الأديب السعودي : محمد بن عبدالله بن بليهد

الأديب السعودي : محمد بن عبدالله بن بليهد

0 reviews

أديب من كبار المؤلفين المحققين، وشاعر من شعراء نجد المخضرمينن ورجل دولة من رجال الملك عبدالعزيز.

وابن بليهد من أبناء إقليم الوشم بنجد، ولد بقرية " غسلة" ولا يعرف تاريخ مولده، ولكنه ربما كان في أواخر القرن الثالث عشر الهجرية، أو في مطلع القرن الرابع عشر ، ونشأ هناك، فتعلم على طريقة  الأقدمين، ثم اتصل بعلماء نجد، فأخذ عنهم، وانكب على كتب الأدب والشعر، فتزود منها بزاد علمي ثقافي، نمى مواهبه، فنظم الشعر، في اللغة العربية الفصحى ، وفي لهجة أهل نجد الدارجة فيما يعرف باسم " الشعر النبطي"، ومع أهمية ما تركه ابن بليهد من شعر، إلا أن قيمة مؤلفاته في الدراسات الأدبية والتحقيق، تفوق بكثير قيمة شعره، الفصيح والنبطي على حد سواء.

عكف الشيخ محمد بن عبدالله بن بليهد رحمه اله على التأليف في تحقيق الأماكن، التي ورد ذكرها في الشعر العربي القديم، فأصدر كتابا ضخما فيه من الجهد، والدقة، والوضوح، ما يذكر بكبار محققي الأماكن في التراث القديم، مثل: ياقوت الحموي، والبكري بل إن بليهد صحح أخطاء كثيرة وقع فيها المحققون القدامى ، وذلك في كتاب ألفه بتوجيه من الملك فيصل بن عبدالعزيز، الذي كان آنذاك أميرا ونائبا لوالده على الحجاز، وعنوان الكتاب " صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار" وأشار في مقدمته، إلى أن الذي أشار عليه بتأليفه هو الملك فيصل، الأمير ونائب الملك آنذاك، رحمهم الله أجمعين، ويبدو أن الأستاذ حمد الجاسر، كان على خلاف علمي في ذلك التحقيق، مع مؤلفه الشيخ محمد بن عبدالله بن بليهد، الذي ألمح إلى ذلك الخلاف، في أكثر من موضع في ذلك الكتاب، الذي بدأه بدراسة القصائد الجاهلية، ثم أتمه بتتبع الأماكن الواقعة على الطريق بين نجد والحجاز في الشعر القديم، والحديث، مستعينا في بعض الأحيان بشواهد من الشعر النبطي.

وكان ابن بليهد أول من عُنى في عهده، بتحقيق موقع سوق عكاظ  الشهيرة في الأدب العربي القديم، كما حقق الشيخ  ابن بليهد كتابا من كتب تراث بلاد العرب، هو كتاب" تحقيق صفة جزيرة العرب" للهمداني، المتوفي سنة 569 هـ.

أما شاعرية ابن بليهد، فقد تفتحت وهو في الثانية عشرة من عمره، ولكنه بدأ بنظم الشعر النبطي باللهجة النجدية الدارجة ، ثم اتجه بعد ذلك إلى نظم الشعر العربي الفصيح.

وقد جمع شعر ابن بليهد، وطبع، وصدر في ديوان، بعنون:" ابتسامات الأيام في انتصارات الإمام" ، ولك شعره ليس في مستوى دراساته وتحقيقاته ، فهو في الأغلب الأعم شعر تقليدي، كان يعنى فيه ابن بليهد بالشكل، والتلاعب بالحروف والألفاظ، في زخرف لغوي، على حساب المعنى، في كثير من الأحيان، على طريقة شعراء تلك الفترة، وما سبقها، في العصرين العثماني والمملوكي. ومن أساليب ذلك التلاعب بالحروف، من أجل الزخرف اللغوي للشكل، أن يمدح الشاعر من يمدح ، ملتزما في بداية كل بيت بحرف من حروف اسم الممدوح، كما فعل محمد بن بليهد في قصيد مدح بها الملك فيصل، حينما عينه والده نائبا له على الحجاز في سنة 1345هـ ، إذ جعل كل بيت من أبيات ت لك القصيدة يبدأ بحرف من حروف اسم الملك فيصل ، إذ قال ابن بليهد:

فتى السعد باد والعيون تراقبه  *** ولاحت على أفق الحجاز كواكبه

يبارين من نال المكارم والعلا *** وقد عرفت في العالمين مناقبه

صبا نجد هبي في الحجاز فإنه *** على أهله أمن وطابت مشاربه

لعرمي لقد نال الحجاز بفيصل *** ومقدمه أنساً تتم مآربه 

ونلاحظ أن كلمات " فتى" و" يبارين" و" صبا" ، و" لعمري" يشكل مجموع حروفها الأولى اسم: " فيصل" . ومع حرص ابن بليهد على هذا الأسلوب الشكلي، قل تركيزه على المعاني، التي جاءت باهته، لم ترق إلى درجة حدث عظيم، هو توحيد نجد والحجاز، وتعيين الملك ع بدالعزيز ابنه فيصل نائبا له في الحجاز.

