اثر الفراشه المسنه.
العجوز المسنه...
فلنعد بالشريط من النهاية للبداية.
إنها تعيش وحدها الآن في الخامسة والستين من العمر.
مصابة بهشاشة العظام، وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم.
كان ذلك كله نتيجة طبيعية، تربت في بيت كان يؤمن بالسمنة ويقدسها، ويعيش نمطًا حياتيًا كاملاً من السمن والدهون والشحوم والسكر والسيدات المكتنزات... وانعدام الاهتمام بالرياضة، فهذا عيب.
وبالتأكيد، اختارت أم لم تختار، أنجبت ستة أبناء، في بيئة صحية خاملة، وبدون ترتيب أو اعتناء من نفسها أو زوجها.
تركها الأبناء جميعًا وتزوجوا (فبالطبع، لا يبقى الأبناء ولا حرية لهم للاختيار، والبعض قريبون منها، ولكنهم منشغلون حاليًا بحيواتهم).
لم يخرج من أبنائها عالم ذرة أو فلك مثلًا، رجال عاديون ونساء عاديات، لم تعمل، وتنتظر معاش زوجها الذي توفي قبل عام.
لم تصر هي على العمل والتعليم، فتلك بدع وأباطيل، في عقلها المرأة تدلل ولا تعمل.
وبمناسبة الدلال، لم تر منه شيئًا، ربما لم يكن زوجها يضربها ضربًا مبرحًا، ولكنه كان عنيفًا بلا شك، ضيق الحال جعلهم جميعًا كالخدم للأطفال، رضي الزوج بأي عمل ليقوم على البيت، ولم يكفه، ضاعت أحلامه وطموحاته، كرهها سرًا ولم يفصح، ولم تعجبه يومًا، ولم يكفها يومًا.
كانت ترى أن الأطفال عزوة، ولا ندري أكان ذلك لأنها نوت أن تصنع منهم جيوشًا مثلًا، لا ندري!
كانا مختلفين في الطباع والتفكير، والتعبير والخيالات، ولم يتعلما يومًا إسعاد بعضهما البعض، كان عيبًا أن يفكرا بذلك.
كانت متدينة تدينًا ساذجًا درويشيًا لم يختبر. لم يبنِ أي شيء سوى هذا البيت، الذي افتقر للدفء، وامتلأ بسوء الاختيار، ولكنه استمر على أي حال.
حين اختارت الزواج، لم تسعَ لاختيار رجل صالح ذكي وطموح، وليس خطأها فكل من حولها كانوا يقبلون بأول طارق للباب.
وكان الرجال وما زالوا مشبعين بعقليات ذكورية وضيعة، مليئة بالخوف من تلك المرأة الجديدة، والتأهب لها وإخافتها، وبالتأكيد لا ينوون حب زوجاتهم، فغالبيتهم لم يتعلم الحب، وخبراته محدودة، من تجارب سيئة، وأنهوا عواطفهم وشهواتهم خارج الزواج بالفعل.
الزوج حينما كان صغيرًا، كان في حلقة الدلال تلك، لا يحاسب، لا يعنف على أخطائه، تشرب الدلال من أم وأب ومجتمع تودد إليه ظنًا أنه الأقوى وأنه باقٍ، فأخرجوا كائنًا متغطرسًا محدود الأفق، مؤذيًا لمن حوله غير مهذب السلوك دون أن يشعر.
تمت تربية أخته معه على السمع والطاعة والتمييز بينهما، فكبر بأفضلية مطلقة، وعدم التمييز بين الظلم والعدل والصواب من الخطأ.
كانت الكفة دومًا في صالحه.
كبر الزوج وكان رجلًا متوسطًا عاديًا مغرورًا، لم يشعر يومًا أنه بحاجة لفعل المزيد، كيف وإن كان شعر بكل قبول العالم بدون شرط، أو ربما بإهمال العالم، وتشرب عنجهيته وغطرسته من المجتمع وتشوه الدين بالفطرة.
في ذلك الحين كانت الفتاة تكبر في حين آخر، قاموا بتربيتها وضبطها ضبطًا عجيبًا، كانت تجيد كل شيء، طهو، أعمال منزل، حياكة، وقراءة، والدراسة. كل ذلك ولكن بدون خبرة حقيقية، أو قبول غير مشروط.
يجب أن تكون ملابسها، صوتها، شكلها، كل شيء ممتازًا.
في أول مرة تعرضت لمحاولات من التحرش، أخبروها أنها فتاة مهذبة، ولا ينبغي عليها أن يكون لها رد فعل، بقيت خائفة من الغرباء والأقارب أعوامًا، ولكنها لم تبح، ليس مسموحًا لها بالتعبير وكسر تلك الصورة النمطية.
كبرت الفتاة وتحجبت، كم المحاذير لم تعينها على اختبار الحياة، فلم تعرف كيف تختار أحدهم ولم تختاره.
أجبروها على اعتزال الحياة مبكرًا بأعراف واهية، في وقت كنا فيه بحاجة لها وله ولغيرها.
.........
ماذا لو تعلم الآباء عن التربية قبل أن ينجبوا؟
وماذا لو عرف الناس أنفسهم قبل أن يتزوجوا؟
ماذا لو نالت المرأة حقوقها في التعليم والعمل والوعي؟ لعل ذلك ينقلنا جميعًا لمكان آخر؟
ماذا لو ربينا الذكور؟
ماذا لو وفرنا الحماية؟
ماذا لو قاومنا كل الأعراف المختلة وكل الظلم؟
ماذا لو كففنا عن الترديد دون الفهم؟
ماذا لو أحسن الناس اختيار أزواجهم وزوجاتهم؟
ماذا لو كففنا عن التعقيدات وانعدام الخيارات في كل شيء؟
ماذا لو اهتممنا بالأنماط الصحية والمستوى المعيشي؟
ماذا لو انتهى أثر اختيارات غافلة على المستقبل؟... ماذا لو كانت الفراشة أكثر وعيًا؟ لكان اثرها اعظم بالتأكيد