عندما يأتي الحسد من الأقربين
مقدمة:
عدم حب الخير للغير، أو ما يُعرف بالحسد أو الغيرة، هو شعور قد يكون طبيعياً إلى حد ما، لكنه يمكن أن يتحول إلى شعور سام إذا زاد عن حده و لم يتم التحكم فيه،حيث اصبح منتشر اليوم بكثرة مقارنة بالسابق ، فهو شعور قد ينتاب العديد من الأفراد عندما يروا أن شخصاً آخر يحقق نجاحاً أو يمتلك أمراً يتمنوا أن يحصلوا عليه لأنفسهم، هذا الشعور قد يكون نابعاً من انعدام الثقة بالنفس، الشعور بالنقص، أو التربية التي تشجع على المنافسة السلبية بدلاً من التعاون والتعاطف، و لفهم هذا الشعور بشكل أعمق، من المهم التطرق إلى أسبابه النفسية والاجتماعية وتأثيراته وكيفية التعامل معه بشكل إيجابي.
*لنستعرض سوياً الأسباب النفسية والاجتماعية التي جعلت شخص ما يشعر بذاك تجاه غيره من الأفراد:
اولاً: انعدام الأمان الشخصي (فقدان الثقه بالنفس)
الشخص الذي يشعر بعدم الأمان بشأن حياته أو قدراته قد يشعر بأن نجاح الآخرين يزيد من عيوبه الخاصة، حيث يرى نجاح الآخرين كمرآة تظهر له نقائصه أو إخفاقاته، مما يجعله يشعر بالغيرة أو الحسد بدلاً من الفرح للآخرين.
ثانياً: التنافس الاجتماعي
تتمثل في تلك المجتمعات التي تضع نجاح الفرد على أساس المقارنة مع الآخرين سواء من حيث المال، السلطة، أو الشهرة، وكل ذلك يؤدي لتعزيز شعور الغيرة والحسد لديهم حيث أن هذا التنافس يخلق بيئة تجعل الأشخاص يشعرون أن نجاح الآخرين يأتي على حسابهم.
ثالثاً: الشعور بالنقص
الأشخاص الذين يشعرون بعدم الكفاية أو عدم الرضا عن أنفسهم غالبًا ما يعانون من مشاعر سلبية تجاه الآخرين، فهذه المشاعر قد تأتي من تجارب سابقة مثل الفشل أو الانتقادات المتكررة، مما يعزز من شعور الفرد بأنه لا يمكنه تحقيق النجاح الذي يراه لدى الآخرين.
رابعاً: الضغوط الاجتماعية والتوقعات العالية
في بعض الأحيان الضغوط التي يضعها المجتمع أو العائلة على الفرد لتحقيق مستويات معينة من النجاح قد تخلق بيئة تجعل الشخص يشعر بالإحباط إذا لم يحقق ما هو متوقع منه، فبالتالي يصبح أكثر عرضة للشعور بعدم حب الخير للآخرين.
خامساً: البيئة الأسرية
النشأة في بيئة مليئة بالحسد والتنافس السلبي قد تؤدي إلى تبني الشخص لنفس القيم والمشاعر، فإذا كان الآباء أو أفراد العائلة يميلون إلى نقد الآخرين أو التقليل من نجاحاتهم كل ذلك قد يؤدي الي نمو الشخص على الاعتقاد بأن نجاح الآخرين شيء سلبي.
*ولكن لماذا دائماً ذلك الشعور يأتي من قبل أشخاص مقربين؟؟ ذلك يكون أكثر إيلامًا وأصعب في التعامل معه عندما يحدث.
و يرجع ذلك لعدة أسباب تجعل هذه المشاعر السلبية تأتي غالبًا من الأشخاص المقربين:
1. العلاقات القريبة تؤدي إلى المقارنات المتكررة:
في العلاقات القريبة، سواء كانت عائلية، صداقة أو زمالة، يحدث التفاعل بشكل يومي أو متكرر، مما يؤدي إلى زيادة المقارنات، فالأشخاص المقربون قد يقارنون نجاحاتهم بإنجازاتك أو يراقبون مسارك الشخصي والمهني بشكل أكبر من الآخرين، وهذا قد يثير الغيرة أو الشعور بالنقص لديهم.
