شبه الجزيرة العربية

شبه الجزيرة العربية

0 reviews

العرب شعب سامي يرتبط مع غيره من الشعوب السامية بروابط اللغة  والأصل والموطن القديم، وهم أبناء الأمة العربية في أبعادها الحالية الممتدة من المحيط إلى الخليج. فهؤلاء العرب الذين يقطنون تلك البقاع قد جمعهم التاريخ المشترك واللغة المشتركة والمصير المشترك وأصبحوا يمثلون وحدة روحية وثقافية في عالمنا الحديث.

وقد جرى بين الباحثين كثير من التساؤل عن وجود أسس عنصرية للأمة العربية، وبذلت جهود كثيرة لتحرى أسس هذه الوحدة مها ما بني على أصل الساميين في الجزيرة وهجرتهم منها إلى شرق البحر المتوسط، وغير ذلك من الآراء والاتجاهات، فالجنس العربي ليس بدعة في ذلك وليس بحاجة إلى تحري أصوله بين الحفريات.

فالعرب تاريخ وحضارة وثقافة وليسوا خصائص عنصرية أو عرقية. لقد كانت فكرة العرب تتحكم في تفكير الباحثين في طبيعة الوحدة القومية، ولكن سير التاريخ واتباع نطاق البحث في حركات الأمم والشعوب قد أثبتت إنالعرق الموحد الصافي لا يمكن أن يوجد في أية منطقة من مناطق الأرض .

ولقد شهدت المنطقة العربية امتزاج الكثير من الشعوب خلال عصور التاريخ ومع ذلك فإن الجنسين الغالبين في أصولهما هما:

1-                        الجنس السامي الذي كان منتشراً في غرب آسيا قبل ظهور الإسلام.

2-                        الجنس الحامي الذي كان منتشراً في شمال إفريقيا منذ أزمنة بعيدة.

وكلاهما فرع من عنصر البحر المتوسط، ويرى بعض العلماء مثل هروزني وبارتون إن الساميين والحاميين يرجعان إلى أصل مشترك، وإنهم أتوا من مكان واحد. ويقول العالم هروزني إن هذا المكان هو منطقة القفقاس وبحر الخزر " وإن سوريا كانت محطة لهم ومنها تفرقوا إلى مصر وبلاد الرافدين وغيرها". ويكاد الباحثون يتفقون على أن مهد الشعوب السامية هو الجزيرة العربية أو جزيرة العرب، ومن القسم الجنوبي بالذات. وقد عين البعض نجداً، والبعض الآخر ذكر العروض ولا سيما البحرين التي كان يقطنها الفينيقيون الذين هاجروا منها فيما بعد. ويجعل البععض وهم قلة، موطن الساميين أرض بابل أو مكاناً آخر في الععراق، وهؤلاء المؤرخون متأثرون برواية " العهد القديم" القائلة بأن أقدم ناحية عمرها بنو نوح هي أرض بابل، ومن أشهر القائلين بهذه النظرية بعض المستشرقين، منهم فون كريمر وجويدي وهومل 1879م.

وقد اهتم الباحثون الغربيون بهذه الدراسات السامية، وكان ممن ذهب إلى أن الموطن الأصلي لجميع الساميين هو جزيرة العرب، العالم الألماني شبرنجر 1861م، إذ يرى أن نجدا هي موطن الساميين وقد زحفوا منها إلى ا لهلال الخصيب وطبعوه بالطباع السامي. " ومن هذا المخزن خرجت طبقات من البشر وسكنت في هذه الأرض التي اتسمت بالسامية"، وأيد هذه النظرية سايس الذي قرر أن جميع الروايات والآثار الساممية تشير إلى أن جزيرة العرب هي الموطن الأول الذي ظهر فيه الساميون.

على أن الثقات من الباحثين يرجعون أصل الساميين إلى جزيرة العرب. ولما كان العرب قد سكنوا الجزيرة زمناً أطول مما سكنه غيرهم، وقد تأثروا بمحيط هذه الجزيرة أكثر من سواهم فإنهم لذلك أصدق الشعوب السامية تمثيلاً للسامية وأحفظهم لخصائصها.

واهم الشعوب السامية : البابليون والآشوريون والأموريون والكنعانيون والفينيقيون والعبرانيون والعرب والأحباش.

لقد خرج الساميون من الجزيرة العربية في هجرات متعددة إلى الهلال الخصيب. وكانت هذه الهجرات بداية عصر حضاري في المنطقة ويعزى خروج هذه الشعوب في رأي بعض العلماء إلى أنه شبه الجزيرة العربية كانت في العصور القديمة خصبة التربة، تمتاز بغزارة الأمطار ووفرة المياه وكثافة الغابات وضخامة الأشجار. وأنها كانت مأهولة بالسكان ميسورة المياه، وإن جوها كان خيراً من جو أوروبا في العصور الجليدية، إذ كانت الثلوج تغطي معظم أرض أوروبا في هذه العصور، ثم تغير الحال وتغير الجو عامة في العصر الحجري الحديث فذابت الثلوج بالتدرج وتغير جو الجزيرة العربية من خصب إلى جفاف مما دفع سكانها إلى الخروج في هجرات متتالية.

