هل السعادة قرار أم نتيجة؟

في عالمٍ سريعٍ تتزاحم فيه المسؤوليات وتتنافس فيه الأصوات على تعريف "الحياة المثالية"، يبرز سؤال عميق يستحق التأمل: هل السعادة قرار نتخذه بإرادتنا، أم نتيجة لما نمرّ به ونملكه من ظروف؟

السعادة كـ"قرار"

يرى العديد من علماء النفس الإيجابي أن السعادة لا تُمنح، بل تُصنع. أي أنها خيار داخلي يتعلّق بكيفية تفسيرنا لما يحدث من حولنا.
فمثلًا، يقول فيكتور فرانكل، الطبيب النفسي الذي نجا من معسكرات الاعتقال النازية:

"يمكن أن يُسلب الإنسان كل شيء، إلا شيء واحد: حرية اختيار موقفه في أي ظرف."

هذا الاقتباس يلخّص رؤية عميقة: يمكن للإنسان أن يختار كيف يشعر حتى في أسوأ الظروف. من هذا المنطلق، تصبح السعادة قرارًا يوميًا، قائمًا على الامتنان، وتقدير اللحظة، وتبنّي عقلية إيجابية، وليس مجرد استجابة لأحداث الحياة.

السعادة كـ"نتيجة"

على الجانب الآخر، لا يمكن إنكار أن الظروف المحيطة تلعب دورًا مهمًا في شعور الإنسان بالسعادة. فكيف يُطلب من شخص يعاني من الفقر، أو المرض، أو الحروب، أن يشعر بالسعادة؟
تشير الأبحاث إلى أن العوامل مثل الصحة الجسدية، العلاقات الاجتماعية، والاستقرار المالي، تؤثر بشكل مباشر على مستوى السعادة.

وهناك أيضًا من يعتبر السعادة "نتاجًا طبيعيًا" لتحقّق الأهداف، كالوصول لوظيفة الأحلام، أو شراء بيت، أو تكوين أسرة مستقرة. هؤلاء يرون أن الرضا والفرح يأتيان كنتيجة حتمية لتلك الإنجازات.

التوازن بين القرار والنتيجة

الحقيقة ربما تكمن في المنتصف. فالسعادة ليست فقط قرارًا داخليًا، وليست أيضًا مجرد نتيجة خارجية. بل هي مزيج معقّد من الاثنين:

نحن نحتاج إلى ظروف جيدة تساعدنا على الشعور بالارتياح.

لكننا أيضًا نملك القدرة على تهيئة عقولنا للنظر للأشياء بشكل أكثر إيجابية، حتى عندما لا تكون الحياة مثالية.

يقول البعض إن 50% من سعادتنا تعتمد على الجينات الشخصية، و10% فقط على الظروف، بينما 40% تعتمد على قراراتنا اليومية وسلوكياتنا. هذه النسب ليست قواعد صارمة، لكنها تفتح المجال لفهم أعمق: نملك أكثر مما نعتقد من مفاتيح السعادة.

خلاصة المقال

إذن، هل السعادة قرار أم نتيجة؟
السؤال لا يُجاب عليه بـ"نعم أو لا"، بل بتأمل الذات والظروف معًا.
ربما لا نستطيع تغيير كل ما يدور حولنا، لكننا بالتأكيد قادرون على اختيار كيف نرى الحياة، وكيف نعيشها رغم كل شيء.