ماذا تعرف عن الحتمية التاريخية ؟

ماذا تعرف عن الحتمية التاريخية ؟

0 المراجعات

مذهب فلسفي سياسي قائم على القول بأن للحوادث التاريخية نظاما معقولا تترتب فيه العناصر بشكل يكون فيه كل منها متعلقا بغيره.

ويذهب بعض الفلاسفة إلى القول أن جميع حوادث العالم، وبخاصة أفعال الإنسان، مرتبطة ببعضها ارتباطا محكما وأن للعالم نظاما كليا لا يشذ عنه في الزمان والمكان شيء، وأن كل شيء فيه ضروري ، وأنه من المحال أن يكون اطراد الأشياء ناشئاً عن المصادفة والاتفاق، بل الطبيعة في نظرهم مبرأة من كل إمكان خاص وجواز عام، ليس فيها ابتداء مطلق، ولا علة أولى ولا طفرة، ولا معجزة بل حتمية مطلقة …

وهذا المفهوم “ القدري” للحتمية التاريخية شائعا في الفكر الشرقي القديم وفي الفكر اليوناني، ويستند إلى مقولة مركزية مؤداها أن قوة خارجة عن العملية التاريخية نفسها تجسد وتحدد الأحداث في مسار لا قدرة للإنسان على تجنبها أو مقاومتها.

فالأحداث التاريخية هي، بمعنى من المعاني، ما يصنعه الإنسان نفسه، إذ من الصعب تصور قيام ثورة من تلقاء نفسها وبدون أن يبادر ثوار إلى إعلانها . ويرد" القدريون" أو “ الحتميون” على هذا النقد بالقول أن الحتمية تعني في نظرهم أن بعض الأحداث ستقع حتما لا أن كل شيء سيحدث بالضرورة.

إن العديد من فلاسفة التاريخ هم “ قدريون” بسبب الذي يخصصونه للإرادة الإلهية في أنظمتهم الفلسفية. ويحاول هؤلاء الفلاسفة أن يعقلوا تدخل الإرادة الإلهية في أحداث التاريخ، وإضفاء طابع أخلاقي عليها.

وقد برز في هذه المدرسة اللاهوتية اتجاهان:

الأول ومثله الأسقف الفرنسي بوسويه في كتابه عن التاريخ العالمي والذي قال فيه أن الله هو الذي يتحكم بمجرى التاريخ مباشرة وعبر “ مراسيم ربانية”، والثاني ومثله رينولد نيبور في كتابه “ الإيمان والتاريخ” والذي قال فيه بدور العناية الإلهية في تحديد “ بنية الوجود” بشكل يعجز" العقل البشري المحدود" عن فهمه.

وقد تعددت الرؤى الفلسفية لحتمية وجهة مسيرة التاريخ وكيفية تحقق هذه الحتمية. فالفلاسفة الإغريق نظروا إليها على أنها مسيرة دائرية ومتكررة بينما وجد فلاسفة عصر التنوير الأوروبي أنها حركة تصاعدية باتجاه تحقيق فكرة التقدم الحتمية. أما الفيلسوف العربي عبدالرحمن ابن خلدون فرأى أن حركة التاريخ تسير عبر خط دائري متكرر عماده العصبية وتمر كل دورة فيه في أربع مراحل أساسية تشهد ولادة الدول وانهيارها.

إن حركة التاريخ جدلية من خلال تفاعل الحدث مع نقيضه وتشكيلهما لواقع ثالث يجمع بينهما ويتخطاهما، ثم يولد هذا الواقع نقيضه فيحدث صدام وتفاعل ينتج عنه واقع مركب آخر إلى أن تتحقق نهاية التاريخ ..

إن المعنى الأول للحتمية التاريخية يعني أن الإنسان لو تمكن من معرفة جميع قوانين التاريخ ومن معرفة جميع الظروف الموضوعية المؤدية لوقوع حادث تاريخي معين، فإن بإمكانه أن يعرف مسبقا كيف سيقع هذا الحدث ومتى وأين .. كما يعرف في العلوم الطبيعية حتمية حصول تغيير كيميائي معين إذا عرف القوانين المتحكمة في هذا التغيير. 

أما المعنى الثاني للحتمية التاريخية فهو معنى يحمل على الترجيح والاحتمال، يمكن تعريف الحتمية التاريخية من خلاله بأنها “ حتمية الاحتمال والنسبية”.

المرجع:

ص 159-160 

موسوعة السياسة 

الجزء الثاني ، الناشر:/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر، المؤلف الرئيسي رئيس التحرير الدكتور عبدالوهاب الكيالي. طبعة 1991م. 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

161

متابعين

583

متابعهم

6651

مقالات مشابة