مسارات الصراع الأسرايلي ومستقبل نتنياهو
في الفترة الأخيرة، شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية تصاعداً ملحوظاً في حدة الصراعات الداخلية، خاصة بعد تهديد الوزير بيني غانتس بحل الكنيست، مما يثير تساؤلات عديدة حول مستقبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والحكومة الحالية.
جذور الأزمة
يمكن تتبع جذور الأزمة الحالية إلى الاتفاق الائتلافي الذي جرى بين بنيامين نتنياهو وبيني غانتس في أبريل 2020، بعد ثلاث جولات انتخابية غير حاسمة. الاتفاق نص على تشكيل حكومة وحدة وطنية يتناوب فيها كل من نتنياهو وغانتس على رئاسة الوزراء، بحيث يبدأ نتنياهو الفترة الأولى لمدة 18 شهراً، ثم يتولى غانتس الفترة الثانية. إلا أن هذا الاتفاق شابه العديد من الخلافات والصراعات، خصوصاً فيما يتعلق بالقضايا القضائية التي تواجه نتنياهو، حيث يواجه اتهامات بالفساد.
التهديد بحل الكنيست
في ظل هذه الخلفية المتوترة، جاء تهديد غانتس بحل الكنيست كضربة قوية تهدد الاستقرار الحكومي. غانتس، الذي يرأس حزب "كاحول لافان"، أكد أن استمرار الحكومة مرهون بمدى الالتزام بالاتفاقيات والتفاهمات السابقة، وبالذات تلك المتعلقة بميزانية الدولة وتوزيع الصلاحيات. واعتبر أن عدم الالتزام بهذه البنود يشكل خرقاً للاتفاق ويدفع باتجاه انتخابات جديدة.
تداعيات محتملة
تهديد غانتس بحل الكنيست يضع مستقبل نتنياهو في موقف حرج للغاية. فالانتخابات الجديدة قد تكون مخاطرة كبيرة لنتنياهو، خاصة في ظل التهم الموجهة إليه، والتي قد تؤثر على شعبيته وثقة الناخبين فيه. كما أن تفكك الحكومة الحالية قد يفتح الباب أمام تشكيل ائتلافات جديدة قد تكون أكثر عداءً لنتنياهو.
من ناحية أخرى، يحاول نتنياهو استخدام هذه الأزمة لتعزيز موقفه السياسي وإعادة ترتيب صفوفه الداخلية. فقد بدأ بالفعل في استمالة بعض الأطراف السياسية واستغلال الخلافات الداخلية في حزب "كاحول لافان" لتعزيز موقفه. كما يعمل على إثارة القضايا الأمنية والإقليمية كوسيلة لتوحيد الصفوف خلفه، مستخدماً التهديدات الخارجية كذريعة للبقاء في الحكم.
السيناريوهات المستقبلية
أما بالنسبة للسيناريوهات المستقبلية، فهي متعددة ومعقدة. فمن المحتمل أن يتم حل الكنيست والدعوة لانتخابات جديدة، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة خلط الأوراق السياسية بشكل جذري. في هذا السياق، يمكن لغانتس وحزبه أن يتحالفوا مع قوى سياسية أخرى لتشكيل جبهة موحدة ضد نتنياهو، مما قد يقلل من فرصه في الفوز بفترة رئاسة جديدة.
كما يمكن أن يستغل نتنياهو الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، سواء من خلال التوصل إلى اتفاقيات جديدة مع غانتس أو من خلال ضم شخصيات سياسية جديدة إلى ائتلافه الحالي. إلا أن هذا السيناريو يعتمد بشكل كبير على مدى قدرة نتنياهو على تجاوز التهم القضائية التي يواجهها، وعلى مدى نجاحه في إقناع الناخبين بأنه الخيار الأفضل لمستقبل إسرائيل.
الأبعاد الإقليمية والدولية
لا يمكن إغفال الأبعاد الإقليمية والدولية للأزمة السياسية في إسرائيل. فاستقرار الحكومة الإسرائيلية له تأثير مباشر على العديد من الملفات الحساسة في المنطقة، بدءاً من العلاقات مع الفلسطينيين ووصولاً إلى التهديدات الأمنية من إيران وحلفائها. وبالتالي، فإن أي تغيير في القيادة الإسرائيلية سيؤثر بشكل مباشر على السياسات الخارجية والأمنية للدولة.
الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، تراقب عن كثب تطورات الساحة السياسية الإسرائيلية. الإدارة الأمريكية، سواء الحالية أو القادمة، ستكون مضطرة للتعامل مع القيادة الجديدة في إسرائيل، مما يضيف بعداً آخر للتوترات الداخلية في إسرائيل.
الخاتمة
في الختام، يظل مستقبل نتنياهو والحكومة الإسرائيلية معلقاً بخيوط رفيعة، تتأرجح بين المصالح الشخصية والسياسية، وبين التحديات الداخلية والخارجية. الأزمة الحالية قد تكون نقطة تحول في المسار السياسي لإسرائيل، وقد تعيد رسم الخارطة السياسية بشكل جذري. الأيام والأسابيع القادمة ستكون حاسمة في تحديد اتجاه الرياح السياسية في إسرائيل، وهل ستكون في صالح نتنياهو أم ضده