هل الثبات الانفعالي فطري أم مكتسب؟

هل الثبات الانفعالي فطري أم مكتسب؟

1 reviews

هل الثبات الانفعالي فطري أم مكتسب؟

الثبات الانفعالي هو قدرة الإنسان على التحكم في مشاعره وانفعالاته، والحفاظ على التوازن النفسي في المواقف الصعبة أو الضاغطة. يعتبر هذا النوع من الثبات من المهارات الأساسية التي تميز الأشخاص الناضجين نفسيًا وذوي الذكاء العاطفي العالي، ويُعد ضروريًا في العلاقات الشخصية، والنجاح المهني، واتخاذ القرارات الصائبة. لكن يبقى السؤال مطروحًا: هل الثبات الانفعالي سمة فطرية يولد بها الإنسان؟ أم أنه مهارة مكتسبة يمكن تطويرها مع الوقت والتجربة؟

أولًا: الثبات الانفعالي كصفة فطرية

يرى بعض العلماء والباحثين في علم النفس أن الجينات تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل السمات الشخصية للإنسان، ومن ضمنها القدرة على التحكم في الانفعالات. فبعض الأطفال يُلاحظ عليهم منذ الصغر الهدوء، والتفكير قبل التصرف، والتوازن في المشاعر حتى في المواقف الصعبة، بينما يكون غيرهم أكثر حساسية وانفعالًا وتوترًا. وقد أظهرت دراسات في علم الوراثة أن هناك عوامل بيولوجية تؤثر في طريقة استجابة الدماغ للمؤثرات العاطفية، كتركيبة المواد الكيميائية في الجهاز العصبي، مثل السيروتونين والدوبامين، مما يؤثر بدوره في مستوى الثبات الانفعالي.

ثانيًا: الثبات الانفعالي كمهارة مكتسبة

على الجانب الآخر، يرى كثير من علماء النفس والتربية أن الثبات الانفعالي ليس مجرد سمة فطرية، بل يمكن تعلّمه وتطويره عبر الممارسة والتجربة والتربية السليمة. فالبيئة التي ينشأ فيها الفرد، وطريقة تربية الوالدين، وتعليمه كيفية مواجهة التحديات والانفعالات، تؤثر تأثيرًا بالغًا في بناء هذه المهارة. فالشخص الذي يتعلم منذ الصغر كيف يهدأ، ويتنفس بعمق، ويتعامل مع الغضب بالحكمة، يكتسب مهارة التحكم في انفعالاته تدريجيًا.

كما أن المدارس، والمجتمع، والتجارب الحياتية المختلفة، تساهم في صقل هذه المهارة. فالإنسان قد لا يكون هادئًا بطبعه، لكنه عندما يواجه مواقف صعبة، ويتعلّم من أخطائه، ويكتسب أدوات تنظيم المشاعر مثل التأمل، والتحكم في التنفس، والتفكير الإيجابي، يصبح أكثر تماسكًا وانضباطًا انفعاليًا.

ثالثًا: التوازن بين الفطرة والاكتساب

الحقيقة الأقرب إلى الصواب أن الثبات الانفعالي هو نتاج تفاعل بين العوامل الفطرية والمكتسبة. فالشخص قد يُولد بميول معينة تجعل من السهل عليه التحكم في مشاعره، لكن من دون تربية سليمة وتوجيه مناسب، قد يفقد هذه القدرة. وكذلك، الشخص الذي تكون طبيعته أكثر اندفاعًا يمكنه بالتعلم والتدريب أن يطوّر من نفسه ويصل إلى مستوى عالٍ من الثبات الانفعالي.

وهذا ما يجعل من الثبات الانفعالي مهارة حيوية يمكن تنميتها لدى الأفراد عبر برامج التوعية النفسية، ودورات الذكاء العاطفي، وممارسات تهذيب النفس.

رابعًا: أهمية الثبات الانفعالي في حياتنا

الثبات الانفعالي لا يعني كبت المشاعر أو تجاهلها، بل يعني التعبير عنها بطريقة متزنة وواعية. ومن فوائده:

تحسين العلاقات الشخصية والمهنية.

اتخاذ قرارات أكثر عقلانية.

تقليل التوتر والقلق.

تعزيز الصحة النفسية والجسدية.

مواجهة التحديات والأزمات بثقة وثبات.

خاتمة

في النهاية، يمكن القول إن الثبات الانفعالي ليس حكرًا على من وُلدوا به فطريًا، بل هو ملكٌ لمن يسعى لاكتسابه وتطويره. إنه رحلة من الوعي الذاتي والتدريب المستمر، تبدأ بإدراك مشاعرنا وتنتهي بالسيطرة عليها بحكمة. لذلك، سواء كنت هادئًا بطبعك أو سريع الانفعال، فإن تطوير ثباتك الانفعالي ممكن ومتاح، ويستحق الجهد والمثابرة.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

8

followings

0

followings

1

similar articles