حياة ردّ الفعل: سجن غير مرئي نعيش فيه بإرادتنا
حياة ردّ الفعل: سجن غير مرئي نعيش فيه بإرادتنا
معظم الناس يعيشون حياتهم في دائرة لا تنتهي من ردود الأفعال. شخص يقول لنا كلمة مزعجة، فنغضب. يحدث موقف مفاجئ، فنرتبك. يحدث أمر جيد، فنفرح. حياتنا كلها تصبح سلسلة من الاستجابات الفورية، وكأننا جهاز تحكم عن بُعد في يد الآخرين. هذا النمط من العيش يسمى "حياة رد الفعل"، وهو سجن غير مرئي نقبل أن نعيش فيه دون أن ندرك.
ماذا تعني "حياة رد الفعل"؟
هي حياة لا نختار فيها كيف نعيش، بل نترك الظروف والمواقف والأشخاص هم من يحددون مشاعرنا وتصرفاتنا. بدلًا من أن نقود أنفسنا، نحن ننتظر ما يحدث ثم نرد عليه، بعفوية، دون تفكير أو وعي.
مثلاً:
إذا مدحنا أحد، نشعر بالسعادة.
إذا انتقدنا أحد، نشعر بالغضب.
إذا واجهتنا مشكلة، ننهار.
إذا تأخر شيء نريده، نصاب بالإحباط.
نحن لا نُنتج المشاعر، بل ننتظر من الخارج ما "يستفزّها". وهذا أخطر أنواع العيش.
لماذا هي "سجن غير مرئي"؟
لأنك لا ترى قيودًا على يديك أو جدرانًا حولك، لكنك غير حر. مشاعرك مربوطة بسلوك الناس. قراراتك مربوطة بآراء الآخرين. سعادتك مربوطة بظروف لا تملكها. فأنت تسجن نفسك داخل دائرة "لو حصل كذا... هتصرف كذا"، دون أن تسأل نفسك: هل أريد أن أكون بهذه الطريقة؟
كيف نقع في هذا السجن بإرادتنا؟
منذ الصغر، نُربى على الطاعة والانفعال والتبعية:
"اسمع الكلام!"
"ما تعيطش!"
"رد عليه!"
"ما تسكتش على حقك!"
ننشأ في بيئة تعلمنا التفاعل السريع بدل التأمل والهدوء والتفكير. وعندما نكبر، نستمر بنفس الأسلوب، ونعتبره طبيعي. لكن الحقيقة: هذا الاختيار نابع منا. نحن الذين سمحنا للناس أن يتحكموا في أعصابنا، وتركنا الظروف تمسك بمقود حياتنا.
كيف نخرج من هذا السجن؟
1. الوعي الذاتي
ابدأ بأن تراقب نفسك:
متى تغضب؟
من يتحكم في حالتك المزاجية؟
هل تفكر قبل أن ترد؟
المراقبة الهادئة لنفسك هي أول مفتاح للخروج.
2. استبدل رد الفعل بالفعل الواعي
بدل أن ترد بشكل تلقائي، توقف لحظة واسأل نفسك:
"ما هو أفضل تصرف الآن؟"
"هل هذا الموقف يستحق الغضب؟"
ستفاجأ أن أغلب ردود أفعالك غير ضرورية.
3. ابنِ مساحة بين الفعل ورد الفعل
هذه المساحة هي الحرية. قد تكون ثانية واحدة تفكر فيها قبل أن تنفجر. أو لحظة صمت قبل أن ترد. هذه اللحظات الصغيرة تفتح لك باب السيطرة على حياتك.
4. اعرف ما تريده أنت
إذا لم تعرف ماذا تريد، سيقودك الآخرون. ضع أهدافًا، قيمًا، مبادئ. حينها لن تصبح الأحداث الصغيرة قادرة على زعزعة حياتك.
