مقال فى الثقافة التربوية

مقال فى الثقافة التربوية

0 المراجعات


  
لا يكون المربي ناجحاً إلا إذا كان له رصيدٌ من الود والحب في قلوب المتربين من خلال فكره التربوي وطرحه الدعوي، وتتعدد صور كسب قلوب المتربين، فمنها: الابتسامة، والكلمة الطيبة، والهدية، وأهمها: حمل همه، وإعانته على حل مشكلاته، ومشاركته همومه وأحزانه، ويتطلب العمل التربوي والخطاب الدعوي المعاصر إلى حسن الصلة بين المربي والمتربي، وبين الداعي والمتلقي؛ لأن الغالب على المتربين والمتلقين أنّهم يحبون مَن يهتم بأمورهم، ويسأل عن أحوالهم، ويوجه لهم حسن المعاملة، ويخاطبهم بأرق العبارات، على أن كثيراً من الناس يرعون غيرهم سلوكياً وعلمياً ولكن قليلًا منهم من يقوم بتربيتهم ويعمل على تهذيب سلوكهم على وجه الحقيقة، ذلك أن هناك فروقاً كثيرة بين الرعاية والتربية، فالرعاية تكون في توفير مطالبهم الحياتية، والتربية هي تغيير السلوك والتطوير من شخصياتهم نحو الأفضل.

ولقد حفلت كتب التراجم بكثير من الجهود التي قام بها علماء تربويون في بيان الوسطية، وقد أظهرت هذه الجهود قدرتهم الفائقة على نشرهم الفكر المعتدل بالوسائل المختلفة، وابتعادهم عن الأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا، وقد تفوق هؤلاء العلماء في مجالات التربية وتهذيب الأخلاق وتعديل السلوك عن قرب من المتربين؛ إيماناً منهم بأن التربية تستحيل أن تكون عن بُعد، فالتربية هي المعايشة، والقرب، ومخالطة المتربين.

وتعدّ فئة الناشئة من أكثر فئات المجتمع حاجة إلى التربية، لحاجتهم الماسة إلى مراقبة وتعديل سلوكهم، وهو أمرٌ يحتاج متابعة وملاحظة وطول عهد من المربي، وعنايته بالمتربي، ويظهر هنا سر نبوغ السابقين في مجال السلوك والتربية، حيث كان المربي ينزل ساحة التربية بنفسه، ويخالط المتربين، وفي الحقيقة يسعد الكثير منا بالمربي الذي ينزل ساحة التربية بنفسه، فلا يخلو يومه من توجيه وإرشاد وبث أمل، وإيجاد روح الحبّ بين المتربين، ويزعجنا أشدّ الإزعاج مَن هو في حقل التربية، ويشغل وقته في أمور تنظيرية بعيدة عن روح السلوك والهدف المرجو من التربية.

ولا ريب أن كثيراً من الشباب في الآونة الأخيرة قد نفر من أصحاب الخطاب الدعوي البعيد عن روح الوسطية؛ لأنهم عادة يبتعدون عن المتعالي عليهم، ولا يتفاعلون مع مَن يعيش دائماً معهم مقام الأستاذية، أو ينصب نفسه في مقام الرقيب على حالهم، ويزداد النفور ممن يقوم مقام الواصي عليهم، ولهذا كان ن دور الربي إذا وجد خطأ عند المتربي ألا يهجم عليه فجأة، بل لا بدّ من التمهيد وإزالة العوائق قبلها، ومن أهها العوائق المعنوية التي تحول بينه وبين أن يكون شخصاً ناجحاً، ودائماً ما يردد التربويون تلك الكلمة: "الميدان الأول للمربي هو القلب قبل الواقع".


وليس أضرّ على المتربي مِن أن تحاط حياته بسياج محصور يشعر فيها بالسجن، فلا يحب الإنسان أن يرى غيره رقيباً عليه في سائر أحواله، بل لا بد للمربي أن يعطي المتربي وقتاً مناسباً للتعبير عما يدور في نفسه، فلا مجال لتربية لا تعطي لشخصٍ فرصة في إبداء ما يكون في دوافن قلبه وكامن مشاعره، ولتكن همة المربين دوماً تقويم السلوك لا حبس الأنفاس أو عدها على المتربين، وهناك فريق آخر أكثر ضرراً على المتربين، فهم لا ينتقدون أحداً ولا يتكلمون عن أخطائهم، لكنهم يسلكون مسلكاً خبيثاً في التعامل معهم ألا وهو الابتعاد عنهم ترفعاً عليهم، وما أوضح الحقارة في أخلاق هؤلاء!

ومن شدة حرصه -صلى الله عليه وسلم- ومحبته لأصحابه أنه لم يكن يكثر عليهم من إرشاده ونصحه ووعظه؛ حرصاً منه على انتفاع أصحابه بذلك، فكان يرشدهم في بعض الأيام، ليس في كلها؛ خوفاً عليهم من الملل والضجر، ومن كمال رحمته بهم أنه كان يتحرى الأيام المناسبة، ليس هذا فحسب، بل كان يتحرى الأوقات المناسبة في الأيام المناسبة التي عادة ما تكون مظنة استعدادهم النفسي للإقبال على الأخذ بنصائحه، وأما تربية المتربي في كلّ الأوقات والحديث عن أخطائه دوماً فسيؤدي إلى نفوره وكراهيته للمربي والانقطاع عنه، فلا يحصل الخير من ذلك.

هذا الخطاب الدعوي الغريب يوصف بالمتشدد، ويعدّ من أكثر وسائل تنفير القلوب لدى الشاب، زيادة عن ابتعاده عن واقعهم المعاصر، مما سبب في وجود فجوة هائلة، وهي حاصلة بين الشباب وأرباب هذا الخطاب، وليس هناك أفضل عند الشباب من خطاب مكامن الخير في نفس المخطئ المائل عن الصواب والمبتعد عن الحق، وتجديد محاسن الطبائع لدى نفس المذنب، ومخاطبة أوجه الشهامة والرجولة لديه، وهو خيرٌ من إظهار التهديد له دوماً، أو الترفع عليه، ومن الخطأ أن نلبس المتربي ثوباً جاهزاً دون أن نتأكد من ملاءمته له، ففهم شخصيات المتربين أولى من القيام بتوجيههم دون معرفة ظروفهم، وهذا ما يقع فيه كثيرون؛ إذ يخاطبون أناساً لا يعرفون عن حيواتهم شيئاً، والأدهى هو إصدار أحكام دون وقوف حقيقي على تكييف أفعالهم وأسبابها.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

articles

19

followers

22

followings

24

مقالات مشابة