مقالة فلسفية حول الأنظمة الاقتصادية

مقالة فلسفية حول الأنظمة الاقتصادية

0 المراجعات

نص السؤال:

هل النظام االقتصادي القائم على الحرية الفردية كفيل بتحقيق رفاهية الشعوب؟

طرح المشكلة

إن استمرارية ورقي أي دولة أو مجتمع بشري يقتضي انتهاج نظام اقتصادي معين، يضمن تجنب مشاكل  اقتصادية واجتماعية ويحقق الرفاهية والتوازن االجتماعي لهم، ولقد اختلف الفبلسفة ورجال االقتصاد  عبر التاريخ حول مسألة اختيار النظام االقتصادي األمثل و األنجح لتحقيق العدالة والرفاهية للشعوب،  وهذا نظرا لتعدد النظم االقتصادية من اقتصاد قائم على الحرية الفردية و آخر قائم على االشتراكية،

ومن هذا المنطلق نطرح عدة إشكاليات مفادها، هل النظام الرأسمالي القائم على الحرية الفردية هو  األنسب لتحقيق الرفاهية والعدالة االجتماعية؟ وبتعبير آخر ما هو النظام االقتصادي األفضل لتحقيق  العدالة في المجتمع؟

محاولة حل المشكلة

الموقف األول: يرى بعض الفبلسفة والمفكرين وعلى رأسهم رجل االقتصاد اإلنجليزي "آدم سميث" و "جون باتيست" أن النظام االقتصادي األمثل واألفضل لكافة الشعوب هو النظام الليبرالي )الرأسمالي( فهو الذي يحقق العدالة في المجتمع ألنه يمنح لؤلفراد الحرية المطلقة في ممارسة كل األنشطة االقتصادية، ولقد ظهر النظام الرأسمالي في خضم التغيرات االجتماعية التي أحدثها انتقال المجتمع األوربي من مجتمع إقطاعي إلى مجتمع رأسمالي بفعل الثورة الصناعية في انجلترا التي أحدثت تغيرا جذريا على البنية االقتصادية واالجتماعية للمجتمع األوروبي، ومن أهم المبادئ التي يقوم عليها النظام الرأسمالي إقراره بالملكية الفردية وإيمانه بالفرد وتتبع مصلحته في ممارسة أي نشاط اقتصادي يرغب فيه، لذلك رفع النظام الرأسمالي شعار "دعه يعمل أتركه يمر"، كما أن المنافسة االقتصادية شكل محركا أساسيا لآللة االقتصادية ودافعا قويا لتحسين المنتوج "الجودة" ويؤدي هذا حتما إلى الرخاء االقتصادي "انخفاض األسعار"، ومن بين المبادئ األساسية أيضا للرأسمالية عدم تدخل الدولة في النشاط االقتصادي ويتمثل دورها فقط في حماية األشخاص والدفاع عن مصالحهم كما أن السعر ال تحدده الدولة بل يخضع لقانون العرض والطلب وبالتالي ينبغي على الدولة أن ال تعيق النشاط الطبيعي لبلقتصاد.

النقد

رغم النجاح الكبير الذي حققه النظام الرأسمالي وقدرته على النفوذ في اقتصادات معظم دول العالم  خاصة الغربية وما رافقه من تطور تكنولوجي مذهل، إن الثروة ورؤوس األموال في االقتصاد الليبرالي الحر تتركز في يد األقلية فقط دون األغلبية وهذا ما أدى إلى تقسيم المجتمع إلى طبقتين طبقة غنية  مالكة للثروة ووسائل اإلنتاج وطبقة أخرى فقيرة تعمل وال تكسب، فالغني في النظام الرأسمالي يزداد  غنى والفقير يزداد فقرا وبذلك اتسعت الهوة بين الطبقتين باإلضافة إلى األزمات والمشاكل التي تعرض  لها النظام الرأسمالي في تاريخه مثل "أزمة الكساد الكبير سنة 1929 ،وأزمة الرهن العقاري سنة 2008 "وقد أدى أيضا إلى نشوب حروب ومشاكل بين الدول عبر عنها الفيلسوف "جوريس" بمقولته الشهيرة: "إن الرأسمالية تحمل الحروب مثلما يحمل السحاب المطر".