وديوان ابن بليهد افتتحه الشاعر بمقدمة نثرية جميلة رصين.

أن نثر ابن بليهد أرفع درجة من شعره، من الناحيتين، الفنية، في الصياغة والأسلوب، الموضوعية، في تناول القضايا الفكرية والأدبية، والتراثية.

وكما كان الشيخ محمد بن بليهد من رجال الدولة في عهد الملك  عبدالعزيز، فإنه رحمه الله قد خصص معظم شعره لمدح الملك عبدالعزيز ، وابنيه: سعود، وفيصل . وضم ابن بليهد إلى ديوانه شعره النبطي، ومختارات من عيون هذا الشعر في لهجة نجد الدارجة. ولأن الشيخ محمد بن بليهد كان في حياته كثير السفر والتنقل، تارة للعمل، وأخرى للبحث والتحقيق، وثالثة للعلاج، فإن لأسفاره ورحلاته تلك آثارها التي سجلها في شعره. فقد كتب شعراً في وصف الممرضات، اللائي أشرفن على علاجه في مصر، وتغنى بجمالهن. كما أشاد بالمستوى العلمي، الذي كان قد بلغته مصر، خصوصا وأنه كان قد زارها، طلبا للعلاج على أيدي أطبائها المهرة، وفي مستشفياتها الحديثة في تجهيزاتها الفنية. 

ومن شعر ابن بليهد في الإشادة بالمستوى العلمي الرفيع، الذي بلغته مصر في عهده، قوله:

العلم ألقى بوادي النيل أرحله *** حتى تسنم فيه أرفع السور 

أما نثر الشيخ ابن بليهد ، فنقتطف منه هنا بعض ما كتبه في مقدمة كتابه، الذي سماه:" صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار" ويقول:

" ومن النقص الملموس في الأدب العربي أن تبقى مجهولة تلك الأماكن، التي انطلقت فيها قرائح أولئك الشعراء، وأن تظل مغمورة هذه الأجواء، التي سبحت فيها أخيلتهم، وسلسل لهم فيها قياد القول، وتفجرت بين هضابها ووديانها ينابيع البيان من أفواههم .. هذه الأماكن، التي تكون البيئة الطبيعية التي درج فيها العربي الأول، يناغم كثبانها، ويضرب في صحاريها الفسيحة، ويستظل بسمائها الصافية، ويهتدي بنجومها الزاهرة، راضيا بذلك، قرير العين بهن صابرا على ما يكابد من شظف العيش، وقلة وجوه الاكتساب، مكتفياً بأنه يعيش في منازل آبائه وأجداده، وفيها مجالس أنسهم، ومسارح لهوهم، ومعترك حروبهم، وفيها نواديهم، التي كانوا يتنافرون فيها ويتفاخرون.

وإذا كنا نعتبر الآثار المادية شواهد ناطقة على ما وصلت إليه الأمم من تقدم، في الصناعة، والذوق، ومقاييس الحياة، فيجدر بنا أن ننقب عن البيئات الطبيعية - بقدر الإمكان - بل نشاهدها عيانا- إذا  استطعنا ذلك - لنقف على مدى ما أثر في الفكر العربي في تلك العصور، ولنكشف تلك المساتير المغلقة، فلا تظل مطوية على تعاقب الأجيال، فقد نجد في دراسة تلك البيئات ومشاهدتها واستيحائها ثروة فكرية لا يقدر قدرها، ومثل علماء الفكر، كمثل علماء الطبيعة، والاقتصاد، يجد كل واحد منهم بغيته في البحث، ألم تر إلى الجزيرة العربية نفسها، في العصر الحاضر، وقد اكتشف في أحشائها، من معادن مطمورة، لفتت إليها الأنظار، بعد أن كانت لا تثير من الناحية الاقتصادية أدنى اهتمام " .؟ !

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

193

followings

585

followings

6653

similar articles