القضية الفلسطينية قبل وبعد "طوفان الأقصى"
المُتابِع للقضية الفلسطينية عن كَثب و على مر الفترات الماضية مُدركٌ تماماً أنها قضية عَقَدية لا غُبار عليها ، أما الذين بدأوا يتابعون الأخبار منذ السابع من أكتوبر وتناسوا كل الأحداث التي مرت بها المنطقة وخصوصاً المنطقة الفلسطينية من قبل، فمن الطبيعي والسهل عليهم تسمية يوم 7 أكتوبر بيوم الإرهاب الفلسطيني.
اليوم مرَّ على حرب 7 أكتوبر (طوفان الأقصى) ما يقارب التسعة أشهر ونصف. العالم بأجمعه في صمت مطلق من ذلك، أكاد أرى أن لا أحد يكترث بالمجازر والدمار والقتل والبطش والجوع الذي يتعرض له أهلنا في قطاع غزة. أكبر فاتورة دُفعت في هذه الحرب كانت من الأطفال والنساء حيث وصل عدد الشهداء منهم 16122 طفل و 10645 امرأة . نعم هذه أرقام حقيقية وما خفي أعظم ومجموع عدد الشهداء وصل لحاجز الأربعين ألف شهيد أي ما يعادل 142 شهيداً في كل يوم . هل تتصورون هذا العدد؟ أعتذر!! هذه ليست مجرد أرقام يتم التصريح بها، كان لكل من هؤلاء الشهداء حياة سعيدة وعائلة جميلة وعمل وأصدقاء وعالم كبير مليء بالنشاطات المختلفة. كل شيء في لحظة واحدة أصبح غباراً طائراً في السماء وبقي من أثاره القليل من الرذاذ على حافة الطرقات. نعم الواقع في غزة مرير جداً ولا أحد مكترثٌ لذلك.
عدّاد الأيام في تسارع كبير وعدد الشهداء والقصف والدمار في قطاع غزة يكادُ يسبق عقارب العدّاد. الشعب صامدٌ بعون الله الى هذه اللحظة في ظل الجوع والتخويف والمجازر الّا أنه يأبى مغادرة أرضه الى اي بقعة اخرى على وجه الارض. لسان حاله يقول "ربنا اصطفانا لنكون على هذه الأرض المباركة واختار ان يكون منا المرابطون والمجاهدون والشهداء، فهل نهرب من هذا الاصطفاء؟! لا ورب الكعبة هنا باقون صامدون فإما النصر وإما الشهادة. "
تآمرت البلاد جميعها بحكوماتها الظالمة على شعب فلسطين منذ عدة قرون وفي كل فترة تخرج فيها أمريكا بمشاريع جديدة الهدف منها إبعاد القضية الفلسطينية عن الساحة العربية والدولية. من ابرز هذه المشاريع (مشروع التطبيع) الذي طبقته العديد من الحكومات العربية منها على العلن ومنها من تحت الطاولة. لكن "طوفان الأقصى" ضرب بعرض الحائط كل هذه الاتفاقيات وكان بمثابة الكف العثماني على وجوه جميع المتخاذلين وكشف الوجوه والمنافقين في العالم بأسره وعلى وجه الخصوص كشف وعرّى الحكومات العربية والغربية أمام شعوبها. أما بالنسبة للشعب الفلسطيني فهو مدرك منذ البداية الباطنية السياسية والوطنية لهذه الحكومات ولم ينتظر يوماً واحدًا النصر والعون إلا من الله عز وجل ثمَّ من الشعوب الحرة.
القضية الفلسطينية ليست وليدة العصر الحديث كما يعتقد العديد من الناس وخصوصاً المغيبون عن أخبار فلسطين. والمجازر التي تحدث في غزة هذه الأيام قد حدث أضعافها على مر الستِّ والسبعين عاماً الماضية . ومن أبرز هذه المجازر التي حدثت بحق الشعب الفلسطيني من العدو الاسرائيلي الغاشم ما نذكره في الأسفل على الشكل التالي:
التطهير العرقي للفلسطينيين (1947)
مذبحة بلدة الشيخ (1947)
مذبحة قرية ابو شوشة (1948)
مذبحة الطنطورة (1948)
مجزرة دير ياسين (1948)
مذبحة قبية (1953)
مذبحة قلقيلية (1956)
مذبحة خان يونس (1956)
مذبحة كفر قاسم (1956)
مجزرة تل الزعتر (1976)
مذبحة صبرا و شاتيلا (1982)
مذبحة المسجد الأقصى (1990)
مذبحة الحرم الإبراهيمي (1994)
مذبحة مخيم جنين (2022)
ناهيكم عن الحروب التي حدثت على أرض قطاع غزة من قبل، وأكاد أخطئ عندما أُسمي المجازر باسم "الحرب"، لأن الحرب تكون بين قوتين عسكريتين متساويتين تقريباً بالعدة والعتاد ، إلا أن هذه المجازر تقام ضد الشعب الفلسطيني البريء المجرد من السلاح.
