يثير مبدأ الارتباط بالتراث قضيتين أساسيتين أولاهما أنه ليس كل موروثاً مما يمكن أن يوصف بأنه إسلامي، وإن جاء ضمن الموروث العام للأمة . فهناك نصوص تحمل من المضامين والأفكار ما يحاد الدين ويتعارض مع مفاهيمه.
وتلك قضية تتعلق بأعمال بعينها، ومثله ما يكون غير أصيل ولا منفعة في بعثه واستيحائه. ولهذا ينبغي أن تكون النظرة إلى التراث عند التطبيق والاستخدام انتقائية واعية.
وتستتبع هذه القضية إثارة موضوع الحد الزمني الذي قد يحسن الوقوف عنده فيما يخص احتذاء القديم . وهي قضية فصلت فيها طبيعة نهوض فترة القرون الأولى بتأسيس المفاهيم والقيم وتميز أدبها بالقوة والازدهار وهي فترة تنتهي بنهاية القرن الرابع الهجري حيث تشتد بعدها دواعي الانتقاء والاجتهاد بإعمال العقل في النقل.
أما القضية الأساسية الثانية فهي طبيعة الارتباط بهذا التراث من منطلق مفهوم الأصالة والمعاصرة. والمفهوم الصحيح أن لا تعارض بينهما ولا ثنائية، لأنهما معا يعنيان صدق الإعراب عن الذات الشخصية للفرد الذي تمتد جذوره إلى الماضي وتتأصل:
تستخرج من الماضي خبأه وتبعث من فكره ما يخصب الفكرة ويُجلي روح الاجتهاد المنطوية فيه. فهذا التراث ينطوي على عناصر تستهدف إثارة أفضل ما في الإنسان من طاقات خلاقة مبدعة، لا تقف منه موقف التلميذ من الدروس التي يجب أن يستوعبها، وإنما موقف الأستاذ الذي يتدسس الحقائق ليستخرج ما أجنت وما أكنت، فيمد في ذلك ويبسطه ويسعى إلى تجاوزه.
ولا ينبغي أن يفهم مما تقدم الحجر على الاتصال بالتراث العالمي واسترفاده، فإن الانعزال لم يكن في يوم من الأيام من طبيعة الحضارة الإسلامية ، بل إن من شروط النهوض والتطوير مواكبة الركب العالمي في مسيرة تقدمه على أن يتم ذلك في خطوات مرشدة واعية. وفيها يقوم الأخذ والاتباع على قاعدة تبادل التأثر والتأثير، بالانتقاء والتوجيه والتكييف. فمن قبيل تأثير المتأثر، أن يبحث في المصادر الخارجية عن نطاق أدب أمته، عما هو موجود في نفسه سلفاً وجودا إمكانيا، أي عما يشبهه ويشبه مواطنيه. فهي بمثابة التلقيح والإخصاب للأدب، أو بمثابة بذور فكرية وفنية، تستنبت في آداب غير أدبها. ومحور التأثر في الأدب عامة هو الحفاظ على الأصالة، أصالة الأفراد وأصالة الأمة. وبه يتحقق الاستمداد الراشد المثمر.
وتوحد الغايات الإسلامية بطريق مباشر أو غير مباشر ما ينجم في المجتمع، من تطورات أو أساليب مبنية على موروثات غير إسلامية، تشذب منها، فتسقط بعض الموضوعات، وتحد حرية الشكل، وتكيف الغايات الإنسانية . وهذا كله متمثل في الشعر وكتب الأدب . غير أن ذلك رهن بديمومة التذكير، من طائفة الحق في الأمة، برسالة الإسلام ومبادئه.