قصه خيالية من الواقع لسودانى ؟ !

قصه خيالية من الواقع لسودانى ؟ !

0 المراجعات

هذه قصة تصلح لتكون فيلما سينمائيا مثيراً .. فهي قصة امتدت أحداثها من أرض السودان حيث نال الشاب «باقر» شهادة إتمام الدراسة الثانوية 

لكن الجامعة في السودان آن ذاك لم تكن تستوعب كل الناجحين وهو كان يريد ان يدخل كلية الهندسة وكان من حسن حظه أن تدفقت على بلاده في أواخر الستينيات المنح 

والبعثات الدراسية من شرق أوروبا بالتحديد وكان نصيبه إحدى تلك المنح. فسافر «باقر» إلى شرق أوروبا .. وبالتحديد بلاد التشيك 

وهناك تعرف فيها أثناء دراسته على فتاة ذات عينين خضراوين وقوام فارع وشعر ذهبي ... ولم يشأ الشاب السوداني القروى أن يستسلم لنزوات الهوى. 

فقرر أن يتزوج بها ليعف نفسه. وكان له ما أراد برغم ما صادَفَهُ من عقبات استطاع أن يتغلب عليها وجاءت مريم الصغيرة كنتاج طبيعي لزواج شرعي . 

وأنهى «باقر» دراسته بتفوق وعاد ومعه شهادته الكبيرة التي طالما تمناها وفي يده زوجته التشيكية وطفلته التي منحها اسم أمه «مريم». 

وكان يوماً مشهوداً في تلك المدينة السودانية التي احتفلت بولدها العائد بعد غيبة طويلة وكعادة أهل السودان نُحرت الذبائح وتوافد المهنئين على الدار المتواضعة. 

وكانت مريم الصغيرة محل اهتمام الجميع وحرص أبوه الكفيف على أن تتم كل الطقوس كما لو كانت الطفلة ولدت في ذلك اليوم وفعلا قُرِئَتِ الشهادةً فى أذنيها . 

فكل ما كان يهمه أن تكون المولودة حفيدته مسلمة. ووجد «باقر» نفسه وزوجته وابنته محط الأنظار في المجتمع الجديد حيث استحوذت الطفلة على محبة من حولها بمن فيهم مدرسات «الروضة»، والجيران. 

ونجحت الطفلة فيما فشلت فيه الأم الأجنبية بأن تستقطب ود الجميع وأن تجيد لغتها وتتعلم أصول وتعاليم دينها الإسلام وأن تتواصل مع أفراد المجتمع الذي تعيش فيه .

. في حين أن الأم لم يرقها الحال فمياه الشرب بالنسبة لها ملوثة وارتفاع درجات الحرارة مشكلة والتعامل مع الناس مشكلة أكبر وذلك فضلاً عن افتقادها لأساليب اللهو والترفيه بجانب افتقادها لمتطلباتها التي لا تجدها في السوبر ماركت المتواضع في مجتمعها الجديد... 

وفي نهاية المطاف فهي عاطلة بلا عمل كل الذي تفعله البقاء في المنزل ورعاية الزوج والطفلة وكل ذلك لا يروقها بل ينغص عليها حياتها. لقد تراءى لها أن هذه حياة لا تطاق .. 

فأين ضجيج ديسكو الذى كانت تسمعه؟ وأين الحفلات التي كانت ترتادها؟ . وفاتحت الزوجة زوجها باقر بأنها لم تعد تحتمل البقاء والعيش في السودان وأنها ترغب في العودة لبلادها. 

وفاجأته بأنها عائدة ومعها طفلتها.. وجن جنون زوجها وهددها وتوعدها فأيقنت بألا فائدة في حين واتت لها أمرًا جَلَلاً. 

فتحينت فرصة غيابه في مأمورية خارج المدينة واتخذت أخطر قرار وهو الهرب ومعها ابنتها «مريم».. ولكن لم تأخذها ابنتها معها إلى بلادها وإنما قصدت إحدى الراهبات الإيطاليات العاملات في المجال الإنساني في المنطقة وأقنعتها بقسوة الزوج و باستحالة الاستمرار معه ثم بضرورة إبعاد الطفلة عنه لأنه سيحولها إلى مسلمة خطرة .. 

