهة الخواطر، وبهجة المسامع والنواظر، من كل غريبة أفاد باجتلائها، وعجيبة أطرف بانتحائها.
ويقول الأديب محمد بن جزي الكلبي في معرض تسجيله لما أملاه ابن بطوطة:" ونقلت معاني كلام الشيخ، بألفاظ موفيه للمقاصد التي قصدها، موضحة للمناحي التي اعتمدها . وربما أوردت لفظه على وضعه ولم أخل بأصله ولا فرعه. وأوردت جميع ما أورده من الحكايات والأخبار، ولم أتعرض لبحث عن حقيقة ذلك ولا اختيار. على أنه سلك في إسناد صحاحها أقوم المسالك، وخرج عن عهدة سائرها بما يشعر الألفاظ بذلك، وقيد المشكل من أسماء المواضع والرجال بالشكل والنقط، ليكون أنفع في التصحيح والضبط.
وشرحت ما أمكنتي شرحه من الأسماء الأعجمية، لأنها تلتبس بعجمتها على الناس، ويخطئ في فك معماها معهود القياس".
وأفاد ابن بطوطة علم الجغرافيا بما ذكر من أوصاف للبيئة الطبيعية والتضاريس، والجغرافية البشرية، والسكان، والعادات والتقاليد ، وما إلى ذلك من أمور تهم الجغرافيين كما تهم علماء الاجتماع ، وغيرهم من الدارسين لأحوال الشعوب.
وقد وصف ابن بطوطة مصر في رحلته وصفا جميلا . وكان مما قال فيها:" هي أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة، والبلاد ا لأريضة ، المتناهية في كثرة العمارة، المتباهية في الحسن والنضارة، مجمع الوارد والصادر، ومحط رحل الضعيف والقادر ...".
وقال في وصف طبائع المصريين:" وأهل مصر ذوو طرب وسرور ولهو. شاهدت بها مرة فرجة بسبب برء الملك الناصر من كسر أصاب يده، فزين كل أهل سوق سوقهم، وعلقوا بحوانيتهم الحلل والحلي، وثياب الحرير، وبقوا على ذلك أياماً".
ثم دخل الشام فوصف مدنه والمسجد المقدس، وقبة الصخرة، وبعض ما شاهده بالقدس الشريف، وفضلاء القدس، ومدينة صور وطرابلس الشام، وحلب.
ووصف حلب قوله:" وقلعة حلب تسمى الشهباء، وبداخلها جبان، ينبع منهما الماء فلا تخاف الظمأ. ويطيف بها سوران، وعليها خندق عظيم ينبع منه الماء، وسورها متداني الأبراج".
وزار ابن بطوطة بعلبك وهي حسنة قديمة من أطيب مدن الشام، " تحدق بها البساتين الشريفة، والجنات المنيفة، وتخترق أرضها الأنهار الجارية، وتضاهي دمشق في خيراتها المتناهية، وبها يصنع الدبس المنسوب إليها".
ووصل ابن بطوطة دمشق في يوم الخميس السابع من شهر رمضان المعظم عام ستة وعشرين وسبعمائة (7 أغسطس 1326م) ، ونزل منها بمدرسة المالكية المعروفة" بالشرابشية".
وانتقل ركب ابن بطوطة إلى الحجاز، فعرج على المدينة، ووصف مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروضته الشريفة، ووصف المنبر الكريم، والخطيب والإمام بمسجد رسول الله، وخدامه، ومؤذنيه، وبعض المشاهد بخارج المدينة الشريفة، ووصف الطريق إلى مكة، فمكة نفسها، والمسجد الحرام، والحجر الأسود، والحجر والمطاف وزمزم، والصفا والمروة، والجبانة المباركة، والجبال المحيطة بمكة، وأهل مكة وفضائلهم، ثم وصف العراق وإيران، فتركيا والقسطنطينية وغيرها من البلاد.