الموقف الثاني:

وعلى أنقاض النظام الرأسمالي ظهر نظام اقتصادي آخر حمل مبادئ جديدة تمثل في النظام االشتراكي  الذي يرى مؤسسوه وعلى رأسهم الفيلسوف األلماني "كارل ماركس" أن هذا النظام هو الذي يكفل تحقيق العدالة في المجتمع ويقضي على الطبقية التي أنتجها النظام الرأسمالي، ويقوم النظام االشتراكي على عدة أسس ومبادئ أهمها الملكية الجماعية لوسائل اإلنتاج على اعتبار أنها تساوي بين أفراد المجتمع فبل يشعر أحد منهم بالظلم، كذلك يرفض هذا النظام استغبلل اإلنسان ألخيه اإلنسان، كما دعا العمال إلى التوحد وذلك في مقولة "ماركس" الشهيرة: "يا عمال العالم اتحدوا" ويقول أيضا: "إن الرأسمالية تحمل في طياتها بذور فنائها"، ومن منظري هذا النظام أيضا الفيلسوف األلماني "فردريك انجلز" الذي أعجب بكتاب كارل ماركس "رأس المال" وسار في نفس خطاه، كما يؤكد هذا النظام أيضا على ضرورة تدخل الدولة في كل النشاطات االقتصادية والتحكم فيها وذلك عن طريق ما يسمى بعملية التخطيط المسبق لسير االقتصاد من طرف الدولة، لقد سعى النظام االشتراكي إلى تحقيق المساواة االقتصادية واالجتماعية بين األفراد ومحو كل أشكال التمييز والتفرقة االجتماعية، ولقد نجح هذا النظام في التحقق على أرض الواقع بعد الثورة البلشفية التي قامت في روسيا سنة 1917 والتي قضت على النظام الرأسمالي و أسست لعهد جديد بظهور االشتراكية وتوسعها في كثير من دول العالم إلى غاية نهاية الحرب الباردة.

النقد

رغم أن االشتراكية تعبر تاريخيا عن وعي اإلنسانية، ونضالها الدائم من أجل العدل والمساواة وحاربت  التفاوت واالستغبلل إال أنها لم تخلو هي األخرى من العيوب والسلبيات ولعل أهم هذه السلبيات تتمثل في قمعه للحرية الفردية التي تعتبر شيئا مقدسا لئلنسان وكذلك أدى تطبيقه إلى االتكال على  الدولة في كل شيء والى المشاكل اإلدارية ممثلة في البيروقراطية وكذا غياب المبادرة الفردية، وأدت  أيضا إلى ركود وجمود اقتصادي كبير وواضح لدى الدول االشتراكية، ولعل أهم دليل على فشل  االشتراكية هو انهيارها السريع في معظم الدول التي تبنت هذا النظام، وأفضل مثال على ذلك انهيار المعسكر الشيوعي ممثبل في االتحاد السوفياتي أمام المعسكر الليبرالي.

التركيب

إن كل من النظامين السابقين لم يخلو من العيوب والمشاكل رغم تفوق الرأسمالية التي الزالت تعاني من  األزمات من حين آلخر، إال أن النظام االقتصادي اإلسبلمي أو بتعبير أفضل الممارسة االقتصادية في اإلسبلم تضمن لحد كبير تحقيق العدالة االجتماعية واالقتصادية كما تضمن الرفاهية، إذ أن اإلسبلم  يقبل شكلين من الملكية، الملكية الفردية الخاصة والملكية الجماعية وهي أيضا تجمع بين السياسة والدين  واالقتصاد، وهي بهذا تمجد الفرد والجماعة في آن واحد وتكفل مصلحتهما معا، كما بينت الممارسة  االقتصادية في اإلسبلم الشروط األخبلقية التي ينبغي أن تقوم عليها الحياة االقتصادية في المجتمع  وهذا الجانب لم يراعيه كبل النظامين السابقين، فرفضت كل أشكال الغش والربا واالحتكار والتبذير حيث  منعت النظرة اإلسبلمية لبلقتصاد االستبداد والتعسف في استخدام المال سواء كان خاصا أو عاما ولقد  عرفت هذه الممارسة االقتصادية اهتماما كبيرا من علماء االقتصاد السيما بعد األزمة المالية العالمية  2008/2009 وذلك من أجل الوصول إلى معاني اقتصادية متكاملة تقوم على أسس أخبلقية.

حل المشكلة

وهكذا نستنتج في األخير بأن النظام الرأسمالي لم يحقق العدالة والرفاهية المبتغاة منه الحتوائه على  سلبيات كادت أن تقضي عليه في كثير من الفترات وحتى االشتراكية لم تسلم من ذلك، إال أن ال�

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

2

متابعين

2

متابعهم

1

مقالات مشابة