"الجمعية"... "حيلة" المصريين للمشاركة الاجتماعية أم حيلة العاجز؟

"الجمعية"... "حيلة" المصريين للمشاركة الاجتماعية أم حيلة العاجز؟

0 المراجعات

يواجه الكثيرُ من المصريين أزمات مالية نتيجة للظروف المعيشية الصعبة، وبسبب الصعوبات المالية في الادخار، يمكن حل هذه المشكلة باستخدام ما يسمى بـ "الجمعيات" أو الادخار التشاركي، وذلك عن طريق جمع مبلغ شهري من عدة أشخاص، على أن يحصل أحد هؤلاء الأشخاص على مجموع ما جمعه الآخرون في ذلك الشهر، وفقًا لنظام متفق عليه وترتيب محدد. والميزة الرئيسة لتلك الجمعيات هي أنها لا تفرض فوائد أو أرباح، وتستمر تلك الجمعيات لفترات طويلة حسب الإمكانيات. وحيث تتراكم الاحتياجات المالية على الأسر المصرية، فإنهم يجمعون أنفسهم في هذه الجمعيات التي يعتبرها ملاذًا آمنًا للحصول على المستلزمات التي لا يمكن تحملها في الموازنة الشهرية للأسرة، وذلك بينما يسعى بعضهم لتجهيز بيت الزوجية أو دفع أقساط دراسية لأبنائهم، وأحيانًا لتوفير نفقات السفر إلى المصيف. 

تُعَدّ فكرة الادخار التشاركي شائعة في عدد من دول العالم، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها تبدو أكثر شيوعًا في مصر، حيث يُشَكِّلُ المشاركون في الجمعيات 43% من الأفراد الذين يمتلكون مدخرات، وفقًا لدراسة قامت بها الجامعة الأمريكية في القاهرة عام 2018. ويتمثل مبدأ هذه الجمعيات في جمع مبلغ شهري من عدة أشخاص، ليحصل أحد المشاركين على مجموع المبلغ المجمّع في ذلك الشهر، وفقًا لنظام محدّد وترتيب متفق عليه سلفًا. ويعتبر الادخار التشاركي حلاً بسيطًا وفعّالًا لمواجهة أزمات المال التي يواجهها الكثيرون في ظل الظروف المعيشية الصعبة. 

نظام الجمعية: 

عادةً ما يكون المُنَظِّمُ أو المُبَادِرُ لإنشاء "الجمعية" هو الشخص الذي يحصل على الأموال في الشهر الأول، ويتفق الأشخاص الذين يرغبون في المشاركة بسهمين (شخصين) على نظام ترتيب يحدد من سيحصل على المبلغ في الأشهر الأولى والأخيرة من المدة المحددة. وبالإضافة لذلك؛ يوجد بعض المشاركين الذين ليسوا بحاجة عاجلة للحصول على المبلغ، وهم يشاركون في الجمعية للادخار طويل المدى أو لتلبية حاجة غير مستعجلة، مثلًا مَن يرغب في دفع الأقساط الدراسية لابنه الذي لا يزال في المرحلة الثانوية مستقبلًا. وعادةً تُخَصَّصُ المراكز الأخيرة في ترتيب الحصول على المبلغ لهؤلاء المشاركين، وذلك حسب الاتفاق المتبادل بينهم وبين بقية المشاركين.

ولكن ... 

بادئ ذي بدء إن جُلَّ اهتمامي هنا بذِكر ما لهذا النظام وما عليه، وهل هو نظام مفيد للمصري في العصر الحديث أم أنه "موضة" قديمة كانت تصلح لزمنٍ ما؟ 
ويمكنني تلخيص ما عليه فيما يلي:

على الجانب الشخصي للإنسان:

1- اهتزاز ثقة الإنسان بنفسه طوال الوقت؛ أي إن الإنسان دائمًا يشعر ويكأنه مسرف ومبذر، فيكون عبدًا خاضعًا لآخرين يأخذوا جزءًا من أمواله شهريًّا حسب الاتفاق، ثم ينتظر دوره ليأخذ الأموال كلها، وهكذا تدور الدائرة.

2- يقع الإنسان في فخ الدَّين؛ أي يكون مديونًا إجباريًّا كل شهر عليه أن يدفع المبلغ المتفق عليه. وهذا أمر في غاية الخطورة أن يحدد الإنسان الدَّين الذي أوجبه على نفسه كل أول شهر، رغم أنه في الأصل ليس مدينًا لأحد بأي شيء، لكنه أدان نفسه بنفسه من أجل لا شيء على الحقيقة.

3- تمنع الإنسان من الإحساس بلذة التنعم بأمواله الحلال بقية أيام الشهر، وتحرمه من الإنفاق الطبيعي في حياته خصوصًا لو كان عائلًا لأسرة، لأنه يمنع نفسه بنفسه عن ذلك لأجل لا شيء حقيقةً.

4- تُجبر الإنسان على السَّلَف من الآخرين لقضاء بعض احتياجاته الضرورية الحياتية، أو بمعنى آخر: الاستدانة من الآخرين رغم قدرته على التعفف وعدم سؤال الناس.

5- إن المفهوم الشائع بين العوام أن: (الداخِل في "الجمعية" يستطيع أن يقبض مبلغًا كبيرًا لشراء ما يلزمه أو قضاء مصلحة ضرورية ما)، مفهوم خطير للغاية؛ لأنه ببساطة شديدة (وبالأخص في العصر الحاضر بخلاف عصر الآباء والأجداد الغابر) لن يستطيع الإنسان أن يشتري أو يقضي مصلحته بهذا المبلغ الكبير "المُتوهَّم في عقل أنصاره"؛ وذلك لأن قيمة البنكنوت تقل ولا تزيد، وتنحدر لا تصعد. فعل سبيل المثال:

إذا أردتَ أن تبتاعَ شقةً وليكن سعرها 250 ألف جنيهًا مصريًّا، وليكن كان قرارك في شهر مارس 2022. وبعد أن استلمتَ المبلغَ في دورك المتفق عليه في "الجمعية"، ازداد سعر الشقة إلى 300 ألف جنيهًا؛ أي أنه ينبغي لك أن تضيفَ إلى المالِ الذي استلمتَه 50 ألف جنيهًا. وهذا يعني أن الخسارةَ قائمةٌ، لأنَّ قيمةَ المالِ تَقِلُّ ولا تزيد. وهذا هو عين الخطورة.

لذلك؛ إن الاستثمار الحقيقي يكون في شيء له قيمة حقيقية، مثل: الذهب، والعقارات، والأراضي (على المدى البعيد)، وفي الدولار أو العملات الأجنبية (على المدى القصير). لكن الأقوى والأحسن هو ما كان على المدى البعيد. أما جانب العملات الأجنبية ففي حقيقتها ليست قيمة في ذاتها، بل إن هذه العملات تخضع لسياسة عالمية واقتصاد عالمي محدد قد يصعد في لحظة لفترة "طويلة أو قصيرة"، وقد يهبط في لحظة، ولا تقوم لها قائمة بعد ذلك أبد الآبدين. 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

3

متابعين

1

متابعهم

2

مقالات مشابة