2. الشعور بالتنافس:
في العلاقات القريبة، قد يتولد نوع من التنافس غير الصحي بمعني أن الأصدقاء أو أفراد العائلة قد يشعرون أن نجاحك يضعهم تحت ضغط أكبر أو يتحداهم بشكل غير مباشر، مما يولد لديهم مشاعر الغيرة أو الحسد و هذا التنافس يمكن أن يكون خفياً أو غير معلن، لكنه يظهر في شكل سلوكيات سلبية.
3. التوقعات المرتفعة:
الأشخاص المقربون غالباً ما تكون لديهم توقعات أعلى منك بسبب العلاقات الوثيقة، إذا حققت نجاحًا أو إنجازًا يفوق توقعاتهم أو قدراتهم، قد يشعرون بالتهديد أو الخذلان، خاصة إذا كانوا يشعرون بأنهم يجب أن يحققوا نفس المستوى من النجاح.
4. الاعتماد العاطفي:
العلاقات القريبة تكون غالباً مليئة بالاعتماد العاطفي أي أن الشخص المقرب قد يشعر بأنه يفقد مكانته في حياتك إذا حققت نجاحًا كبيرًا و هذه المشاعر قد تتجلى في الغيرة أو في محاولات التقليل من نجاحاتك، لأنهم يشعرون بأن نجاحك يمكن أن يغير التوازن في العلاقة.
5. الغيرة الناتجة عن الحميمية:
الحميمية في العلاقات تجعل الشخص المقرب يعرف تفاصيل حياتك وأهدافك، وقد يشعر بالغيرة عندما يراك تحقق ما تسعى إليه، فهذه الغيرة قد تكون نابعة من الشعور بأنهم يستحقون نفس النجاح، أو لأنهم يشعرون بعدم قدرتهم على تحقيق ما حققته.
6. الخوف من التغيير في العلاقة:
عندما يحقق شخص ما نجاحًا كبيرًا أو يمر بتغيرات إيجابية في حياته، مثل ترقية مهنية أو تحسين مالي، قد يشعر المقربون بالقلق من أن هذا النجاح سيغير طبيعة العلاقة، حيث أن الخوف من فقدان التوازن في العلاقة قد يؤدي إلى مشاعر سلبية.
7. العلاقات الأسرية المعقدة:
في العائلات يمكن أن تنشأ الغيرة والحسد بسبب العلاقات المعقدة التي تمتد لسنوات فبعض أفراد العائلة قد يشعرون بأنهم يتمتعون بحقوق معينة أو أنهم يجب أن يكونوا في مقدمة النجاح داخل الأسرة، وعندما يحقق أحدهم نجاحًا، قد يشعر الآخرون بالغيرة أو عدم الرضا.
8. الشعور بالملكية أو الحقوق:
الأشخاص المقربون قد يشعرون بأن لهم "حق" في نجاحك أو إنجازاتك، على سبيل المثال قد يشعر أحد أفراد الأسرة بأنه لعب دوراً كبيراً في نجاحك، وبالتالي يتوقع منك أن تشاركه هذا النجاح أو على الأقل أن تُظهر الامتنان المستمر و إذا لم يحدث ذلك، قد يتحول هذا الشعور إلى حسد.
9. التاريخ المشترك:
العلاقات الطويلة الأمد قد تكون مليئة بالأحداث والمواقف التي تُشكل الشعور بالغيرة أو الإحباط مثلاً إذا كان هناك تاريخ من المنافسة أو الشعور بالتجاهل، قد تتفاقم هذه المشاعر السلبية بمرور الوقت، وتظهر على شكل عدم حب الخير للغير.
10. الاقتراب العاطفي يجعل الضرر أكبر:
مشاعر الحسد أو الغيرة من المقربين تؤلم أكثر لأنها تأتي من أشخاص تعتقد أنهم يجب أن يدعموك ويكونوا سعداء بنجاحاتك و عندما يحدث العكس، قد تشعر بالخيانة أو الإحباط، مما يجعل التجربة أكثر صعوبة.
*أمثلة على ما قد يفعله شخص يحمل هذه المشاعر سواء كان يصنف من دائرة المقربين إليك أومجرد معرفة:
1. انتقاد نجاحات الآخرين:
قد يميل إلى التقليل من قيمة وشأن إنجازات الآخرين، فقد يقول أشياء مثل: "هذا النجاح لا يعني شيئاً"، أو "لقد حصل عليه بالحظ فقط"، في محاولة للتقليل من أهمية ما حققه الآخرون.