وأهم هذه الهجرات:

الهجرة الأولى: كانت سنة 3500 ق.م. واتجهت إلى الشمال الشرقي أو إلى وادي الفرات الأدنى، ومنها نشأت حضارة البابليين والآشوريين.

الهجرة الثانية: كانت سنة 2500 ق.م. أي بعد 1000 عام من الهجرة الأولى.

وقد نزح في هذه الهجرة الأموريون والكنعانيون والفينيقيون إلى سوريا وسواحل البحر الأبيض المتوسط الشرقية. وقد نزل الكنعانيون غربي الشام وفلسطين وانتشر الفينيقيون على طول الساحل السوري، والآراميون إلى جنوب الشام (فلسطين) ومن بعدهم ( السريان) إلى داخل سوريا – أي سهل البقاع -.

الهجرة الثالثة: كانت سنة 1500 ق.م. وقد نزح في هذه الهجرة العبرانيون والآراميون، إلى جنوب الشام (فلسطين) ثم نزح الأنباط حوالي 500 ق.م . ثم انطلق العرب المسلمون في القرن السابع الميلادي في فتوحاتهم الكبرى التي امتدت إلى أطراف الصين وغرب أوروبا.

هذه هي اهم الهجرات، وهناك هجرات أخرى لم يكن لها مثل هذه المكانة التاريخية، على أن الفتح الإسلامي كان الانطلاقة الكبيرة التي انطلق العرب منها إلى هذه البلاد وامتزجوا بأهلها وأقاموا دولتهم الكبرى التي امتدت فيما بعد من المحيط إلى الخليج. ونذكر في هذه المناسبة ما قاله الدكتور فيليب حتي:" إن البابليين والكلدانيين والحثيين والفينقيين شعوب كانت ثم زالت، أما العرب والمتكلمون بالعربية فإنهم كانوا ولا يزالون".

وكذلك زحف عدد من الأسر السامية إلى إفريقيا وإلى مصر بالذات قبل أيام الأسر الفرعونية، على أنه في شمال إفريقيا ، اختلط الأصل الحامي بجنس أشقر جاء إليها في الألف الثاني قبل الميلاد، وهو جنس يشبه سكان أوروبا الشمالية الغربية يتميز أهله ببياض البشرة واستطالة الرأس وطول القامة. وعلى أي حال فإن ظرية العلاقات على أساس الدم والعرق أو العنصر لم تعد في عصرنا هذا ذات أثر عميق في علاقات الشعوب. فهناك عوامل أخرى تعمل على الجمع بين الأمم المختلفة أو إيجاد الفرقة بينها.

هناك عوامل كثيرة أقوى من العنصرية منها، اللغة الواحدة والمنطقة الجغرافية الواحدة والتاريخ المشترك والمصالح الاقتصادية المشتركة المتكاملة، والمصير المشترك.

إن الجزيرة العربية كانت موطن العرب الأول، ولكن الهجرات المتتالية نحو الشمال ابتداء من 3500 ق.م . ثم الروابط التي وجدت منذ القدم، جعلت بلاد العراق وسوريا الطبيعية – أي لبنان وسوريا والأردن وفلسطين – ومصر وشمال إفريقيا ، بلاداً عربية لغة وتاريخا وتراثاً ومصيراً.

أما حدود العالم العربي فهي: من الشرق سلسلة جبال زغروس الفاصلة بين العراق وإيران، ومن الغرب المحيط الأطلسي وراء ساحل مراكش، ومن الشمال سلسلة جبال طوروس التي تفصل تركيا عن الهلال الخصيب، ومن الجنوب المحيط الهندي وأدغال إفريقية والصحراء الكبرى.

وتشمل الأقطار العربية التي تقع في آسيا، جزيرة العرب والهلال الخصيب الذي يتألف نصفه الشرقي من العراق ونصفه الغربي من سوريا الطبيعية، وهي وحدة جغرافية وطبيعية تمتد من جبال طوروس في الشمال إلى صحراء سيناء في الجنوب، وبين طرفي الهلال الخصيب تقع بادية الشام، وهذا الهلال امتداد المستطيل الصحراي وشبه الصحراوي إلى الجنوب أي الجزيرة العربية نفسها.