ومن هذه المجازر:
مجزرة (2008–2009): حربٌ شنّها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزّة في السابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2008 واستمرّت 21 يومًا.
مجزرة 2012: حربٌ شنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة في الرابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2012 واستمرت ثمانية أيام.
مجزرة 2014: حربٌ شنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة في الثامن من تموز/يوليو 2014 واستمرت خمسين يومًا.
ما تم ذكره آنفاً من المجازر بحق الشعب الفلسطيني هو أكبر دليل على أن "طوفان الأقصى" ليس نقطة البداية على صعيد القضية الفلسطينية، بل ما هو إلا ردٌ بسيط على كل هذه الجرائم والمجازر التي قامت بها دولة الاحتلال الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني على مر السنين.
مما ينبغي ذكره أيضاً أن دولة الإحتلال الإسرائيلي لم تكتفِ على مر هذه السنين بالمجازر فقط. بل أقامت في كل مناطق الضفة الغربية بؤراً استيطانيّة وجلبت من كل أرجاء العالم مستوطنين وأسكنتهم في بيوت على أراضٍ فلسطينية وقامت بتسليحهم وتزويدهم بالعدة والعتاد والمال من أجل البقاء في هذه البؤر الاستيطانيّة. و للعلم فإن هؤلاء المستوطنين يعدّون من أقذر أنواع البشر من حيث البطش والقتل والحرق والتدمير، أغلب المجازر التي حدثت في المنطقة كانت على أيديهم ومن أمثلة ذلك مذبحة الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل فجر يوم الجمعة 25 فبراير 1994 ، التي نفذها باروخ جولدشتاين وهو طبيب عسكري يهودي، قام بها مع تواطؤ عدد من المستوطنين.
إضافة لذلك سوف نتطرق الى حال السجون الاسرائيلية التي تستخدمها إسرائيل بحق الشباب والنساء الفلسطيني حيث أنه يقدر الآن عدد الأسرى الفلسطينيين أكثرمن 20000 أسير، من بينهم أكثر من 3400 معتقل إداري. ويبلغ عدد المعتقلات في سجون الاحتلال 78 أسيرة. يتم التنكيل والتعذيب بالأسرى بشكل غير طبيعي ولا يكترثون إن كان الأسير شاباً ام فتاة طفلاً أم عجوزاً ففي نهاية المطاف بالنسبة للسجّان هذا الأسير فلسطيني، يتم استخدام كل أنواع التعذيب بحقهم ناهيكم عن التجويع والإهانة والاستفزاز.
هل انتهت انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين؟ لا وألف لا، فملف الجرائم الإنسانية التي تقام بحق الفلسطينيين لا تعد ولا تحصى. من باب آخر أود أن أتطرق الى البيوت الفلسطينية التي يتم هدمها وترحيل اهلها منها. حيث أن التقارير تشير بأن الاحتلال هدم 465 منزلاً في الضفة الغربية بما فيها القدس خلال عام 2023.
ولا ننسى أيضا المضايقات التي يتعرض لها المواطن الفلسطيني على الطرقات بين المدن، حيث أن الحواجز الإسرائيلية تسيطر تقريبا على جميع مداخل المدن الفلسطينية. ناهيكم عن الاقتحامات اليومية للمدن وتفتيش البيوت بشكل يومي من العصابات الإسرائيلية.
أمّا إذا تطرقنا الى مُقومّات الحياة في فلسطين من كهرباء وماء ومواد غذائية فجميعها تدار من قبل الإدارة الإسرائيلية، ففي كبسة زر يتوقف ضخ المياه عن كافة المناطق الفلسطينية وفي إنزال أمّان كهربائي يتوقف التيار الكهربائي عن جميع المدن الفلسطينية. فالسيادة بشكل كامل تحت السيطرة الإسرائيلية.
