محمد حسني مبارك: 30 عامًا من السلطة والتحديات – إرث الرئيس المثير للجدل
**النشأة والتعليم**
ولد محمد حسني مبارك في 4 مايو 1928 في قرية كفر المصيلحة التابعة لمركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية. نشأ في أسرة بسيطة تقدر التعليم والانضباط. التحق مبارك بالمدارس الحكومية، وأظهر منذ الصغر انضباطًا وتفوقًا أكاديمياً، مما أهله لدخول الكلية الحربية في مصر، حيث تخرج منها في عام 1949 برتبة ملازم ثاني. بعد ذلك، قرر مبارك الالتحاق بأكاديمية الطيران، وهي خطوة مهمة في مسيرته، حيث تخرج كطيار مقاتل في عام 1950.
**المسيرة العسكرية**
بدأ محمد حسني مبارك مسيرته العسكرية في سلاح الجو المصري، حيث تدرج في الرتب بشكل منتظم بفضل انضباطه ومهاراته القيادية. شارك في العديد من المهام التدريبية والعملياتية داخل مصر وخارجها. بعد فترة قصيرة من العمل في الطيران المقاتل، نال مبارك عدة ترقيات حتى وصل إلى منصب قائد القوات الجوية في عام 1972.
خلال حرب أكتوبر 1973، لعب مبارك دورًا محوريًا كقائد للقوات الجوية المصرية. قاد الضربة الجوية الأولى التي كانت بداية العمليات العسكرية المصرية ضد إسرائيل، والتي ساهمت بشكل كبير في تحقيق التفوق المصري في بداية الحرب. وقد أكسبه هذا الدور سمعة وطنية ودولية وأدى إلى ترقيته في المناصب السياسية.
**توليه رئاسة الجمهورية**
بعد انتهاء حرب أكتوبر، أصبح حسني مبارك نائبًا لرئيس الجمهورية في عام 1975 في عهد الرئيس أنور السادات. بعد اغتيال السادات في حادث المنصة الشهير في 6 أكتوبر 1981، تم تعيين مبارك رئيسًا للجمهورية. تولى السلطة في فترة كانت مصر تمر فيها بتحديات كبيرة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
**السياسات الداخلية**
بعد توليه الرئاسة، ركز مبارك على تحقيق الاستقرار الداخلي وتنمية الاقتصاد المصري. اتبع سياسات اقتصادية تهدف إلى تحقيق النمو وتحسين البنية التحتية. تبنى سياسة الانفتاح الاقتصادي، مما أدى إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية وتوسيع القطاع الخاص. كما أولى مبارك اهتمامًا خاصًا بالبنية التحتية، حيث تم تنفيذ العديد من المشروعات القومية الكبيرة، مثل توسيع شبكة الطرق، وإنشاء مناطق صناعية جديدة، وتحسين خدمات الكهرباء والمياه.
مع مرور السنوات، ظهرت تحديات جديدة أمام نظام مبارك، منها التزايد السكاني والبطالة والفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء. ورغم الجهود المبذولة لتحسين الاقتصاد، فإن الفقر والبطالة استمرا في التأثير على حياة المصريين.
**السياسات الخارجية**
حافظ مبارك على سياسة خارجية متوازنة، ساعيًا للحفاظ على علاقات مصر مع الدول العربية والغربية على حد سواء. استمر في دعم عملية السلام في الشرق الأوسط، ولعب دورًا رئيسيًا في مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل. كما عمل على تعزيز علاقات مصر مع الولايات المتحدة، مما أدى إلى تلقي مصر مساعدات عسكرية واقتصادية كبيرة.
على الصعيد العربي، سعى مبارك إلى استعادة دور مصر الريادي في المنطقة بعد فترة من العزلة التي تلت توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. كما كانت لمصر دور كبير في دعم استقرار الأوضاع في المنطقة العربية، خاصة في أوقات الأزمات مثل حرب الخليج.
**التحديات والأزمات**
خلال سنوات حكمه، واجه مبارك العديد من التحديات الداخلية والخارجية. على الصعيد الداخلي، تصاعدت الانتقادات لحكمه نتيجة قضايا الفساد، وتزايدت الفجوة بين الأغنياء والفقراء. كما شهدت البلاد احتجاجات متفرقة بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
تعرض مبارك لعدة محاولات اغتيال، أبرزها محاولة اغتياله في أديس أبابا عام 1995 أثناء حضوره قمة الاتحاد الأفريقي. ورغم نجاته من هذه المحاولات، إلا أنها أثرت بشكل كبير على سياساته الأمنية وعلاقاته الدولية.
**الثورة المصرية 2011**
مع تزايد الاستياء الشعبي نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، اندلعت ثورة 25 يناير 2011. خرج الملايين من المصريين إلى الشوارع مطالبين بتنحي مبارك وإصلاحات سياسية واقتصادية جذرية. حاول مبارك في البداية احتواء الأزمة من خلال إقالة الحكومة وتقديم بعض التنازلات، لكنه فشل في تهدئة الشارع.
في 11 فبراير 2011، أعلن نائب الرئيس عمر سليمان تخلي مبارك عن السلطة، لينتهي بذلك حكم استمر 30 عامًا. تم تسليم السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبدأت مصر مرحلة جديدة من تاريخها.
**المحاكمات وما بعد الرئاسة**
بعد تنحيه، خضع مبارك للعديد من المحاكمات بتهم تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ، بالإضافة إلى اتهامات بالمسؤولية عن قتل المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير. قضى مبارك فترة من الزمن في السجن، لكن تم تبرئته من بعض التهم لاحقًا. عاش مبارك ما تبقى من حياته بعيدًا عن الأضواء حتى وفاته في 25 فبراير 2020.
**الإرث والتقييم**
تختلف الآراء حول إرث محمد حسني مبارك وتأثير فترة حكمه على مصر. يرى البعض أنه نجح في تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية خلال سنوات حكمه الأولى، بينما يعتقد آخرون أن سياساته أدت إلى تفاقم الفجوة الاجتماعية وزيادة الفساد. تعتبر ثورة 25 يناير 2011 شهادة على حجم الاستياء الشعبي من حكمه، لكنها أيضًا تبرز مدى تعقيد التحديات التي واجهتها مصر خلال فترة حكمه.
سيذكر التاريخ مبارك كشخصية مؤثرة في تاريخ مصر الحديث، بغض النظر عن الجدل حول سياساته وإنجازاته. كانت فترة حكمه مليئة بالتحديات والإنجازات، وتبقى دروسها محوراً هاماً لفهم التحولات السياسية والاجتماعية في مصر.