2. نشر الشائعات:
قد يقوم بنشر شائعات سلبية أو تشويه سمعة الأشخاص الناجحين، و الهدف من ذلك هو إضعاف سمعة الشخص الآخر أو إثارة الشكوك حول نجاحه.
3. محاولة الإضرار بالآخرين:
في بعض الحالات، قد يتصرف الشخص الذي يحمل هذه المشاعر السامه بشكل عدواني أو مؤذٍ، مثل السعي لإفشال خطط الآخرين أو وضعهم في مواقف صعبة، سواء في العمل أو في الحياة الشخصية.
4. المنافسة غير الشريفة:
قد يسعى للتفوق على الآخرين بطرق غير أخلاقية أو غير شريفة، فعلى سبيل المثال قد يحاول أن يقيض جهود الآخرين أو إخفاء معلومات هامة عنهم لتحقيق التفوق.
5. عدم دعم أو تهنئة الآخرين:
نتيجة لتلك المشاعر السامه التي يحملها قد يتجنب تقديم الدعم أو التشجيع للأشخاص الذين يحققون نجاحات، على سبيل المثال عندما يحقق شخص ما إنجازًا قد يتجاهل تقديم التهنئة أو الإشادة به أو قد يقوم بتغيير الموضوع لتجنب الاعتراف بالنجاح.
6. إظهار الفرحة عند فشل الآخرين:
قد يظهر الشخص سعادة عندما يمر الآخرون بفشل أو تعثر و هذا الشعور ينبع من الرغبة في رؤية الآخرين في موقف أقل أو بعيداً عن النجاح.
7. عرقلة التقدم:
قد يحاول الشخص عرقلة تقدم الآخرين بأي وسيلة نتيجة لحقدة عالاخريين، مثل محاولة تعطيل مشاريعهم أو تقيض وتقليل فرصهم في العمل أو المجتمع.
8. التقليل من إنجازات الشخص الآخر أمام الآخرين:
قد يتحدث بسلبية عن إنجازات الشخص الآخر في المجالس الاجتماعية أو المهنية، في محاولة لتقليل من تأثير تلك الإنجازات أو سحب الانتباه عن الشخص الناجح.
9. الغيرة المفرطة والتشكيك في نوايا الآخرين:
قد يشعر هذا الشخص بالغيرة حتى من الإنجازات الصغيرة للآخرين، وقد يشكك في نواياهم مدعيًا أنهم يحاولون التفوق عليه أو استعراض نجاحاتهم عمداً لإثارة غيرته.
10. عدم المشاركة أو المساهمة في نجاح الآخرين:
قد يتجنب الشخص المشاركة في النجاحات الجماعية أو رفض المساهمة في مساعدة الآخرين للوصول إلى أهدافهم، مفضلاً ألا يرى الآخرين يتقدمون أو ينجحون.
11. إظهار السلبية المستمرة:
قد يكون الشخص دائماً سلبيًا، ويحاول نشر هذه السلبية حوله، فقد يقول أشياء مثل "العالم مليء بالظلم" أو "الجميع يحصل على ما يريد إلا أنا"، في محاولة للتقليل من نجاحات الآخرين.
12. التظاهر بالمساعدة ولكن بنوايا سيئة:
قد يتظاهر بمساعدة الآخرين أو تقديم النصائح، لكن في الحقيقة يكون هدفه إفساد تلك المحاولات أو تقديم نصائح سيئة تضر بالشخص الآخر.
13. رفض الاعتراف بجهود الآخرين:
قد يتجاهل الاعتراف بجهود الآخرين أو مساهماتهم في نجاحات معينة، وقد يحاول أخذ الفضل لنفسه في حال كانت هناك نجاحات جماعية.
14. تجنب التعامل مع الأشخاص الناجحين:
قد يتجنب هذا الشخص التعامل أو التواصل مع الأشخاص الذين يحققون نجاحًا ملحوظًا، لأنه يشعر بالغيرة أو الحسد، أو لأنهم يذكرونه بما يفتقده.
التأثيرات السلبية التي تقع علي الشخص نتيجة هذا الشعور السام:
1. التأثير على العلاقات الاجتماعية:
الحسد والغيرة يؤديان إلى توتر العلاقات الشخصية، فالشخص الذي لا يحب الخير للآخرين قد يجد نفسه معزولاً اجتماعياً بسبب سلوكه السلبي تجاه نجاحات الآخرين.
