مايسميه الضعيف مؤامرة يسميه القوي تخطيطاً للمستقبل..الإنسان بين الأخلاق والمصلحة: حقيقة العلاقات البشرية

مايسميه الضعيف مؤامرة يسميه القوي تخطيطاً للمستقبل..الإنسان بين الأخلاق والمصلحة: حقيقة العلاقات البشرية

0 المراجعات

هل الإنسان كائن أخلاقي أم مصلحي؟

لطالما كانت طبيعة الإنسان موضع جدل بين الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع. البعض يرى أن الإنسان كائن أخلاقي بطبعه، يتوق إلى الخير ويسعى إلى ما هو سامٍ من المبادئ. والبعض الآخر، وهو الفريق الأكثر واقعية – أو ربما تشاؤمًا – يرى أن الإنسان لا يتحرك إلا إذا كان وراء الفعل مصلحة ما، ولو كانت معنوية. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل نتصرف بدافع الأخلاق حقًا، أم أن ما نفعله مغلفٌ فقط بقشرة أخلاقية بينما الدافع الحقيقي تحته هو المنفعة؟

عند العودة إلى التاريخ، نجد أن الأحداث الكبرى غالبًا ما دُفعت بها المصالح لا المبادئ. قيام الدول وسقوطها، الحروب، التحالفات، وحتى المعاهدات السلمية، كانت تُساق تحت مسميات الشرف والدفاع والكرامة، لكنها في جوهرها لم تكن سوى محاولات للحصول على موارد، أراضٍ، أو نفوذ سياسي. حتى القيم الإنسانية مثل الحرية والعدالة، كثيرًا ما استُخدمت كذريعة لتحقيق مكاسب غير أخلاقية على الإطلاق.

لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الأخلاق وهم أو خدعة. قد تكون الأخلاق نتاجًا تطوريًا، ظهرت ليس لأنها سامية بذاتها، بل لأنها أثبتت فائدتها في تنظيم المجتمعات. من دون قواعد مشتركة، ستغرق الجماعات البشرية في الفوضى، والصراع سيكون سيد الموقف. لهذا، طوّرت المجتمعات مع الوقت مجموعة من القيم التي تُعزز التعايش، مثل الصدق، الإحسان، والعدل. غير أن هذه القيم ليست مطلقة، فهي تتغير بتغير السياقات والظروف.

إذا تأملنا في القانون الدولي، سنجد صورة واضحة لذلك. الأمم المتحدة، مثلًا، ترفع شعارات السلام والعدالة والمساواة، لكنها عاجزة أمام صراعات كثيرة تتعلق بمصالح الدول الكبرى. الحروب تُدان نظريًا، لكن كثيرًا منها يُغض الطرف عنه إذا كان الطرف المعتدي يمتلك النفوذ. أما الشركات العالمية، فغالبًا ما تستغل حاجة الدول الفقيرة مقابل خدمات بسيطة، ثم تتحدث عن "المسؤولية الاجتماعية" وكأنها تقدم معروفًا للبشرية.

هذه المفارقة بين الخطاب الأخلاقي والسلوك الواقعي تفتح الباب للتساؤل: هل نحن فعلاً نؤمن بالقيم أم أننا نُجمّل مصالحنا بلغة أخلاقية فقط؟ أحد الأمثلة التي توضح ذلك هو ما يحدث عندما نقدم مساعدة للغير. صحيح أننا نشعر بالرضا الداخلي، وربما يكون دافعنا نبيلاً، لكن لا يمكن تجاهل أن ذلك الفعل يمنحنا شعورًا بالقوة أو صورة طيبة أمام المجتمع.

وقد يعتقد البعض أن كل ما يجري من حولنا هو نتيجة مؤامرات تحاك في الخفاء. لكن في كثير من الأحيان، لا نحتاج إلى "عقل شيطاني خارق" بقدر ما نحتاج إلى فهم بسيط لآليات المصالح. التخطيط الاستراتيجي، وقراءة موازين القوى، كفيلان بتفسير معظم الأحداث. المؤامرة، حين نكررها كعذر، قد تكون مجرد غطاء لعجزنا عن الفعل.

في المقابل، المجتمعات التي تقدمت لم تفعل ذلك من خلال الاعتماد على العواطف أو الانتظار أن تتغير الظروف. ألمانيا واليابان، مثلًا، خرجتا من الحرب العالمية الثانية محطمتين، لكنهما اختارتا طريق العلم والانضباط والعمل الجاد. لم تشكُ من "المؤامرات"، بل قرأت الواقع، وعملت وفق معادلاته.

إن التحدي الحقيقي ليس في الإيمان المطلق بالأخلاق، ولا في الانغماس التام في المصلحة، بل في القدرة على تحقيق توازن بينهما. أن نسعى لتحقيق مصالحنا دون أن نطعن الآخرين في ظهورهم. أن نبني لأنفسنا مكانة في هذا العالم دون أن ندّعي الطهرانية. الأخلاق لا يجب أن تُلغى، بل تُعاد قراءتها بما يخدم الاستقرار والعدالة بشكل عملي، لا مثالي.

في النهاية، العالم ليس عادلًا دائمًا، لكنه أيضًا لا يُكافئ الضحية الدائمة. بل يُكافئ من يفهم قواعد اللعبة، ويطوّر نفسه ليصبح لاعبًا لا متفرجًا. فهل تختار أن تكون جزءًا من المعادلة؟ أم تكتفي بلعن الظلام وانتظار النور من الآخرين؟

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

9

متابعين

0

متابعهم

0

مقالات مشابة