وفي إفريقيا استوطن العرب وادي النيل – مصر والسودان – وانتشروا على طول الساحل من مصر إلى مراكش، وتشمل إفريقيا الشمالية المغرب العربي المؤلف من ليبيا وتونس والجزائر الواقعة على ساحل البحر المتوسط. ومراكش الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي في المغرب الأقصى.

وهذه الأقطار العربية تؤلف بقعة عربية واحدة تحوي مختلف أنواع المناخ والتربة، والموارد الطبيعية، فهي تكمل بعضها بعضاً وتؤلف مجموعة طبيعية ومنطقة اقتصادية متكاملة وشعبا عربيا واحدا تشده روابط اللغة والتاريخ والتراث والمصير المشترك.

والجزيرة العربية في ما نرى هي المنطلق الأول لهذه الأمة فلا بد من ذكر نبذة موجزة عنها:

تشكل الجزيرة العربية قطعة مستطيلة مساحتها مليون وربع من الأميال المربعة. يحدها من الغرب البحر الأحمر، ومن الجنوب بحر العرب، وقسم من المحيط الهندي ومن الشرق بحر عمان وخليج البصرة، ومنهم من يرفع حدودها في الشمال إلى الفرات وحلب ومنهم من يدخل العراق وشرق الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان ضمن هذه الحدود، على أن أكثر الجغرافيين يرفعون الحدود إلى بادية الشام حيث تندمج فيها تدريجياً.

عرفت بلاد العرب منذ الجاهلية باسم جزيرة العرب، مع أنها في الواقع شبه جزيرة ولكنهم غلبوا عليها اسم جزيرة وذلك استناداً إلى وصف جغرافي العرب في القرون الوسطى حيث يجعلون حدودها الشمالية نهر دجلة ومنعطف نهر الفرات والبحر المتوسط، أي يرفعون حدودها ويجعلون الهلال الخصيب جزءاً منها. وهذا التخطيط الجغرافي لجزيرة العرب، قد أقر به قدماء الكتاب من قبل ظهور علم الجغرافية عند العرب بقرون عديدة، وذكروا أن الهلال الخصيب جزء من جزيرة العرب. وبذلك قال المؤرخ القديم بليني في إن حدود جزيرة العرب تمتد إلى جبال أمانوس وتضم مدينتي الرها وحران.

تقسم الجزيرة من حيث الطبيعة الجغرافية إلى أقسام: فيها الجبال الفاصلة والأراضي الخصبة والصحاري الشاسعة، ومناطق الخصب فيها الأودية والواحات، إذ ليس فيها ينابيع دائمة وليس فيها بحيرات ولا أحراج، وجوها على ا لعموم حار غير إنه في المناطق الجبلية بارد ليلاً، ولا سيما في الشتاء ومعتدل بعض الاعتدال في الأماكن المجاورة للأودية.

تهب رياح على الجزيرة منها ما تعدل المناخ ومنها ما تحمل الرمال والحرارة وأشد هذه الرياح السموم.

وليس هناك انتظام في هطول الأمطار، فهي في بعض المناطق تهطل بشدة ثم تنقطع فجأة، أما الجبال فتعلو في الغرب، وفي منطقة الحجاز، وفي الجزء الأوسط من منطقة عسير، ثم في الجنوب أي في اليمن حيث توجد أعلى مرتفعات الجزيرة التي تبلغ 1200 قدم فوق  سطح البحر ثم تنخفض نحو الشرق والشمال إلى هضبة نجد.

أما في الجنوب فتنخفض حتى تبلغ السهول الصحراوية في الربع الخالي. ثم تعود فترتفع فجأة في الشرق في جبال عمان، وتنحدر إلى الساحل محاطة بسهل ساحلي ضيق وبعضه محاط بسلاسل من الجبال.

هذه الجبال تقطعها الأودية التي تجري فيها السيول في بعض فصول السنة، فتظهر الأعشاب والمراعي حولها ويلاحظ أن مناطق الخصب موجودة في الأودية اكثر من غيرها، ومن هذه الأودية وادي الرمة.

والصحاري في الجزيرة العربية على نوعين: النفوذ في الشمال، الدهناء في الشرق، ويليها إلى الجنوب الربع الخالي، وتتفاوت تربة ا لجزيرة في إنتاجها ومحاصيلها، فتوجد بعض النباتات في الأودية وفي الواحات. وفي الصحاري توجد الأعشاب اليابسة، وأشجار الجزيرة قليلة وأهمها الحناء والنخل، وتعد النخلة الشجرة الرئيسية فيها. ويزرع قليل من القمح وكثير من الشعير في جهات مختلفة، كما يزرع الأرز في عمان والأحساء، والكرمة في عدة جهات كالمدينة والطائف، ويزرع التفاح والرمان والبرتقال والموز في جهات قليلة إلا أن التمر هو المحصول الأول في مختلف الجهات.