2. التأثير النفسي:
مشاعر الحسد والغيرة يمكن أن تؤدي إلى القلق والاكتئاب، حيث أن الشخص يستمر في التركيز على ما لا يملكه بدلاً من تقدير ما لديه، و هذا التركيز السلبي يستهلك الطاقة النفسية للفرد، ويجعله غير قادر على الشعور بالسعادة والراحة النفسية.
3. تثبيط الذات:
بمعني فقدان قدرة الشخص ومنعه من تحقيق أهدافه الخاصة نتيجة انغماسه في هذه المشاعر السامه و السلبيه، فالتركيز على نجاحات الآخرين والغيرة منهم قد يعطله عن العمل على تحقيق أهدافه الشخصية، مما يؤدي إلى المزيد من الشعور بالفشل.
4. نشر السلبية:
الأشخاص الذين يكرهون الخير للغير غالبًا ما ينشرون السلبية من حولهم وهذا قد يؤثر على بيئة العمل أو الأسرة، حيث يصعب على الآخرين التعامل معهم أو الشعور بالراحة حولهم.
*كيفية التعامل مع مثل هذه الشخصيات:
اولاً: الوعي بوجود المشكلة
حيث أن إدراك أن الشخص الآخر يعاني من مشاعر الحسد والغيرة هو الخطوة الأولى للتعامل معه، قد يكون من المفيد تجنب الانخراط العاطفي العميق مع مثل هؤلاء الأشخاص.
ثانياً: وضع الحدود
من المهم وضع حدود واضحة مع الأشخاص الذين يظهرون سلوكيات سلبية مثل الحسد والغيرة، يجب على الفرد أن يحافظ على مسافة صحية لتجنب تأثير هذه المشاعر السلبية على حياته.
ثالثاً: التعامل بحذر
يمكن التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص بطريقة هادئة وغير تصادمية فبدلاً من الدخول في جدالات أو نزاعات، يمكن للشخص أن يحاول تغيير الموضوع أو التعامل معهم بطريقة هادئة.
رابعاً: الابتعاد إذا لزم الأمر
قد يكون من الأفضل في بعض الحالات الابتعاد عن الأشخاص الذين يكرهون الخير للغير إذا كانوا يؤثرون سلباً على صحة الفرد النفسية أو سعادته.
اذاً كيف يستطيع الأفراد علاج شعورهم بتلك المشاعر السامه ؟
اولاً: تعزيز الثقة بالنفس
الثقة بالنفس والتصالح مع الذات يعزز ويقوي من قدرة الفرد على تقبل نجاح الآخرين، فعندما يشعر الشخص بالرضا عن نفسه يصبح أقل عرضة للغيرة.
ثانياً: الاهتمام بالذات و التركيز على تطويرها
يمكن للفرد التركيز والاهتمام بتحقيق أهدافه الشخصية وتحسين نفسه بدلاً من التركيز على ما يمتلكه الآخرون.
ثالثاً: التوقف عن المقارنات
الامتناع عن مقارنة النفس بالآخرين يساعد في الحد من مشاعر الحسد، فمن المهم أن يتذكر كل شخص بأن لديه رحلة خاصة به وظروف مختلفة عن غيره.
رابعاً: ممارسة الامتنان
يمكن لممارسة الامتنان والتقدير لما يمتلكه الشخص بالفعل، أن تساعد في تغيير النظرة السلبية إلى نظرة أكثر إيجابية.
خامساً: تقديم الدعم للآخرين
فبدلاً من الشعور بالغيرة يمكن أن يقوم الفرد بتعزيز العلاقات الإيجابية والتعاطف مع الآخرين من خلال تقديم الدعم والتشجيع لبعضهم البعض مما يساهم في بناء روح التعاون بدلاً من التنافس السلبي.
خاتمه :
من المهم أن نتذكر أن مشاعر الحسد والغيرة هي جزء من التجربة الإنسانية و من الطبيعي أن نواجه هذه المشاعر في علاقاتنا المقربة، لكن من المهم أن نعرف كيف نتعامل معها بحكمة للحفاظ على علاقاتنا وصحتنا النفسية في نفس الوقت.