
الشعر في الحب… لغة العاطفة ومرآة القلوب
منذ أن عرف الإنسان الحب، كان الشعر هو الوسيلة الأجمل للتعبير عنه. فهو لغة الروح حين تعجز الألسنة عن الكلام، وصوت القلب حين يفيض بالمشاعر التي لا تحتمل الصمت. في الشعر، نجد العاطفة الصادقة، والحنين العميق، والاشتياق الذي لا يهدأ، كأن القصيدة جسر يصل بين قلبين مهما تباعدت المسافات.
عبر العصور، لم يكن الشعر مجرد كلمات منمقة، بل كان حياة كاملة تسكن الحروف. في الجاهلية، نظم الشعراء قصائد الغزل ليصفوا جمال المحبوبة، ويبوحوا بما يعتمل في صدورهم من شوق وهيام. وفي العصور الإسلامية والأموية والعباسية، ازدهر الشعر الغزلي حتى صار من أهم ألوان الأدب، يتناقل بين المجالس ويحفظ في دواوين الشعر.
الشعر في الحب ليس مجرد وصف لملامح الحبيب، بل هو تصوير لحالة إنسانية كاملة. قد يبدأ ببيت صغير يصف ابتسامة، وينتهي بملحمة شعرية ترسم قصة عشق خالدة. ولعل أجمل ما في الشعر أنه يمنح المشاعر حياة طويلة، تبقى حتى بعد رحيل أصحابها، فكثير من قصائد الحب التي نقرأها اليوم كُتبت قبل مئات السنين، لكنها ما زالت قادرة على لمس قلوبنا.
كما أن الشعراء لم يكتفوا بوصف جمال الحبيب أو الحبيبة، بل تناولوا أيضًا آلام الفراق ولوعة الغياب. فالحب ليس دائمًا فرحًا، بل قد يكون ألمًا جميلًا نحمله في صدورنا. كثير من أبيات الشعر كانت تبكي العيون قبل أن تبهجها، وتفتح جراح الشوق بقدر ما تداويها.
ومن أجمل ما في الشعر أنه لا يعرف لغة واحدة أو ثقافة بعينها؛ فكل الشعوب لديها قصائدها الغزلية، وكل الحضارات وجدت في الشعر وسيلة لحفظ الحكايات العاطفية. في الغرب كما في الشرق، كتب العاشقون قصائدهم بمداد القلب، ليجد القارئ نفسه جزءًا من الحكاية، حتى وإن لم يعرف أبطالها.
في عصرنا الحديث، قد يظن البعض أن الشعر فقد مكانته أمام وسائل التواصل السريعة، لكن الحقيقة أن الشعر ما زال حيًا. صحيح أن شكله قد تغير، وصار البعض يكتب "الشعر الحر" أو يشارك أبياتًا قصيرة على مواقع التواصل، إلا أن جوهره لم يتغير. فالحب ما زال يحتاج إلى كلمات تخلده، والشعر ما زال تلك المساحة التي تمنح العاطفة حقها الكامل في التعبير.
في النهاية، يبقى الشعر في الحب مرآة صادقة لقلوبنا. هو ذاك الدفء الذي يمنحه الحرف للروح، والبوح الذي نلجأ إليه حين تعجز أصواتنا. قد تختلف العصور والأزمنة، لكن الحب سيظل دائمًا يجد في الشعر وطنه الأبدي، حيث تتحول المشاعر إلى كلمات، والكلمات إلى حياة.