وقد قامت في بلاد العرب في الجزيرة نفسها وفي الهلال الخصيب حضارات عريقة، كحضارة الآشوريين والبابليين والفينيقيين، إلى جانب الحضارة التي شهدتها اليمن كما يدل على ذلك تاريخها وإن كان ما وصلنا عن هذه البلاد قليلا لضياع كثير من آثارها نتيجة للعوامل الطبيعية والجغرافية ولأن المنقبين لم يستطيعوا بعد التوغل توغلاً كاملاً في تلك البلاد واكتشاف ما خلفه القدماء من آثار.

وتأتي الدراسات والاكتشافات الحديثة لتجلي بعض الغموض عن تاريخ اليمن القديم، فقد كان لليمن مدنية عريقة منذ 1200 ق.م. حيث قامت بها ممالك عدة – مملكة معين ومملكة سبأ ومملكة حمير – وكان لليمن مركز تجاري مرموق، وكانت حالتها الزراعية مزدهرة وقد وصفت في المراجع القديمة على أنها بلاد غنية مترفة إلى درجة أطلق اليونانيون والرومانيون عليها لقب بلاد العرب السعيدة، وقد ذكرت ببعض المراجع باسم " اليمن الخضراء".

ونحن نستدل على حضارة عرب الجنوب أي اليمن من النصوص القديمة من كتابات اليونان والرومان وبعض المراجع العربية القديمة التي ترجع إلى القرن الثامن الميلادي منها وهب بن منبه، والهمذاني في القرن العاشر في كتابه " صفة جزيرة العرب" أو كتاب " الأكليل" للهمذاني أيضا الذي تحدث فيه عن آثار اليمن. وكذلك نشوان بن سعد الحميري في القرن الحادي عشر وهو صاحب كتاب " شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم". وقد اهتم الباحثون الأجانب في التنقيب عن تلك الحضارة، وتمكنوا من العثور على بعض المعلومات في الكتابات القديمة التي اكتشفت على الحجر – أو حجر المعدن – وترجع إلى القرن الثامن.

ومن المنقبين الأجانب نيبور المتوفي سنة 1772م وهلفي سنة 1870م وأدوار كلازر سنة 1894م كما أن المنقبين العرب في هذه المناطق أحمد فخري (حي) وخليل يحيى نامي (حي) وغيرهم. وفي شمال الجزيرة قامت دويلات عربية منها الأنباط في الشمال الغربي وهم أحد الشعوب العربية حينذاك، وتدل على ذلك الأسماء العربية الواردة في  النقوش.

وقد اتخذت هذه الدولة عاصمتها " سلعا" أو " ا لبطراء" وكان لها مدنية زاهرة في القرنين الثاني والثالث ق.م. والأول بعد الميلاد وقد قضى على هذه الدولة الرومان سنة 106م.

وقامت الدولة اللحيانية في الشمال أيضاً في مدائن صالح وعاصرت دولة الأنباط واتصلت حدودها بحدودهم وكان لها شأن يذكر، على أن التاريخ لا يذكر كيف انتهت هذه الدولة.

ومن الدول أيضا، دولة تدمر في صحراء الشام ولها مع الرومان حوادث كثيرة، وقد اشتهر من ملوكها ملكة تدمر" الزباء" التي أسرها الرومان وظلت تحت حكمهم إلى أن فتحها العرب بقيادة خالد بن الوليد.

وكذلك قامت قبل الإسلام بقليل دويلات عربية، منها دولة اللخميين في العراق وكانت تخضع للفرس، ودولة الغساسنة في الشام، وكانت تخضع للبيزنطيين، وكان سبب قيام هاتين الدولتين النزاع المستمر بين دولة الفرس شرقا ودولة البيزنطيين شمالا وغربا، وكلاهما متاخم للجزيرة العربية.

وقد اتخذ ذلك النزاع بين الدولتين الكبيرتين ميدانا له بلاد العراق وسوريا وفضلا على ما كان من نزاع بينهما فقد كانت القبائل العربية تتسرب أحياناً إليهما فتحدث فيهما بعض الاضطرابات، ولهذا تطلعت كل من الدولتين المتاخمتين إلى الاستيلاء على المناطق المجاورة لهما في الجزيرة العربية، ولو بطريق غير مباشر فنصبت كل منهما ملكا يحميها من غزو أعدائها ويساعد على تنظيم هذه الدولة، ويمنع تسرب القبائل العربية إلى الداخل.

فنشأ اللخميون على حدود فارس والغساسنة على حدود الرومان ولعبت هاتان الدولتان دورا كبيرا في تاريخ العلاقات بين الفرس والروم والبلاد العربية.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

224

followings

588

followings

6653

similar articles