
هل كان الشيخ الشعراوي يستمع إلى أم كلثوم؟ قراءة معاصرة لفتاوى الإمام في الغناء والموسيقى
يعود اسم الشيخ محمد متولي الشعراوي إلى الواجهة كلما تجدد الجدل حول “حكم الغناء والموسيقى”، حيث يُستند إلى آرائه بوصفها نموذجًا للتوازن بين ثوابت الشريعة ومقتضيات الذوق الفني.
السؤال الأشهر: "هل كان الشيخ الشعراوي يستمع إلى أم كلثوم؟ – وتتفرع منه قضية أكبر هي ضوابط الاستماع وآدابه في منظور الإمام الراحل.
«كنتُ أسمع… لا أتسمّع»
حين وُجِّه للشعراوي سؤال مباشر عن متابعته لأغاني أم كلثوم أجاب: “كنتُ أسمع، ولا أتلذّذ بالاستماع”.
الفارق – على حدّ تعبيره – بين السماع العابر والاستماع المقصود المترقِّب أنّ الأول لا يشغل المسلم عن واجباته ولا يجرّه إلى اللهو المحرَّم، بينما الثاني قد يُلهي القلب ويُضيّع الوقت.
هنا يضع الشيخ ضابطًا: الانشغال المفرِط الذي يصدّ عن الطاعة هو الممنوع، لا مجرّد وقوع الصوت في الأذن.
الغناء ليس حرامًا بإطلاق
يقرِّر الشعراوي أن «الأصل في الأشياء الإباحة»، فيُصبح تقييم العمل الفني رهنًا بأمرين:
المحتوى: ما يوقظ المعاني الرفيعة ويهذب الذوق مقبول، وما يثير الغرائز أو يهدم الأخلاق مرفوض.
التأثير: إذا تحوّل السماع إلى عائق عن العبادة أو العمل خرج عن دائرة المباح.
واستشهد الإمام بمواقف نبوية أُبيح فيها الغناء في الأعياد، وبترخيصه – صلّى الله عليه وسلّم – للجواري أن يضربن بالدف في الأعراس، مؤكِّدًا أنّ ما يعين على العمل الشاق أو يرفع الروح المعنوية في ساحات القتال لا يُعدّ من اللهو المذموم.

قصة شادية… وميزان «النية والمضمون»
عُرفت واقعة الفنانة شادية التي استشارت الشعراوي بعد قرار اعتزالها: هل أموال الغناء حلال أم حرام؟ فافتَاها:
احتفظي بما يكفي لحياة كريمة.
تصدّقي بالباقي ابتغاء مرضاة الله.
رسالة الشيخ: الفن في ذاته ليس محظورًا، وإنما يُوزَن بمقاصده؛ فإن حمل رسالة هادفة وخلا من الابتذال جاز الانتفاع بعائده.
بيت الشعراوي… والتلفزيون حاضر
رغم مسحة الورع في حياته، لم يكن الشيخ منغلقًا على الفنون الراقية؛ فقد روى أفراد أسرته أنّه كان يتابع بعض الأعمال الدرامية مع أبنائه ما دامت لا تخالف القيم.
هذا ينسجم مع مفهومی «الوسطية» و«فقه الواقع» اللذين طبعهما الشعراوي على فتاواه.

خلاصة الموقف الشرعي في كلمات الشعراوي
الغناء مباح إذا سَلِم من الفحش والإلهاء.
«أسمع» لا تعني «أتسمع»… والنية هي الفارق الحاسم.
القيمة الفنية والأثر التربوي هما ميزان الحكم.
المال الناتج عن فن راقٍ لا حرج فيه إذا حُفظ حق الله منه.
بهذه الرؤية يُعيد الإمام الراحل صياغة النقاش حول الفن والدين، رافضًا الأحكام المطلقة، وداعيًا إلى فصلٍ واضح بين الفن الراقي والمحتوى الهابط؛ ليبقى الشيخ الشعراوي شاهدًا على إمكانية التوفيق بين الشرع وجماليات الإبداع في آنٍ واحد.