وصدقتها الراهبة واحتفظت بـ مريم لتهرب الأم إلى بلادها خالية من كل مسئولية بعد أن تخلت عن أمومتها تماما . 

وكأن شيئًا لم يكن كعادة اهل الغرب فقد اختارت بسهولة محو فترة زمنية كاملة من حياتها. وبعد فترة من الزمن عاد باقر من مهمته ومفاجأته المفجعة. 

كاد أن يُجَنِّ ولجأ إلى أهل القانون وغيرهم بدون جدوى فلم يجد من يرشده إليها أو يدله عليها وقنع بمصيره. 

و بالمصادفة نقل له أحد زملاء دراسته بموت زوجته الأجنبية في حادث مرور مروع من قبل سنوات. 

ولم يجد من يخبره عن مصير ابنته مريم.. هل كانت مع أمها عندما وقع الحادث؟. فهل ماتت ؟؟؟ تساؤلات كانت تلح على باقر ولا يجد لها إجابة مما أدخله في ساحة واسعة من الأحزان والأشجان خاصة بعد أن حصل على عنوان أسرة زوجته التي كتب لها أحوال ابنته فجاءه ردُّهم سالب فقالوا له : كنا نظن أنها لا تزال معك!

المفاجأة انه لم يكن يتوقع ذلك متسائلاً ان ابنته كانت هي الأخرى مع أمها؟ التي لم يكن يعرفه الأب أن زوجته الأجنبية عندما قررت مغادرة السودان نهائيا . 

فقد أودعت الطفلة عند راهبة إيطالية اسمها «إيفا» تعمل بمنطقة ريفية.

وكانت مريم زهرة نضرة في حوالى الرابعة أو الخامسة من عمرها أن ذاك. واتخذتها «إيفا» ابنة لها وكبرت مريم فى حضن الراهبة العجوز التي أخذتها معها إلى إيطاليا عند نهاية المطاف.

وتعلمت مريم - أو ميري كما أسمتها الراهبة - حتى تخرجت طبيبة وتخصصت فى معالجة بالتخدير . وكل ما تعرفه ميري أن أمها «إيفا»، وكل ما يربطها بماضيها ألبوم صور يحتوى على صورها منذ الصغر وصورة بيت من القش كان مأواها في السودان مع أمها الراهبة وصورة سيدة أجنبية قالت «إيفا» إنها صديقة 

ويبدو أن «میری تحاشت النبش مع أمها «إيفا» فيمن يكون أباها لأن الاسم الذى تحمله هو اسم عائلة أيفا - كومفتو.

ودارت الأيام والسنين التي نسجت أغرب لقاء بين أب مريض وطبيبة شابة وذلك حين تملكت الأب باقر آلام مبرحة عجز الأطباء في بلاده عن معرفة كنتيها 

وأشاروا عليه بضرورة فحصه في إحدى المستشفيات بالخارج وخصوصاً أن جهة عمله بالسودان قد تكفلت بمصاريف علاجه في الخارج.

وكانت إرادة الله أن يتوجه إلى مستشفى تخصصي شهير في منطقة «بادوفا» الإيطالية حيث تعمل ابنته (مريم) ضمن فريق الأطباء المعالج له.... 

ففى غرفة العناية المركزة وبرغم إجهاده و عذاباته وآلامه وجد نفسه منجذبًا إلى فتاة خمرية اللون. قدمت له نفسها بعفوية الأوروبيين ميري كومفتو طبيبة التخدير . 

وبعد نجاح العملية وسعادة المريض باستئصال الآلام المبرحة، كان باقر منشغلاً وساهما يفكر فى طبيبة التخدير تلك الفتاة التي دلفت إلى حجرتها وفى حضنها باقة ورد وهى تهنئه بالشفاء فتمتم بعبارات باللغة العربية شاكرا وممتنا لها اهتمامها به ... 

فسألته على الفور من أي بلاد العالم جاء؟ فقال لها: «السودان» .. وما إن سمعتها كأن إبرة شككتها في الأعماق.

