
كتاب ألف ليلة وليلة
هذا الكتاب الذي يندر أن تجد مثقفاً لم يعن بقراءته، بل قد تجد الكثيرين ممن لا يعدون من المثقفين قرأوه في مجالس سمرهم، ولعلهم ما يزالون يقرأونه، إذ يجدون فيه تلك الحياة الأسطورية التي تساعد بطبيعة جنوحها عن المعقول، مهرباً سهل المنال من الواقع وما فيه من مرارة وقسوة.
وليس من شك، أن انتشار جهاز الراديو، قد خفف من الإقبال عليه، إذ يستطيع الناس اليوم أن يجدوا المهرب الذي لا يستغنون عنه، فيما يزدحم به الأثير من إذاعات العالم، وكل منها تبذل أقصى ما تستطيع من جهد لشد المستمع إلى برامجها وموادها الإذاعية، ومن أشدها رواجاً الموسيقى والأغاني، والتمثيليات، والمسرحيات، إلى جانب المواد الثقافية والاجتماعية التي يجد فيها المستمع، ما يغنيه عن كثير مما كان لا يصل إليه إلا بالتوفر على القراءة والدرس.
ومن الحقائق الغريبة عن كتاب ألف ليلة وليلة، أنه لم يلق عناية أو اهتماماً من العلماء، وفقهاء اللغة والتاريخ في العالم العربي، وقد ظل عملاً لا قيمة له في نظر الكبار من المثقفين إلى بداية القرن العشرين، والسبب على الأرجح هو عدم الرضى عنه، ليس لما يزدحم به من أساطير فحسب، وإنما لأن فيه قصصا ومواقف، تعتبر من الأدب المكشوف، وبلغة مبتذلة، لا شك أن العلماء لم يكونوا يرضون عنها وقد يحرصون على صرف أنظار الناشئة عن الكتاب صيانة للأخلاق وحرصا على الفضيلة ولذلك، فإن الكتاب وجد طلابه والمتهافتين عليه من العامة، ومن في حكمهم من الناس، ويندر أن نجد للكتاب ذكراً أو حتى مجرد إشارة إلى محتواه، باستثناء ما ذكره عنه ابن النديم في كتابه (الفهرست)..
وكانت هذه النظرة إلى الكتاب، سبباً، في تأخر طباعة النسخة الخطية منه، إلى عام ألف وثمانمئة وثلاثة وثلاثين .. والغريب أن أول نسخة مطبوعة له، في ذلك العام، لم تطبع في العالم العربي، وإنما في كلكتا، في الهند، عن نخسة خطية (بالخط الهندي أو الفارسي) قيل إنها منقولة عن نسخة مصرية..
وأول طبعة في العالم العربي، معتمدة على النسخة التي طبعت في كلكتا، في عام ألف وثمانمئة وخمسة وثلاثين .. أي بعد سنتين من ظهورطبعة كلكتا.. وتم طبعها في مبطعة بولاق..
وحين يجد كتاب ألف ليلة وليلة هذا الحظ العاثر في العالم العربي، نجده قد ترجم إلى الفرنسية لأول مرة في عام ألف وسبعمئة وسبعة عشر.. أي قبل ظهور نسخة مطبوعة منه باللغة العربية بما يزيد قليلا عن قرن من الزمان.. وعن الترجمة الفرنسية، ترجم الكتاب إلى الإنجليزية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والرومانية والهولندية، والدانماركية، والألمانية، واليونانية، والسويدية، والروسية والبولندية والهنجارية..
وبالتفات الغرب إلى الكتاب، بدأ إقبال المستشرقين، على ترجمته عن الأصل العربي، وكان أول من عنى بترجمته عن الأصل العربي إلى اللغة الألمانية المستشرق(فون هابر) ويمكن القول، إن المستشرقين في جميع دول أوروبا قد ترجموا الكتاب عن الأصل العربي إلى لغاتهم.
ويتطور الطباعة في النصف الأول من القرن العشرين، أخذ الكتاب يظهر، في طبعات رائعة مزودة بالرسوم بالألوان مما زاد في قيمة الكتاب، بحيث أصبح يجد مكانه في مكتبة كل أسرة، في جميع أنحاء العالم.