مما يجهله الكثير ممن يعيشون خارج فلسطين، أن الفلسطيني يواجه صعوبات كبيرة من أجل المقدرة على الوصول الى مدينة القدس وأداء الصلاة في المسجد الاقصى. فعلا سبيل المثال أنا شخصياً لا أستطيع الذهاب الى المسجد الاقصى لأن الإدارة الإسرائيلية لا تعطي التصاريح (الاذونات) لمن يقل عمره عن 50 عاماً للدخول للقدس وأراضِ ال 48 بشكل عام وهذه المعايير كانت في الماضي أما بعد عملية "طوفان الاقصى" فأصبحت القيود أشد تعقيداً على الجميع.
وأما في حالة السفر خارج فلسطين الى أي دولة فلا يكون بهذه السهولة التي يتخيلها الجميع، فكونك فلسطيني سفرك يتم فقط إذا حصلت على الموافقة الأمنية من الحواجز الإسرائيلية، ناهيكم عن التفتيش المشدد الذي يتعرض له المسافر عند الخروج والرجوع الى فلسطين.
من الأمور التي أود التطرق اليها أيضاً والتي يكاد يجهلها العديد من الأجانب المناصرين وغير المناصرين للقضية الفلسطينية. المخيمات الفلسطينية التي يشكل عددها 65 مخيم في الداخل والضفة الغربية وغزة والشتات، والتي أُجبر سكانها على الخروج من منازلهم بسبب المجازر التي أُقيمت بحقهم من الاحتلال الإسرائيلي، وتم ذكرها على الشكل التالي:
داخل الأراضي الفلسطينية:
الضفة الغربية:
جنين
طولكرم
نور شمس
الفارعة
بلاطة
عسكر
دير عمار
الجلزون
قلنديا
الأمعري
الدهيشة
عايدة
الفوار
العروب
شعفاط
عقبة جبر
عين السلطان
سلواد
بيرزيت
قطاع غزة:
جباليا
الشاطئ
النصيرات
البريج
المغازي
دير البلح
خان يونس
رفح
في دول الشتات:
الأردن:
الوحدات
البقعة
ماركا
سوف
جرش
الزرقاء
الطالبي
الحسين
إربد
الحصن
لبنان:
عين الحلوة
برج البراجنة
صبرا وشاتيلا
نهر البارد
البداوي
الرشيدية
البرج الشمالي
المية ومية
وادي الزينة
عين زحلتا
النبطية
مار إلياس
سوريا:
اليرموك
خان الشيح
جرمانا
درعا
سبينة
حمص
حماة
النيرب
حندرات
عين التل
المزيريب
قبر الست
الدرعية
درعا الطيبة
درعا البلد
ختاماً، كان الهدف من هذا المقال بشكل أساسي اطلاع المتابع المناصر وغير المناصر للقضية الفلسطينية على الأحداث بشكل مباشر من قِبَلِ شابٍ عايَشَ كل الآلام والمعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، سواءً بشكل مباشر او عن طريق أحد من أقربائه وأصدقائه، فأكاد أُجزم أن كل عائلة فلسطينية لم تنجُ من أحد أشكال المعاناة من حبس أو سجن أو تنكيل أو تعذيب أو غيرها. ففي هذا المقال حاولنا نقل الصورة والأوضاع في فلسطين قبل عملية "طوفان الاقصى" وبعدها ، ووضحنا أن هذه العملية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية ليست سوى ردٍ بسيطٍ على المجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني من قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم. وأود التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي أولاً وأخيراً قضية عَقَديِّة إسلامية عربية إنسانية ، فهي لا تقتصر على الشعب الفلسطيني وحده ولكن لسوء وبطش الحكام أصبح الشعب الفلسطيني وحيداً مدافعاً عن قضية الشرفاء والمسلمين، مدافعاً عن مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم "المسجد الأقصى" ومدافعاً عن جميع المقدسات الإسلامية في فلسطين. رسالتي الى الجميع "استيقظوا من سباتكم فوالله إن القضية الفلسطينية ليست بحاجةٍ لأحدٍ منا بل نحن بحاجتها فهذه القضية ترفع شأن مناصريها ولا أحد يرفع شأنها أو يضيف لها أي إضافة.
أُعيد وأكرر القضية الفلسطينية، قضية الرجال الشرفاء الأحرار أصحاب كلمة الحق وأصحاب العقيدة والإيمان، وأكاد لا ارى هؤلاء الرجال إلا على أراض فلسطين عموماً وفي قطاع غزة الحبيب خصوصا.ً
والسلام ختام …