الحياة وطريق القدر
في حياتنا، قد نختلف بالأواصر، الثقافات، اللغات ووجهات النظر، الرغبات والطموح، الأرزاق والنصيب إلا هناك دائماً كلمات مفتاحية وأهداف أساسية حياتية تجمع اختلافاتنا؛ كالسعادة، السلام والنجاح وهذا لأنه غذاء أرواحنا جميعاً باختلاف الأديان والأطياف والمعتقدات ؛ الحب والحب يعني الحياة، الحياة التي لطالما كانت مركز جدل الانسان في فهمها ومواكبة تغيراتها الزمانية على مدى العصور والتي دائماً نتوجه باتجاهاتنا وفق رغبتها ووفق الامتحانات التي تمتحننا إياها عن طريق القدر.
لطالما الحياة كانت قاسية الدرس معنا جميعاً، فهي شبيهة بالمعلم الصارم، الذي يهابه كل طلابه، فهو سلاح ذو حدين بعض طلابه يجتهدون فينجون والآخرون ضعفاء الأنفس يستسلمون بعد أول اختبار قاسي لهم، أعلم بأنه ليس سهلاً على الإطلاق أن نتعرض لخيبات الأمل ونواجه ظروف وتجارب حياتية صعبة وتضيع مشاعرنا وتوقعاتنا على أشخاص لا يستحقون وفي كل مرة نبذل مجهود لإرضاء الجميع فلا نُكافَئ، وكيف لا يطرأ علينا أي تغيير في شخصنا وأنفسنا بعد كل هذا، وهل يوجد أسهل من أن نغضب ونحقد فنكره ونصبح قُسَاة قلب وبدن.
قد تسير آلاف الأميال وتمضي بك عشرات السنين وأنت تحاول، وفي كل مرة توشك بها على الوصول فتفاجئك الحياة؛ بخيبة جديدة، تجعلك تتوقف منحني الرأس متعب ومجهم ولا طاقة للمزيد، ها هي تتنوع ردود أفعالنا لهذه الخيبات على شكل عصبية، أو أمراض بدنية ونفسية، أو لبكاء وأحياناً كثيراً لصمت أو ضحكات زائفة فتتحول لشخص نَكَّات أكثر من اللازم أو لاستسلام تام فموت.
هل جربت يوماً أن تتوقف عن هذا القلق وهذا الغضب، والمبالغة في التفكير وتحويل كل شيء سلبي لشيء إيجابي جميل، أن تتيقن بلطف الأقدار وأن غداً جميل وأن علينا ألا نضيع أصول تربيتنا وقيمنا الإنسانية وألا نصبح فارغين الأنفس " |
سبق وأن بمرور السنين في غربتي أن أصادف بعض المشردين في الشارع فتفاجئ بأنهم مثقفون، بعضهم يتحدث أكثر من لغة والبعض الآخر يمتلك معلومات ثقافية وسياسية ودينية أكثر من الطبيعيين الذين نقابلهم في حياتنا اليومية بين زملاء دراسة أو عمل، أصدقاء مقربين، عائلة ومنزل، ولا يكون لي ردة فعل إلا أنني أتسأل ما الذي ممكن وواجهة هذا الشخص أو تعرض له من قهر وحصل له من ظروف صعبة كي يصل لهذه المرحلة القاسية من الحياة بلا مأوى وبلا أدنى حقوق إنسان كريمة كالتعليم، الصحة، العمل، الأمان والاستقرار، شريك حياة فأطفال وعائلة صغيرة سعيدة، فهكذا يُطحَن ؟ لابد أنه القدر المعروف بحَزمِهِ وقسوته معنا على شكل دروس وخيابات أمل وتتنوع أشكال الخيبة، كقصة حب فاشلة، كحلم لم يكتمل، كمشروع وأفلس، كغدر وخيانة، ككذب وقلة أصل وفي كل مرة اكتشف نفسي كم هي صغيرة أمام عملاقة هذه الحياة وأقدارها فأزداد خوفاً، أن يدور بي الزمان فتتعبني تعبهم هذا، فاللهم إني أسألك دائماً لُطّفَ الأقدار.ما الذي قد يُوِصل الإنسان لهذه المرحلة من الضياع رغم أنه كنز ثمين أعزه خالقه، ولماذا الحياة تخفي كينون جماله بالصعوبات والضغوطات بالفقر والحروب، حتى تأكدت بأن القدر المعروف بِحَزمهِ هذا ؛ ملهم عظيم لنا، قد لا نفهم دروسه في البداية ولكن بعد أن تَمُر بنا السنين ونواجه مواقف أخرى صعبة فنجد نفسنا واجهناها ونجونا منها وتطرأ علينا تغييرات تشعرنا كم نحن أقوياء وأكثر حكمة من الماضي، نعي ذلك ونشكر هذا المعلم الذي يقسو علينا أحياناً كي ندرك الصواب، ونجده مصباح عتمتنا يوم أرانا الطريق الصحيح والفرصة الجديدة دائماً موجودة طالما نتنفس على هذا الكوكب ؛ هناك شيء ما يستحق الحياة ونحن نستحق الحياة طالما أحياء.
أصبحت أعي جداً بأنه بأيدينا نصبح مشردين أو نصبح طبيعيين، ننجو من العدم إلى شيء ما.. لستُ أعلم ماهية هذا الشيء إلا أنني دائماً متيقنة أن هناك شيء جميل يختفي وراء كل هذا وأن كل شيء يحدث بسبب ولسبب ومع الوقت أكتشف في كل مرة نمر بها بتجارب صعبة ونتعرض لضغوط قاسية ما هي إلا إكسير لأرواحنا لندرك أنفسنا ونثق بمدى قوة تحملنا وهل سنتغير وإذ تغيرنا إلى أين سوف نصل ؟ فكل متزن منا، ذو إرادة واصرار ؛ يصل وينجو والتاريخ يسجل بطل آخر يرسو على ميناء الحياة ؛ سالم، أما ضعيف النفس والتي الحياة لا تستطيع استيعابه على أرضها، هو الذي يغوص في العدم ويفقد ضالته فتجده معترض مجهم على الأقدار أو يتحول لشخص قاسي، يخون نفسه ولا يدرك الحب ولا تدركه الحياة وما أصعب من بلاء قسوة القلب وأن تكون قاسي أعمى.