النيرفانا: حين تتحرر من أصوات المعاناة بداخلك - ج١
الحياة تجبر معظمنا على دخول صراعات لا تنتهي ابداً، صراعات من أجل النجاح و البقاء و الاختيارات الأنسب و النجاة من الندم و الحصول على السعادة و تجنب الشعور بالذنب و تحاشي الآثار المدمرة للشهوات.
بعض البشر يجيدون وضع أنفسهم في مرحلة من السلام التام، فتهدأ عواصف المعاناة و تحل عليهم نسمات النعيم النفسي.
إن مررت بهذه الحالة، فمرحبًا بك في "النيرفانا".
يتمتع مفهوم مرحلة النيرفانا بمكانة خاصة في الفكر البوذي، ليس فقط لأنه يمثل الهدف الأسمى للطريق الذي يسلكه معتنق البوذية، بل لأنه يمثل أيضًا نقطة التقاء تيارين أساسيين لتلك الديانة. لكن حتى غير معتنقيها قد يجدون في مفهوم النيرفانا معنًى منشودًا وهدفًا نفسيًّا يسعى إليه كثيرون من مختلف المعتقدات، حسبما ذكرت مجلة «Aeon» في مقال لها.
النيرفانا عند مفرق الطرق
يقف مفهوم نيرفانا عند نقطة تشعب طريقين أساسيين في البوذية:
طريق طبيعي واقعي: يستعرض الأفكار التي من السهل على الباحث في علم النفس أو الفلسفة تقبلها، وتتحدث عن طبيعة العقل البشري، وأسباب معاناة الإنسان، والطرق التي يمكن أن يحيا بها الإنسان سعيدًا وفقًا لمثل هذه الحقائق. ويرى أتباع ذلك الطريق أن التأمل في البوذية طريقة علاجية أكثر منه ممارسة روحانية.
طريق طاقي روحي:
يركز على مفاهيم ما وراء الطبيعة، أو على الأقل المفاهيم التي لا تقبلها العقول المعتمدة على التفكير العلمي المنطقي فقط. من بين تلك المفاهيم ما يُعرَف بالتجسد، أو ما يُطلِق عيله البوذيون «إعادة الميلاد» (انتقال الروح بعد وفاة الشخص إلى جسد جديد).والوصول الى الذات الحقيقة بعد الانتهاء من الانا الوهمية
وفقًا للمعتقد البوذي، فإن إدراك المفاهيم الغريبة للبوذية يعني التحرر من سيطرة دائرة لا متناهية من إعادة الميلاد، لكن حتى هذه الفكرة الميتافيزيقية تقود إلى أفكار أكثر واقعية متعلقة بمعاناة الإنسان ورضاه، ويمكن من خلال هذا المزج بين طريقي البوذية النظر إلى ممارسة التأمل بنظرة مختلفة.
عندما تتحرر من معاناتك تدخل حالة النيرفانا، التي تسمح لك بالاستمتاع ببقية حياتك.
ترجمت مخطوطات قديمة مصلطح النيرفانا إلى «غير المشروط». ولفهم أعمق لما تعنيه تلك الترجمة، ينبغي أولًا معرفة ماذا تعني صفة «المشروط» في الديانة البوذية.
أحد تعريفات المشروط في البوذية أنه «المسبِّب»، فعندما نتحدث عن شروط غليان الماء أو هطول المطر، فإننا في الأساس نتحدث عن مسببات هذه الأحداث.
وبما أننا عرفنا النيرفانا بأنها «غير المشروط»، يمكننا القول إنها تعني الهروب من المسببات. ولمزيد من توضيح المعنى ينبغي التطرق إلى أحد أبرز المذاهب في البوذية: «النشأة المعتمَدة»، والذي يشير في أبسط معانيه إلى فكرة السببية، ففي ظل ظروف معينة تنشأ أشياء، وفي ظل ظروف مغايرة تنشأ أشياء جديدة.
يشير مفهوم النشأة المعتمدة أيضًا إلى سلسلة من الأسباب يبلغ عددها 12 سببًا يترتب بعضها على الآخر، وتؤدي إلى حبس الإنسان في دائرة لامتناهية من إعادة الميلاد، تلك الدائرة يقال إن حالة النيرفانا تكسرها.
لا يهمنا هنا ذكر الأسباب كلها، سنذكر فقط ما يعنينا.
السبب الأول هو الوعي، الذي يتشكل عندما تتشكل حواس الإنسان، من سمع وبصر وتذوق وغيرها، والتي يدرك بها العالم المادي، فمن خلال القدرات الحسية يحدث التواصل.
بعده يأتي سبب آخر متعلق به، هو المشاعر، التي تتولد كنتيجة طبيعية لهذا التواصل. وبعد المشاعر يأتي الشوق والحنين، حين نحِنُّ إلى المشاعر الجميلة، ونشتاق للهروب من المشاعر السلبية.
نيرفانا: التحرر من المعاناة:
الراهب البوذي الأمريكي «بهيخو بودي» ترجم أجزاء من نصوص بوذية قديمة تتحدث عن تلك المعاني، جاء فيها أن بين المشاعر والشوق تشتعل حرب حول من منهما سيستمر في المستقبل، ومن سيُستَبدل به التنوير الروحي والتحرر.
منقول