ماذا أفعل لأثبت لشخص ما بأنني عبقري؟
هناك دراسة تشريحية أجريت لأدمغة مجموعة من العباقرة المختلفة مجالاتهم، في تصورنا جميعًا أننا سنجد شيئًا مختلفًا بداخل أدمغتهم يكمن فيه سر عبقرياتهم.. ولكن المفاجأة كانت عكس ما يتوقعه الناس تمامًا؛ لم يكن هناك أي مكون مميز لأدمغتهم، بل هي نفس أدمغتنا جميعًا! ما سر تميز هؤلاءا إذن؟ يوضح عالم النفس السويدي إندريس إريكسون -توفي في يونيو الماضي من هذا العام- بجامعة فلوريدا أن جوهر تميُّز هؤلاء العباقرة هو تحقيق أقصى استفادة من قدراتهم والتحكم في أدائهم.
ثمن العبقرية
إلى الآن قد نعتقد أن الأمر ليس بهذا التعقيد، يمكننا تكرار ما ندرسه مرات ومرات حتى تتفتح أذهاننا وتستنتج نظريات وتستخلص قواعد لم يُسبق إليها أليس كذلك؟ بالطبع لا، فالعبقري لا يكتفي بتكرار الشيء نفسه مرة تلو الأخرى على أمل الحصول على كل ما هو جديد، بل الفارق الأهم بيننا وبينه أنه يحقق مستويات عالية من الأداء وبذل مجهود إضافي لتحسين المهارة. حسنًا، يمكننا فعلها إذن؟ صراحًة هناك أمر ما أود لفت انتباهك إليه، تخيل الوقت الذي خصصته للمذاكرة والاطلاع والتمرس والتدريب تضاعف 3 أو 4 مرات، هل ستكون استفادتك بعد انقضاء المدة التي اعتدت عليها هي نفس استفادتك من الوقت الإضافي؟ بمعنى لو أنك تذاكر 3 ساعات يوميًا، وتدريبك العملي من ساعتين إلى ثلاث، هل لو تضاعف وقت مذاكرتك وصار 7 ساعات وأصبحت تتدرب عمليًا 5 ساعات، هل ستشعر بملل؟ هل يمكنك أن تستفيد من كل هذا الوقت أقصى استفادة وتستغله أحسن استغلال أم الأمر سيكون مجرد عقارب تتعاقب وأجراس تُدق؟ العباقرة لا يشعرون بالملل من فترات التدريب الطويلة وإن كانت شاقة، كما أن الأمر يرجع إلى الثمن المبذول في مقابل الإتقان والتميُّز.
قاعدة السنوات العشر
هذا الأمر لا يدعوك بالطبع إلى الركون والتكاسل وعدم السعي وراء هدفك، ولكن تصوره الصحيح يساعدك ويقيك أن تضل أو أن يُباع لك وهم العبقرية بشعارات رنانة ومبالغ طائلة تدفعها إلى شخص ليس عبقريًا تتمنى ليساعدك أن تسير في ركب العباقرة! وبالعودة إلى كلام إريكسون فإنك تحتاج قرابة 10 سنوات من الأداء والإنجاز والإعداد المركز للوصول إلى المستويات العليا والإبداع والتميز. بل -كما يقول إريكسون- هناك من العباقرة من استطاع الوصول في أقل من 10 سنوات، الأمر يرجع أولًا إلى التركيز والجهد المبذول، بهذا يتضح أننا لو أفنينا أعمارنا في تخصص ما دون اعتبار هذا العنصر فيكون جهدنا دَور حلزوني لا نخرج عنه كثيرًا.
الوراثة أم البيئة؟
ليست هناك إجابة قاطعة، نعم كأغلب القضايا والمسائل الخلافيه تختلف المذاهب والأقوال، فإن فريقًا من العلماء يُرجع العبقرية إلى الوراثة، والفريق الآخر لا يعتبر إلا دور البيئة وعامل التنشئة، وثالث يرجعها إلى هذا وذاك؛ الوراثة والبيئة. ولكن مهما كان البيئة لها الدور البارز في نمو ونبوغ مواهب الأشخاص، كما قال توماس أديسون:
“العبقرية تسعة وتسعون بالمائة منها عرَق وواحد بالمائة منها وحي وإلهام”.
نعود الآن إلى الجانب الخفي في سؤالك، لماذا عليك أن تثبت لآخر عبقريتك؟ إن كان هذا هو الدافع الوحيد للسعي في طموحك فتخيل هذا الشخص قد غادر عالمنا فجأة إلى عالم الغيب والشهادة، أو أنه تركك وشأنك أو وجد البديل الجاهز الذي لا يحتاج إلى سنوات لتحقيق الهدف.. هل سيختفي هدفك ويصبح سرابًا؟ هل ستتوقف عن التفكير في هذا الموضوع؟ لماذا نصاب دائمًا بداء إرضاء الآخرين؟ إن لم يكن هذا الدافع في خدمة البشرية وفي تحقيق ذاتك فليس ثمة ضمانات ترجح بلوغك هذا الهدف، فإنك إن لم تبلغه سعيًا في إفادة البشرية وإشباعًا لنهمك المعرفي والعلمي فيكفيك شرف الهدف والعمل عليه!