
بعد التخرج… طريقٌ محفوفٌ بالتحديات: العمل، الزواج، والحلم المؤجل
بعد التخرج… طريقٌ محفوفٌ بالتحديات: العمل، الزواج، والحلم المؤجل
بعد أن تنتهي سنوات الدراسة الطويلة بكل ما تحمله من أمل وتعب وسهر، يقف الشاب العربي على أعتاب مرحلة جديدة تملؤها التحديات أكثر من الإنجازات. التخرج، الذي كان من المفترض أن يكون بوابة للحياة المهنية والاستقلال، يتحوّل لدى كثير من الشباب إلى صدمة واقع عنوانها "ثم ماذا؟". فيجد الشاب نفسه أمام سلسلة من العقبات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تُكبّل طموحه وتؤجل أحلامه، وعلى رأسها: العمل، والزواج، والاستقرار.
أولاً: البطالة… السقف المنخفض للأحلام
البحث عن عمل هو أول وأقسى التحديات. كثير من الخريجين، حتى أصحاب الدرجات العالية، يصطدمون بحقيقة أن شهاداتهم لا تكفي وحدها للدخول إلى سوق العمل. هناك من يطلب منهم "خبرة ثلاث سنوات" وهم لم يعملوا بعد، وهناك من يفرض رواتب لا تكفي لإعالة شخص واحد، فضلًا عن أُسرة.
التخصصات الأكاديمية في بعض الدول العربية لم تعد تلائم متطلبات السوق، مما يجعل كثيراً من الشهادات الجامعية بلا قيمة حقيقية في التوظيف. والأسوأ، أن الشاب قد يضطر إلى العمل في مجالات لا تمت بصلة لما درسه، فقط من أجل البقاء.
ثانياً: الزواج… مشروع مؤجل إلى أجل غير مسمى
مع البطالة أو ضعف الدخل، يصبح التفكير في الزواج نوعًا من الرفاهية. الغلاء المستمر في المهور، وتكاليف تجهيز البيت، والحياة الزوجية نفسها، تجعل الكثير من الشباب يحجمون عن خطوة الارتباط، رغم حاجتهم النفسية والعاطفية إلى الاستقرار.
حتى من يعمل من الشباب، غالبًا ما يكون الدخل محدودًا، لا يفي بمتطلبات الحد الأدنى من المعيشة، فكيف يُكوِّن أسرة؟ النتيجة: عزوف متزايد عن الزواج، وتأخر في سنّ الزواج، وتوترات اجتماعية ونفسية تتفاقم.
ثالثاً: الضغوط النفسية والواقع الاجتماعي
يقف الشاب بين مطرقة طموحه وسندان واقعه. يرى أصدقاءه يسافرون أو ينجحون في مشاريع خارجية، بينما يشعر هو أنه عالق. المجتمع أحيانًا لا يرحم، ينظر إليه على أنه فاشل أو "لا يسعى كفاية"، رغم أن الظروف في كثير من الأحيان تكون أقوى من إرادته.
هذا التوتر يولّد في بعض الأحيان مشاعر إحباط، قلة تقدير للذات، وربما انسحاب من الحياة الاجتماعية، ما ينعكس سلبًا على الصحة النفسية وعلى حيوية الشباب بشكل عام.
---
الحلول الممكنة… هل من أمل؟
رغم قتامة الصورة، إلا أن هناك حلولًا تحتاج إلى تفعيل من الفرد والمجتمع والدولة معًا:
إعادة تأهيل المهارات: يمكن للشباب الاستفادة من الدورات المجانية أو منخفضة التكلفة في المهارات المطلوبة حاليًا في السوق، مثل البرمجة، التصميم، التسويق الرقمي، وغيرها. الإنترنت اليوم يفتح أبوابًا لم تُتح من قبل.
ريادة الأعمال: بدل انتظار وظيفة لا تأتي، يمكن التفكير في مشروع بسيط أو عمل حر. المشاريع الصغيرة، حتى وإن بدأت بخطوة متواضعة، يمكن أن تكبر وتصبح مصدر دخل مستقر.
الإصلاحات الحكومية: مطلوب من الحكومات أن تتعامل مع ملف الشباب بجدية: دعم المشاريع، تخفيض الرسوم، تسهيل الحصول على القروض، ومحاربة المحسوبية في التوظيف.
دور الأسرة والمجتمع: تخفيف الضغوط، دعم الشاب نفسيًا، والتوقف عن المقارنات المدمرة. كما ينبغي تغيير بعض العادات الاجتماعية، كالمبالغة في المهور وتكاليف الزواج.
---
في الختام…
الشباب ليسوا عاجزين، لكنهم مكبلون بقيود الواقع. وبين الإصرار واليأس خيط رفيع، من واجبنا جميعًا – كمجتمع وأفراد – أن نمدّ لهم يد الدعم قبل أن ينقطع الحلم. فالشباب هم عماد الأمة، وإذا تآكلت أحلامهم، تآكل المستقبل نفسه.