وعندما عادت الطبيبة ميري إلى دارها نقلت لأمها الراهبة خبر هذا المريض السوداني فشجعتها على دعوته للعشاء في الدار عندما يغادر المستشفى

 فرحبت میری بهذه الفكرة وخصوصاً أن شيئًا فيه يجذبها نحوه ربما لأنها أمضت فجر طفولتها في ذلك البلد كما أفهمتها أمها الراهبة 

ولكن كان هناك تساؤل يلح في صدر میری: لماذا رحبت أمها بهذا المريض السوداني بالذات؟ .... 

وفى الوقت ذاته كانت الأم إيفا تمنى نفسها بلقاء الضيف المجهول عله يعيد إلى نفسها بعض الذكريات ويحدثها عن الحال في تلك البلاد التي رحلت عنها قبل عقدين من الزمان .

وجاء اليوم الموعود الطبيبة الشابة متعلقة بمريض ليس أول مرضاها أو آخرهم.. والراهبة العجوز تتوق وتتحرى للقاء شخص غريب من بلد تعرفه 

وعاشت فيه وعادت منه بطفلة أحسنت تربيتها ولا تدرى من أمر أبيها وأمها شيئًا كل ما تعرفه وحسب رواية الأم الحقيقية أن الزوج كان أسوأ الأزواج . 

وحضر المريض السوداني باقر إلى منزل الطبيبة الشابة وأمها الراهبة في الموعد المحدد وما إن دخل إلى غرفة الاستقبال حتى فوجئ بخريطة للسودان معلقة على أحد حائطها . 

وبدأ يسأل نفسه في إلحاح صاخب : كيف تكون هذه العجوز البيضاء أما لهذه الطبيبة السمراء ؟! . . . ثم هل تتزوج الراهبات حتى ينجبن ؟! . هل هي حفيدة لها؟... هل هي أم بالتبني؟ 

. . ثم ما علاقة السودان بمضيفه ؟ ... 

تساؤلات عدة أخذت تراود نفسه الحائرة التي لم تهدأ حتى ناولته الأم إيفا ألبوم صور ليرى كيف كانت تعيش هناك. 

ثم لم يلبث أن تمعن في معانى كلمات العجوز إيفا: نحن سعداء بك في دارنا لأنك تنتمى لبلد نعرفه عشت فيه وعشقته. 

وعدت منه قبل ٢٥ عامًا ب(ميرى) هذه التي أفنيت عمرى فى تنشئتها وتربيتها حتى صارت طبيبة تعتنى بأمثالك من المرضى وتحول العشاء في تلك الدار إلى ميلودراما

 عندما سأل باقر عن اسم میری .. فقالت له العجوز أصلاً كان الاسم مريم وفجأة تحول الموقف إلى بؤرة مشاعر ملتهبة خاصة وهو يرى في الألبوم صورة زوجته الأجنبية السابقة ... 

لقد صُعق فسألها : ما علاقتك بهذه السيدة ؟؟! وتمتمت العجوز: مجرد صديقة قابلتها في بلادكم.. عندئذ أيقن باقر أنه أمام ابنته لحما ودماً . . 

فاختلطت المفاجأة بالفرح والمشاعر بالدموع وهو يهتف بابنته : أخيراً .. يا مريم وجدتك !.

وتهاوت ابنته في أحضان أبيها وهى تجهش بالبكاء.. نعم أخيراً وجدتك يا أبي .. أبى . . تلك الكلمة التي لم أنطقها منذ مولدي إلى الآن. 

وهكذا نجد أمامنا قصة شابة ممزقة حائرة فهي إيطالية الآن بالتجنس ولديها مسكنها ووظيفتها ومستقبلها وهى سودانية بالمولد الأبوي 

لكن السودان لا يعنى شيئًا بالنسبة لها لأنها فارقته وهى ابنة الخامسة ولكنها اكتشفت وجود والدها أخيراً على ظهر الحياة. وكم هي الآن سعادتها غامرة أن وجدت .

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

185

متابعين

21

متابعهم

2

مقالات مشابة