وله في الهند وجزرها، وجاوا وسومطرا وغيرها، أوصاف شتى. ومن طريف ما ذكره في الهند قوله:" ولما عبرنا نهر السند المعروف " ببنج آب"، دخلنا مزرعة قصب، لأن الطريق يسير في وسطها، فخرج الكركدن – وهو حيوان أسود اللون، ضخم، رأسه كبير متفاوت الضخامة، فلذلك يضرب به المثل فيقال: الكركدن رأس بلا بدن. وهو أصغر من الفيل، ورأسه أكبر من رأس الفيل بأضعاف، وله قرن واحد بين عينيه طوله نحو ذراعين. ولما خرج علينا ، اعترضه بعض الفرسان في طريقه، فضرب الفرس الذي كان تحته بقرنه، فنفذ في فخذه وقتله".
ووصف ابن بطوطة بعض عادات أهل الهند، مثل إحراق النساء، فقال:" ولما انصرفت عن هذا الشيخ رأيت الناس يهرعون من عسكرنا ومعهم بعض أصحابنا فسألتهم: ما الخبر ؟.. فأخبروني بأن أحد الهنود مات، وأشعلت النار لحرقه، وامرأته تحرق نفسها معه. ولما احترقا جاء صحابي وأخبروني أنها عانقت الميت حتى احترقت معه. ثم اتفق بعد ذلك أن كنت في مدينة قتل منها سبعة من الهنود وكان لثلاثة منهم زوجات، فاتفقن على إحراق أنفسهن.
وإحراق المرأة بعد زوجها عندهم أمر مرغوب فيه ولكنه غير واجب.
ووصف ابن بطوطة جزر " المليبار" ، وغيرها من جزر المحيط الهندي، وتنقل بين أنحاء سيلان، وذكر أن جميع النساء بالجزيرة لهن قلائد من الياقوت الملون، ويجعلنه في أيديهن وأرجلهن عوضا عن الأسورة والخلاخيل، وجواري السلطان يصنعن منه شبكة يجعلنها على رؤوسهن. ورأى ابن بطوطة على جبهة الفيل الأبيض سبعة أحجار منه، كل حجر أعظم من بيضة الدجاجة.
وذكر ابن بطوطة أن أهل الصين أعظم الأمم إحكاماً للصناعات، وأشدهم إتقاناً فيها. أما التصوير فلا يجاريهم أحد في إحكامه، لا من الروم ولا ممن سواهم. ومن عجيب ما شاهد أنه ما دخل قط مدينة من مدنهم، ثم عاد إليها، إلا ورأى صورته وصور أصحابه مننقوشة على الحيطان والورق، موضوعة في الأسواق.
ووصف ابن بطوطة رحلته إلى بلاد الأندلس بعد ذلك فقال عن خيراتها:" رأيت العنب يباع في أسواقها بحساب ثمانية أرطال بدرهم صغير، ورمانها المارسي الياقوتي لا نظير له في الدنيا. وأما التين واللوز فيجلبان منها إلى المشرق والمغرب".
وأزمع السفر إلى السودان، وقال:" إن الملح كثير هناك، وبالملح يتصارف السودان كما نتصارف بالذهب والفضة، ويقطعونه قطعا ويتبايعون به. وقرية تفازي – على حقارتها – يتعامل فيها بالقناطير المقنطرة من التبر".
على أن رحلة ابن بطوطة ظلت موضع التفات كثير من المستشرقين والباحثين فترة طويلة، وانتقدها الفرنجة وعلقوا عليها ونقلوا بعضها إلى اللغة اللاتينية ونشروه، ونقلها " لي" إلى اللغة الإنجليزية ، وطبعت في لندن عام 1829م ، ونقلها " ويفريمري " و" سنكوتيتي" إلى الفرنسية. وطبعت في باريس في عامي 1853 و1859م في خمسة مجلدات فيها فهرس أبجدي ، وترجم " دي سلان" بعضها إلى الفرنسية عن السودان، وترجم آخر ما يختص بأواسط آسيا، وترجم ثالث ما يختص بآسيا الصغرى.