تفسير الظواهر العامة

تفسير الظواهر العامة

0 reviews

أعظم خطا يمكن أن يتعرض الباحث للوقوع فيه هو عندما يكون بسبيل تفسير ظاهرة من الظواهر العامة والتعليل لها. ذلك أن الإمساك بأطراف الخيوط الأولى التي تكون سدى هذه الظواهر أمر من الصعوبة بمكان، لأن هذه الأطراف في العادة تكون محوطة بكثير من الغموض، فلا يكاد يرى الباحث أمامه إلا الظاهرة نفسها في كمالها ووضوحها. ونحن في محاولتنا تفسير الأسس الجمالية كما تمثلناها في النقد العربي إنما نعرض أنفسنا للوقوع في هذا الخطأ، لأننا لا نستطيع ولا يستطيع باحث أن يقطع ويقنع بتفسير ما لظاهرة بعينها . وسوف نرى أن التعارض في النظريات التفسيرية حتى القائمة على أساس تجريبي ، يكاد يحمل على الاعتقاد باستحالة تفسير واحد صحيح لظاهرة ما.

غير أن هذا لا يدعو لليأس إذا كنا نؤمن بأن الحقيقة الواحدة أو الظاهرة الواحدة لها أكثر من جانب، ويشترك في تكوينها أكثرمن عامل. ومعنى هذا أن الظاهرة الواحدة يقتضي تفسيرها الوقوف عند كل العوامل التي يمكن أن تكون قد اشتركت في تكوينها.

وهنا أيضا تكون عرضة لخطورتين على أقل تقدير، هي خطورة القول بالعلية بين هذ العوامل المختلفة (المناخ – بنية الجسم – تكوين العقل – نوع التفكير – نوع الإنتاج – الإنتاج الفني – الظاهرة الأدبية مثلا)، والثانية: هي رد الظاهرة إلى العوامل الموازية لها في الواقع، أي التي تحتاج مثلها إلى التفسير (الحياة الدينية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية تفسر الظاهرة الأدبية). فالنقد الذي يوجه إلى الطريقة الأولى هو أن المقدمة الأولى (العامل الأول) قد تتكرر ولكن تختلف النتائج (الظواهر)، وقد تتفق الظواهر ويختلف ذلك العامل الأول ، وهذا وحده يشكك في صحة العلية التي بين العامل الأول والظاهرة . والنقد الذي يوجه إلى الطريقة الثانية هو أن التشابه بين الظواهر المختلفة قد يرتقي إلى افتراض تفاعل هذه العوامل، ولكنه لا يفسرها مطلقا. ومن ثم تكون الحياة الدينية – من وجهة نظر خاصة – مفسرة للحياة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والأدبية . وهكذا، ولكن الحقيقة أن هناك تشابهاً في النزعات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والأدبية. وقد تكون هذه الظواهر متفاعلة، ولكنها لا يفسر بعضها بعضاً إلا من وجهات نظر خاصة، فإذا بنا نجد الظاهرة الواحدة تفسر غيرها وتفسر به.

هل من سبيل إذن للقيام بمهمة التفسير دون مواجهة هذه المواطن الخطرة ؟ لا سبيل إلى ذلك إلا أن تجمع الظواهر المتشابهة وأن تضعها جنبا إلى جنب ، وحين نأمن هاتين الخطورتين تستطيع أن تتجاوز ذلك إلى التفسير والتعليل. ووضع الظواهر المتشابهة جنبا إلى جنب يعطينا الفرصة لتصور "  الروح العام" السائد في جوانب الحياة المختلفة.

والحق أن الركون إلى مفهوم" الروح العام" لا يعدو أن يكون هروباً إلى ميدان غير محدود الأطراف ؛ فهو نزعة صوفية في البحث جاءت صدى للغموض الذي يحوط أطراف الخيوط الأولى التي هي بمثابة سدى الظواهر المختلفة. ولذلك فنحن حينما

نصل إلى هذه الأطراف الضاربة في غيابات المجهول لا نملك إلا أن نقول: إنها تنبع من " الروح العام السائد" ، أو هي صادرة عنه. ويبقى هذا " الروح" غامضاً حتى نستطيع وصفه من مجموع الخصائص المشتركة التي نكشفها في الظواهر المختلفة الصادرة عنه.

فمن الظواهر تعرف الروح العام، وهذا الروح بدوره. يستطيع أن يلقى لنا الأضواء على ما يتكشف لنا فيما بعد من الظواهر.

نحن إذن في حاجة إلى كتاب يحدثنا عن " روح الحياة العربية" – على أن يجمع لنا هذا الكتاب كل الخصائص المشتركة بين ظواهر الحياة العربية المختلفة، ولكن مثل هذا الكتاب لا يمكن أن يتوافر إلا بعد الدراسات الفرعية التي تتناول جوانب النشاط المختلفة.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

201

followings

586

followings

6653

similar articles