
البُعد رغبة، الظروف ليس لها أي علاقة 💔
البُعد رغبة، الظروف ليس لها أي علاقة 💔
كثيرًا ما نسمع أحدهم يقول: "ليست المسافة السبب، بل الظروف أقسى من أن تحتمل"، لكن الحقيقة المُرة التي يحاول الكثيرون إخفاءها خلف أعذار أنيقة هي أن البُعد في الغالب قرار نابع من الرغبة، لا من الظروف. فلو كانت الرغبة موجودة، لذابت كل المسافات، وتهشمت أعذار الوقت، وتضاءلت التحديات حتى صارت لا تُرى.
العلاقات، سواء كانت حبًا، صداقة، أو حتى روابط عائلية، لا تنهار بسبب ضغوط الحياة أو انشغالات الأيام، بل بسبب الفتور التدريجي في الرغبة في الحفاظ عليها. عندما يتوقف الشخص عن السؤال، عن الاهتمام، عن المبادرة، فلا تلُم الحياة ولا انشغالاتها؛ اللوم يقع على تلك الرغبة التي انطفأت بصمت.
هل سبق أن رأيت شخصًا يحب بصدق ويقف بمنتصف العاصفة ليقول: "كنت مشغولًا جدًا لأرد"؟
هل سمعت عن أمّ تغيب عن طفلها لأن الحياة أثقلتها؟
الحب الحقيقي لا يعرف مواعيد ولا يبرر الغياب، بل يصنع المعجزات ليحضر ولو على هيئة رسالة، مكالمة، أو حتى دعاء صادق في ظهر الغيب.
نحن نُجيد تبرير البُعد بالظروف حين لا نملك الشجاعة للاعتراف أن القلوب تغيّرت. نُخدر أنفسنا ونُسكّن ألم الغياب بعبارات مثل: "الزمن قاسٍ"، أو "الحياة شغلتني"، بينما الحقيقة أن من يريدك، سيبحث عنك ولو في آخر ركن من الأرض، وسينحت الوقت نحتًا ليقول لك "أنا هنا".
البُعد اختيار، لا قَدَر.
هو قرار داخلي يسبقه فتور في المشاعر، ثم تراخٍ في الجهد، ثم انشغال متعمّد، وأخيرًا صمت بارد لا تبرره أي ظروف. ومن أراد أن يبقى، لن ينتظر تحسّن الأحوال ولا انفراج الأزمة، بل سيبقى على رغم كل شيء.
فلا تُحمّل الظروف ما لا ذنب لها فيه، ولا تُعطي الغائب أعذارًا زائفة، فالحقيقة البسيطة التي تؤلم أكثر مما تُريح، أن من يبتعد دون وداع، قد قرّر الرحيل منذ زمن، لكنه فقط كان يبحث عن فرصة ليعلّق الأمر على شماعة الظروف.
البُعد رغبة يا عزيزي، والقرب أيضًا رغبة. وكل ما بينهما، هو صدق النية أو كذب التبرير.
بقلم: د. ولاء بني يونس