
كيف يساعدك علم النفس الإيجابي على التخلص من القلق والتوتر في زمن الأزمات؟
1. مقدمة: عالم مليء بالأزمات والتوتر
لم يعد الحديث عن الأزمات مجرد ترف فكري أو خبر نقرأه في الصحف، بل أصبح واقعًا يوميًا يعيشه معظم الناس. فالأزمات الاقتصادية تؤثر على استقرار الأسر، والأحداث السياسية تزيد من حدة القلق الجماعي، أما المشكلات الشخصية والعائلية فهي تضغط على أعصاب الفرد بشكل مباشر. في خضم هذا الزخم من الضغوط، يبحث الإنسان عن وسيلة تساعده على استعادة توازنه النفسي. هنا يظهر علم النفس الإيجابي كأداة فعّالة تمنحنا القدرة على التعامل مع القلق والتوتر بشكل مختلف، قائم على التركيز على نقاط القوة بدلاً من الاستغراق في الضعف.
2. ما هو علم النفس الإيجابي؟ ولماذا هو مختلف؟
علم النفس الإيجابي هو فرع حديث نسبيًا من علم النفس، أسسه مارتن سيلجمان في أواخر التسعينات، يركز على تعزيز الجوانب الإيجابية في حياة الإنسان بدلاً من التركيز فقط على علاج الاضطرابات والمشكلات.
بينما يسعى علم النفس التقليدي إلى تقليل الألم والمعاناة، يهتم علم النفس الإيجابي ببناء السعادة، تطوير نقاط القوة، وتحقيق الازدهار النفسي. وهذا ما يجعله أداة عملية في مواجهة القلق الناتج عن الأزمات؛ لأنه لا يقتصر على إزالة الألم، بل يمنحك موارد داخلية لمواجهة الحياة بثقة.
3. العلاقة بين الأزمات والقلق: لماذا نتأثر بشدة؟
القلق استجابة طبيعية للغموض وفقدان السيطرة.
في الأزمات، تقل الموارد (المال، الأمان، الدعم الاجتماعي) مما يزيد من الإحساس بالعجز.
العقل يميل إلى تضخيم الأخطار المستقبلية، مما يضاعف الضغط النفسي.
لكن، إذا تعلمنا كيف نعيد توجيه أفكارنا، يمكن أن يتحول القلق من عائق إلى دافع للتغيير.

4. كيف يعمل علم النفس الإيجابي على إعادة برمجة التفكير؟
العقل مثل العضلة، يمكن تدريبه على التفكير بطريقة إيجابية.
عند ممارسة الامتنان أو إعادة صياغة التفكير، تبدأ الخلايا العصبية بالارتباط بأنماط جديدة.
هذه العملية تسمى "المرونة العصبية" (Neuroplasticity) وهي ما يتيح لنا التحرر من أنماط القلق المعتادة.
علم النفس الإيجابي يعلّمنا كيف نرى نصف الكوب الممتلئ حتى وسط الظلام.
5. تقنيات علم النفس الإيجابي للتغلب على القلق والتوتر
أ. ممارسة الامتنان
الامتنان ليس مجرد كلمات شكر، بل هو أسلوب حياة. كتابة ثلاثة أشياء تشعر بالامتنان لها يوميًا يعيد برمجة الدماغ للتركيز على الخير، بدلًا من الغرق في المخاوف.
ب. قوة التفاؤل
التفاؤل الواقعي يساعد على توقع نتائج أفضل ويمنح الطاقة لمواجهة المشكلات. الدراسات أثبتت أن الأشخاص المتفائلين يتعافون أسرع من الأزمات.
ج. إعادة صياغة الأحداث
بدلًا من النظر إلى الأزمة ككارثة، يمكن رؤيتها كفرصة للتعلم أو لإعادة ترتيب الأولويات. هذه المهارة تساهم في تقليل الضغط النفسي بشكل مباشر.
د. التأمل والوعي الذاتي (Mindfulness)
التأمل يساعد على تهدئة العقل والتقليل من النشاط المفرط للأفكار السلبية. عشر دقائق يوميًا كفيلة بخفض مستوى القلق.
هـ. العلاقات الإيجابية والدعم الاجتماعي
العلاقات الصحية توفر شعورًا بالأمان. مشاركة المشاعر مع شخص داعم تخفف العبء النفسي بشكل كبير.
و. تحديد الأهداف الصغيرة والإنجازات اليومية
تحقيق أهداف بسيطة مثل ممارسة الرياضة أو إنهاء مهمة عمل صغيرة يعزز الإحساس بالسيطرة ويقلل من القلق.
6. دور التغيير الإيجابي في تحويل الأزمات إلى فرص للنمو
الأزمة ليست دائمًا نهاية الطريق. أحيانًا تكون بداية مرحلة جديدة.
فقدان وظيفة قد يكون فرصة لتطوير مهارة جديدة.
أزمة صحية قد تدفعك لتبني أسلوب حياة صحي.
الخلافات العائلية قد تفتح بابًا لإعادة بناء التواصل.
علم النفس الإيجابي يعلّمنا أن ننظر إلى الأزمة كعامل محفّز للتطور، لا كحاجز يمنعنا من التقدم.
7. أمثلة واقعية من الحياة اليومية
شخص خسر وظيفته، لكنه استخدم وقت الفراغ لتعلم مهارة رقمية جديدة فتحولت حياته المهنية.
آخر واجه أزمة طلاق، لكنه وجد في التأمل والكتابة متنفسًا ساعده على إعادة بناء ذاته.
شخص ثالث كان يعاني من قلق مزمن بسبب الديون، فبدأ بممارسة الامتنان وتبني عقلية التفاؤل، مما منحه طاقة للعمل بشكل أذكى حتى سدد ديونه.
8. نصائح عملية سريعة يمكنك البدء بها الآن
دوّن ثلاثة أشياء ممتن لها يوميًا.
مارس تمارين التنفس العميق 5 دقائق صباحًا ومساءً.
ابتعد عن الأخبار السلبية المفرطة.
احط نفسك بأشخاص إيجابيين.
قسم أهدافك الكبيرة إلى خطوات صغيرة قابلة للتحقيق.
خصص وقتًا للراحة والهوايات.
9. الخلاصة: نحو حياة أكثر توازنًا ومرونة
الأزمات والتوتر جزء لا يتجزأ من الحياة، لكن طريقة تعاملنا معها هي ما يحدد مدى تأثيرها علينا. علم النفس الإيجابي ليس مجرد نظرية أكاديمية، بل هو أسلوب حياة يمنحك أدوات واقعية لتجاوز القلق والضغط النفسي. من خلال الامتنان، التفاؤل، إعادة صياغة التفكير، والدعم الاجتماعي، يمكنك بناء عقلية مرنة ترى في كل أزمة فرصة جديدة للنمو والتطور.